الأمر الثالث فی عدم احتیاج العامّ إلی مقدّمات الحکمة

الأمر الثالث فی عدم احتیاج العامّ إلی مقدّمات الحکمة

‏ ‏

‏ربّما یقال إنّ استفادة العموم فی جمیع المقامات یتوقّف علی إجراء مقدّمات‏‎ ‎‏الحکمة ؛ لأنّ الألفاظ المفیدة للعموم تابعة لمدخولها ، فإذا اُخذ المدخول مطلقاً یدلّ‏‎ ‎‏علی تمام أفراده بنحو الإطلاق ، وإذا اُخذ مهملاً أو مقیّداً یدلّ علی استیعابه کذلک .‏‎ ‎‏ومثلها «لا» النافیة ؛ إذ هی موضوعة لنفی الطبیعة ؛ سواء کان مطلقة أو مهملة ،‏‎ ‎‏وإحراز کونها نافیة بصرافتها یحتاج إلی إجراء مقدّمات الحکمة‏‎[1]‎‏ .‏

وفیه :‏ أنّه غیر متین جدّاً لو اُرید من إجراء المقدّمات إثبات کون کلّ فرد‏‎ ‎‏موضوعاً للحکم ؛ لأنّ الاحتیاج إلی الإطلاق ومقدّماته فیما إذا لم یکن فی الکلام‏‎ ‎‏دلالة لفظیة علی أنّ کلّ واحد موضوع للحکم حتّی یثبت الإطلاق کون کلّ فرد‏‎ ‎‏موضوعاً علی مبنی القوم فی باب الإطلاق ، وأمّا إذا توصّل إلیه المتکلّم بالأدوات‏‎ ‎‏الموضوعة له فلا حاجة إلیه .‏

وبعبارة ثانیة :‏ أنّ موضوع الإطلاق هو الطبیعة ، وإذا جرت مقدّماته‏‎ ‎‏یستکشف أنّ تمام الموضوع هی نفسها دون قید معها ، وموضوع العامّ هو أفراد‏‎ ‎‏الطبیعة لا نفسها ، کما عرفت من قوله سبحانه : ‏‏«‏‏ ‏أَوفُوا بِالعُقُودِ‏ ‏‏»‏‏ .‏

‏وعلیه یکون جریان المقدّمات فی استفادة العموم لغواً عاطلاً ؛ لأنّ المقدّمات‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 160
‏تجری بعد تعلّق الحکم ، والمفروض أنّ الحکم متعلّق بالأفراد ؛ لأنّ لفظ «کلّ»‏‎ ‎‏وغیره یدلّ علی استغراق المدخول ، فحینئذٍ هذه الألفاظ دالّة علی الاستغراق‏‎ ‎‏بحکم أوضاعها ؛ جرت المقدّمات أو لا .‏

أضف إلی ما ذکرنا :‏ أنّ ألفاظ العموم موضوعة للکثرة لغة ، وإضافتها إلی‏‎ ‎‏الطبیعة تفید الاستغراق ، وتعلّق الحکم متأخّر عنه . فحینئذٍ جریان المقدّمات متأخّر‏‎ ‎‏برتبتین ، فلا یعقل توقّفه علیه .‏

‏نعم ، لو کان الغرض من إجرائها هو دفع احتمال دخالة بعض حالات الفرد‏‎ ‎‏وأوقاته فالحقّ أنّه یحتاج فی دفعه إلی التمسّک به ، وسیوافیک أنّ مصبّ الإطلاق‏‎ ‎‏تارة یکون نفس الطبیعة باعتبار قیودها وصنوفها ، واُخری یکون الفرد الخارجی‏‎ ‎‏باعتبار حالاته ، فانتظر‏‎[2]‎‏ .‏

والحاصل :‏ أنّ دخول ألفاظ العموم علی نفس الطبیعة المهملة یدلّ علی‏‎ ‎‏استغراق أفرادها ، ومعه لا حاجة فی جانب الأفراد إلی التمسّک به . ویشهد لما‏‎ ‎‏ذکرنا قضاء العرف بذلک ، وأنت إذا تفحّصت جمیع أبواب الفقه وفنون المحاورات‏‎ ‎‏لا تجد مورداً یتوقّف فیه العرف فی استفادة العموم من القضایا المسوّرة بألفاظه من‏‎ ‎‏جهة عدم کون المتکلّم فی مقام البیان ، کما یتوقّفون فی المطلقات إلی ما شاء الله .‏

‏والعجب ممّن یری أنّ الإطلاق بعد جریان المقدّمات یفید العموم ، ومعه‏‎ ‎‏ذهب إلی لزوم جریانها فی العموم‏‎[3]‎‏ ، مع أنّ لازمه لغویة الإتیان بألفاظ العموم .‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 161

  • )) أجـود التقریرات 1 : 163 و 440، اُنظر درر الفوائـد ، المحقّق الحائری : 210 ـ 211 ، نهایـة الدرایة 2 : 446 .
  • )) یأتی فی الصفحة 259 .
  • )) أجود التقریرات 1 : 163 و 440 .