التمسّک بالعامّ فی الشبهة المفهومیة

التمسّک بالعامّ فی الشبهة المفهومیة

‏ ‏

‏فنقول : یقع البحث فی الشبهة المفهومیة فی مقامین :‏

المقام الأوّل :‏ فـی المخصّص المتّصل المجمل مـن حیث المفهوم ، وهـو‏‎ ‎‏علی قسمین :‏

الأوّل :‏ ما کان أمره دائراً بین الأقلّ والأکثر ، کما إذا شکّ فی أنّ الفاسق هو‏‎ ‎‏خصوص مرتکب الکبیرة أو الأعمّ منها والصغیرة .‏

فالحقّ :‏ سریان إجماله إلی العامّ ، ولا یکون العامّ المخصّص حجّة فی موارد‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 175
‏الشکّ ؛ لأنّ اتصال المخصّص المجمل یوجب عدم انعقاد ظهوره من أوّل إلقائه إلاّ‏‎ ‎‏فی العالم غیر الفاسق أو العالم العادل ، ولیس لکلّ من الموصوف والصفة ظهور‏‎ ‎‏مستقلّ حتّی یتشبّث بظهور العامّ فی الموارد المشکوکة ، فیشبه المقام بباب المقیّد‏‎ ‎‏إذا شکّ فی حصول قیده ؛ أعنی العدالة أو عدم الفسق فیمن کان مرتکباً للصغیرة .‏

‏وبعبارة ثانیة : أنّ الحکم فی العامّ الذی استثنی منه أو اتّصف بصفة مجملة‏‎ ‎‏متعلّق بموضوع وحدانی عرفاً ، فکما أنّ الموضوع فی قولنا : «أکرم العالم العادل»‏‎ ‎‏هو الموصوف بما هو کذلک فهکذا قولنا : «أکرم العلماء إلاّ الفسّاق منهم» ؛ ولذا‏‎ ‎‏لا ینقدح التعارض حتّی التعارض البدوی بین العامّ والمخصّص ، کما ینقدح بینه‏‎ ‎‏وبین منفصله .‏

‏فحینئذٍ : کما لا یجوز التمسّک بالعامّ ، کقولنا : «لا تکرم الفسّاق» إذا کان‏‎ ‎‏مجمل الصدق بالنسبة إلی مورد ، کذلک لا یجوز فی العامّ المتّصف أو المستثنی منه‏‎ ‎‏بشیء مجمل بلا فرق بینهما .‏

الثانی :‏ ما إذا دار مفهومه بین المتباینین مع کونه متّصلاً ، کما إذا استثنی منه‏‎ ‎‏زیداً ، واحتمل أن یکون المراد هو زید بن عمرو وأن یکون هو زید بن بکر .‏

والحقّ :‏ سریان إجماله أیضاً بالبیان المتقدّم فی الأقلّ والأکثر ؛ لأنّ الموضوع‏‎ ‎‏یصیر بعد الاستثناء العالم الذی هو غیر زید ، وهو أمر وحدانی لا یکون حجّة إلاّ‏‎ ‎‏فیما ینطبق علیه یقیناً ، والمفروض أنّه مجمل من حیث المفهوم ، فکیف یمکن‏‎ ‎‏الاحتجاج بشیء یشکّ فی انطباقه علی المشکوک ؟‏

وأمّا المقام الثانی‏ ـ أعنی المخصّص المنفصل المجمل من حیث المفهوم ـ‏‎ ‎‏فهو أیضاً علی قسمین :‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 176
الأوّل :‏ ما إذا دار بین الأقلّ والأکثر ، فلا یسری أصلاً ، ویتمسّک به فی موارد‏‎ ‎‏الشکّ ؛ لأنّ الخاصّ المجمل لیس بحجّة فی موارد الإجمال ، فلا ترفع الید عن‏‎ ‎‏الحجّة بما لیس بحجّة ، ولا یصیر العامّ معنوناً بعنوان خاصّ فی المنفصلات .‏

وبعبارة أوضح :‏ أنّ الحکم قد تعلّق بعنوان الکلّ والجمیع ، فلا محالة یتعلّق‏‎ ‎‏الحکم علی الأفراد المتصوّرة إجمالاً ، والأصل العقلائی حاکم علی التطابق بین‏‎ ‎‏الإرادتین فی عامّة الأفراد ، فلا یرفع الید عن هذا الظهور المنعقد إلاّ بمقدارٍ قامت‏‎ ‎‏علیه الحجّة ، والمفروض أنّ الحجّة لم تقم إلاّ علی مرتکب الکبائر ، وغیرها‏‎ ‎‏مشکوک فیه .‏

