الفصل الرابع فی مفهوم الاستثناء
ومن جملة ما یستفاد منه المفهوم الجملة المحفوفة بالاستثناء ، والکلام فیها یقع فی مقامین :
الأوّل : هـل الاستثناء مـن النفی یـدلّ علی الإثبات ، ومـن الإثبات یـدلّ علی النفی ؟
الظاهر ـ کما هو المشهور ـ کذلک ؛ للتبادر فی اللغات التی نمارسها .
والمخالف فی المقام : هو أبو حنیفة ؛ مستدّلاً بالأثر المشهور «لا صلاة إلاّ بفاتحة الکتاب» أو «بطهور» فإنّه علی تقدیر الدلالة یلزم أن یکون الصلاة المقرونة بها مع فقد سائر شرائطها صلاة تامّة .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 149
وأنت خبیر : بأنّ المتکلّم فی مقام بیان أنّ الفاتحة من أجزاء الصلاة ؛ بحیث تنتفی بانتفائها ، ولا تثبت إلاّ بإثباتها . وأمّا أنّ محقّق الصلاة هی نفسها وحدها أو هی بانضمام شرائط اُخری فلیس بصدد بیانه .
وبعبارة أوضح : أنّ هذا الکلام بصدد إفادة شرطیة الطهارة وجزئیة الفاتحة فی الصلاة لا الإخبار عن أنّ الصلاة تتحقّق عند وجودها دائماً ، فهو بصدد إفادة الجزئیة لا بصدد الإخبار عن العقد السلبی والإیجابی ، وفی مثله لا یجری ما یجری فی مثل «جاءنی القوم إلاّ زیداً» .
هذا ، وقد یستدلّ للمطلوب بقبول رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم إسلام من قال «لا إله إلاّ الله » ، ولولا دلالته علی إثبات الاُلوهیة لله لما کان مفیداً لذلک .
هذا ، ویمکن أن یقال : إنّ القوم فی صدر الإسلام لم یکونوا مشرکین فی ذات الواجب تعالی ، بل کانوا معتقدین لوحدة ذاته ، فقد کانوا یعبدون الأصنام لیقرّبوهم إلی الله زلفی . فکلمة الإخلاص وردت لردّهم ، فمعناه نفی استحقاق العبودیة عمّا سواه لا إثبات کونه معبوداً .
ویؤیّد ذلک : أنّ کلمة «إله» بمعنی المعبود ، فحاصله : أنّه غیره تعالی غیر مستحقّ للعبودیة .
وبالجملة : أنّ وجود البارئ کان مفروغاً عنه عند عَبَدة الأصنام والأوثان ، وکان الغرض من عبادتهم لها لأجل کونها وسائط القرب من الله تبارک وتعالی ؛ فکلمة الإخلاص وردت لنفی معبودیة غیر الله تعالی .
وبذلک یتّضح الجـواب عـن الإشکال المعروف : مـن أنّ الخبر المقدّر إمّا لفظ موجـود أو ممکـن ؛ وعلی الأوّل یـدلّ الاستثناء علی حصر وجـود الآلهـة فی البارئ ، ولا یـدلّ علی نفی إمکـان الغیر ، وعلی الثانی یـدلّ علی إثبات
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 150
الإمکان لوجوده لا علی وجوده .
وجه الاتّضاح : هو أنّ کلمة الإخلاص سیقت لنفی ما یعتقده عبدة الأوثان من الشرک فی العبادة ، لا لإثبات وجود الواجب أو وجوبه حتّی یرد الإشکال .
وأمّا الأجوبة الفلسفیة وإن کانت صحیحة فی محلّها ، لکنّها لبُعدها عن أذهان العامّة لا یمکن ابتناء قبوله علیها ممّا قصرت أفهام العامّة عنها .
وأمّا الثانی ـ أی الدلالة علی الحصر ـ فهو أیضاً ثابت بالتبادر والارتکاز العرفی ممّا هو المعمول فی أمثال المقامات ، فخروج فرد آخر مخالف للحصر ، کما أنّه مخالف للعموم فی مثل قوله «أکرم کلّ عالم إلاّ زیداً» .
بلغ الکلام إلی هنا ، لیلة الثلاثاء بعدما مضی سبع وعشرون من الجمادی الاُولی من شهور سنة 1373 من الهجرة النبویة ، علی صاحبها آلاف الثناء والتحیة .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 151
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 152