الفصل الرابع فی مفهوم الاستثناء

الفصل الرابع فی مفهوم الاستثناء

‏ ‏

‏ومن جملة ما یستفاد منه المفهوم الجملة المحفوفة بالاستثناء ، والکلام فیها‏‎ ‎‏یقع فی مقامین :‏

الأوّل :‏ هـل الاستثناء مـن النفی یـدلّ علی الإثبات ، ومـن الإثبات یـدلّ‏‎ ‎‏علی النفی ؟‏

‏الظاهر ـ کما هو المشهور ـ کذلک ؛ للتبادر فی اللغات التی نمارسها .‏

والمخالف فی المقام :‏ هو أبو حنیفة‏‎[1]‎‏ ؛ مستدّلاً بالأثر المشهور ‏«لا صلاة إلاّ‎ ‎بفاتحة الکتاب»‎[2]‎‏ أو ‏«بطهور»‎[3]‎‏ فإنّه علی تقدیر الدلالة یلزم أن یکون الصلاة‏‎ ‎‏المقرونة بها مع فقد سائر شرائطها صلاة تامّة .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 149
وأنت خبیر :‏ بأنّ المتکلّم فی مقام بیان أنّ الفاتحة من أجزاء الصلاة ؛ بحیث‏‎ ‎‏تنتفی بانتفائها ، ولا تثبت إلاّ بإثباتها . وأمّا أنّ محقّق الصلاة هی نفسها وحدها أو‏‎ ‎‏هی بانضمام شرائط اُخری فلیس بصدد بیانه .‏

‏وبعبارة أوضح : أنّ هذا الکلام بصدد إفادة شرطیة الطهارة وجزئیة الفاتحة‏‎ ‎‏فی الصلاة لا الإخبار عن أنّ الصلاة تتحقّق عند وجودها دائماً ، فهو بصدد إفادة‏‎ ‎‏الجزئیة لا بصدد الإخبار عن العقد السلبی والإیجابی ، وفی مثله لا یجری ما یجری‏‎ ‎‏فی مثل «جاءنی القوم إلاّ زیداً» .‏

‏هذا ، وقد یستدلّ للمطلوب بقبول رسول الله  ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ إسلام من قال «لا إله إلاّ‏‎ ‎‏الله » ، ولولا دلالته علی إثبات الاُلوهیة لله لما کان مفیداً لذلک .‏

‏هذا ، ویمکن أن یقال : إنّ القوم فی صدر الإسلام لم یکونوا مشرکین فی ذات‏‎ ‎‏الواجب تعالی ، بل کانوا معتقدین لوحدة ذاته ، فقد کانوا یعبدون الأصنام لیقرّبوهم‏‎ ‎‏إلی الله زلفی . فکلمة الإخلاص وردت لردّهم ، فمعناه نفی استحقاق العبودیة عمّا‏‎ ‎‏سواه لا إثبات کونه معبوداً .‏

‏ویؤیّد ذلک : أنّ کلمة «إله» بمعنی المعبود ، فحاصله : أنّه غیره تعالی غیر‏‎ ‎‏مستحقّ للعبودیة .‏

‏وبالجملة : أنّ وجود البارئ کان مفروغاً عنه عند عَبَدة الأصنام والأوثان ،‏‎ ‎‏وکان الغرض من عبادتهم لها لأجل کونها وسائط القرب من الله تبارک وتعالی ؛‏‎ ‎‏فکلمة الإخلاص وردت لنفی معبودیة غیر الله تعالی .‏

وبذلک‏ یتّضح الجـواب عـن الإشکال المعروف : مـن أنّ الخبر المقدّر إمّا‏‎ ‎‏لفظ موجـود أو ممکـن ؛ وعلی الأوّل یـدلّ الاستثناء علی حصر وجـود الآلهـة‏‎ ‎‏فی البارئ ، ولا یـدلّ علی نفی إمکـان الغیر ، وعلی الثانی یـدلّ علی إثبات‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 150
‏الإمکان لوجوده لا علی وجوده .‏

وجه الاتّضاح :‏ هو أنّ کلمة الإخلاص سیقت لنفی ما یعتقده عبدة الأوثان من‏‎ ‎‏الشرک فی العبادة ، لا لإثبات وجود الواجب أو وجوبه حتّی یرد الإشکال .‏

‏وأمّا الأجوبة الفلسفیة وإن کانت صحیحة فی محلّها ، لکنّها لبُعدها عن‏‎ ‎‏أذهان العامّة لا یمکن ابتناء قبوله علیها ممّا قصرت أفهام العامّة عنها .‏

وأمّا الثانی‏ ـ أی الدلالة علی الحصر ـ فهو أیضاً ثابت بالتبادر والارتکاز‏‎ ‎‏العرفی ممّا هو المعمول فی أمثال المقامات ، فخروج فرد آخر مخالف للحصر ، کما‏‎ ‎‏أنّه مخالف للعموم فی مثل قوله «أکرم کلّ عالم إلاّ زیداً» .‏

‏ ‏

بلغ الکلام إلی هنا ، لیلة الثلاثاء بعدما مضی سبع‎ ‎وعشرون من الجمادی الاُولی من شهور سنة 1373 من‎ ‎الهجرة النبویة ، علی صاحبها آلاف الثناء والتحیة .‎ ‎


کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 151

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 152

  • )) اُنظر مطارح الأنظار : 187 / السطر25 ، شرح العضدی علی مختصر ابن الحاجب : 265 ، المحصول فی علم اُصول الفقه 2 : 548 .
  • )) عوالی اللآلی 3 : 82 / 65 ، مستدرک الوسائل 4 : 158 ، کتاب الصلاة ، أبواب القراءة فی الصلاة ، الباب 1 ، الحدیث 5 و 8 .
  • )) تهذیب الأحکام 1 : 49 / 144 .