‏ولا یقاس ذلک بالمتّصل المردّد بین الأقلّ والأکثر ؛ إذ لم ینعقد للعامّ هناک‏‎ ‎‏ظهور قطّ ، إلاّ فی المعنون بالعنوان المجمل ، والمرتکب للصغائر مشکوک الدخول‏‎ ‎‏فی العامّ هناک من أوّل الأمر ، بخلافه هنا ؛ فإنّ ظهور العامّ یشمله قطعاً .‏

‏کیف ، فلو کان المخصّص المجمل حکماً ابتدائیاً من دون أن یسبقه العامّ لما‏‎ ‎‏کان حجّة إلاّ فی مقدار المتیقّن دون المشکوک ، فکیف مع ظهور العامّ فی إکرام‏‎ ‎‏المشکوک ؟‏

‏وأمّا ما أفاده شیخنا العلاّمة ـ أعلی الله مقامه ـ من أنّه یمکن أن یقال : إنّه‏‎ ‎‏بعد ما صارت عادة المتکلّم علی ذکر المخصّص منفصلاً فحال المنفصل فی کلامه‏‎ ‎‏حال المتّصل فی کلام غیره‏‎[1]‎‏ ، لا یخلو عن نظر ؛ فإنّ وجوب الفحص عن‏‎ ‎‏المخصّص باب ، وسرایة إجمال المخصّص إلیه باب آخر . ومقتضی ما ذکره عدم‏‎ ‎‏جواز العمل بالعامّ قبل الفحص ، لا سرایة الإجمال ؛ لأنّ ظهور العامّ لا ینثلم لأجل‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 177
‏جریان تلک العادة ، کما أنّ الأصل العقلائی بتطابق الاستعمال والجدّ حجّة بعد‏‎ ‎‏الفحص عن المخصّص وعدم العثور إلاّ علی المجمل منه ، لکنّه ‏‏قدس سره‏‏ رجع فی الدورة‏‎ ‎‏الأخیرة عمّا أفاده فی متن کتابه‏‎[2]‎‏ .‏

‏نعم ، لو کان الخاصّ المجمل المردّد بین الأقلّ والأکثر وارداً بلسان الحکومة‏‎ ‎‏علی نحو التفسیر والشرع ـ کما فی بعض أنحاء الحکومات ـ فسرایة إجماله‏‎ ‎‏وصیرورة العامّ معنوناً غیر بعیدة ، کما إذا قال المراد من العلماء هو غیر الفسّاق ، أو‏‎ ‎‏أنّ الوجوب لم یجعل علی الفاسق منهم . ومع ذلک فالمسألة بعد محلّ إشکال .‏

القسم الثانی :‏ ما إذا دار المخصّص المنفصل بین المتباینین .‏

فالحقّ :‏ أنّه یسری الإجمال إلیه حکماً ؛ بمعنی عدم جواز التمسّک به فی‏‎ ‎‏واحـد منهما ؛ وإن کان العامّ حجّـة فی واحـد معیّن واقعاً ، ولازمـه إعمال قواعـد‏‎ ‎‏العلم الإجمالی .‏

‏وإن شئت قلت : إنّ العلم الإجمالی بخـروج واحـد منهما یوجب تساوی‏‎ ‎‏العامّ فی الشمول لکلّ واحد منهما ، ولا یتمسّک به فی إثبات واحد منهما إلاّ‏‎ ‎‏بمرجّح ، وهو منتفٍ بالفرض .‏

‏وبتعبیر آخـر : أنّه بعد الاطّلاع بالمخصّص لا متیقّن فی البین حتّی یؤخـذ به‏‎ ‎‏ویترک المشکوک ، کما فی الأقلّ والأکثر ، بل کلاهما فی الاحتمال متساویان ، فلا‏‎ ‎‏محیص عـن إجراء قواعـد العلم الإجمالی .‏

‏فلو کان المخصّص رافعاً لکُلفة الوجـوب عـن مـورد التخصیص وکان‏‎ ‎‏مقتضی العامّ هـو الوجـوب فلازمـه إکرام کـلا الرجلین حتّی یستیقن بالبراءة .‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 178
‏ولـو کان المخصّص ظاهـراً فی حرمـة مورده فیکون المقام مـن قبیل دوران الأمـر‏‎ ‎‏بین المحذورین ، ولکلٍّ حکمه .‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 179

  • )) درر الفوائد ، المحقّق الحائری : 215 .
  • )) درر الفوائد ، المحقّق الحائری : 215 ، الهامش 1 .