الفصل الثانی فی مفهوم الوصف

الفصل الثانی فی مفهوم الوصف

‏ ‏

‏وقبل الخوض ینبغی تقدیم أمرین :‏

الأوّل :‏ الظاهر أنّ محطّ البحث هو مطلق الوصف ؛ سواء اعتمد علی‏‎ ‎‏موصوفـه أم لا ؛ لأنّ المثبت‏‎[1]‎‏ ربّما یتمسّک بفهم أبی عبیدة فی قولـه ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ :‏‎ ‎«مطل الغنی ظلم»‎[2]‎‏ و ‏«لیّ الواجد یحلّ عقوبته وعرضه»‎[3]‎‏ . وتری أنّ النافی‏‎ ‎‏لم یردّه بأنّه خارج عـن محطّ البحث ؛ لأنّ الوصف لم یعتمد علی موصوفـه ، بل‏‎ ‎‏ردّه بوجه آخر . علی أنّ الأدلّة المذکورة من الوضع والصون عـن اللغویة جاریـة‏‎ ‎‏فی کلا المقامین .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 139
وبما ذکرنا یظهر :‏ ضعف ما أفاده بعض الأعاظم من أنّ الالتزام بالمفهوم فیما‏‎ ‎‏إذا ذکر الموصوف صریحاً إنّما هو لخروج الکلام عن اللغویة ، وهذا لا یجری فی‏‎ ‎‏مثل «أکرم عالماً» ؛ فإنّ ذکر الموضوع لا یحتاج إلی نکتة غیر إثبات الحکم له ،‏‎ ‎‏لا إثباته له ونفیه عن غیره‏‎[4]‎‏ ، انتهی .‏

وجه الضعف :‏ هو أنّ اللغویة یأتی فی الثانی أیضاً ؛ لأنّ الحکم لو کان ثابتاً‏‎ ‎‏لفاقد الوصف لما کان لذکر الموصوف بما هو موصوف وجه ، والصون عن اللغویة‏‎ ‎‏لو تمّ فی الأوّل لتمّ فی الثانی . وبالجملة هما متّحدان استدلالاً وجواباً .‏

الثانی :‏ أنّ استفادة المفهوم من الوصف کاستفادته من الجملة الشرطیة ، فلابدّ‏‎ ‎‏من حفظ جمیع ما ذکر فی الکلام من القیود ، عدا الوصف الذی یدور علیه المفهوم .‏

‏وعلیه : فلو کان الوصف أخصّ مطلقاً من الموصوف فلا ریب فی دخوله فی‏‎ ‎‏محطّ البحث ؛ لبقاء الموضوع بعد انتفائه ؛ حتّی فی الوصف الذی لم یعتمد علی‏‎ ‎‏موصوفه ، مثل قولک «أکرم عالماً» ؛ إذ لابدّ علی القول بالمفهوم من تقدیر موصوف‏‎ ‎‏عند التحلیل .‏

‏کما لا ریب فی خروج الوصف المساوی لموصوفه عن حریم النزاع ؛‏‎ ‎‏لارتفاع الموضوع بارتفاعه ، فلا یبقی للحکم مرکز حتّی یحمل علیه أو یسلب عنه .‏

‏وما فی کلام المحقّق الخراسانی من تعمیم البحث للمساوی‏‎[5]‎‏ فهو‏‎ ‎‏مخدوش ، وأمّا العامّان من وجه فلو کان الافتراق من جانب الموصوف ـ کما فی‏‎ ‎‏مثل : ‏«فی الغنم السائمة زکاة»‎[6]‎‏ فی مقابل الغنم غیر السائمة ـ فهو داخل أیضاً فی‏‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 140
‏محطّ النزاع ، نعم لو کان الافتراق من جانب الوصف فهو خارج قطعاً .‏

‏وما حکی عن بعض الشافعیة من أنّ قوله «فی الغنم السائمة زکاة» یدلّ علی‏‎ ‎‏عدم الزکاة فی الإبل المعلوفة‏‎[7]‎‏ فاسد ؛ لأنّ حفظ الموضوع فی المنطوق والمفهوم‏‎ ‎‏ممّا لابدّ منه ، وإنّما الاختلاف بینهما فی تحقّق الوصف فی أحدهما دون الآخر بعد‏‎ ‎‏حفظه ، فلا معنی لنفی الحکم عن موضوع أجنبی ، وعدّه مفهوماً للکلام .‏

إذا عرفت ما ذکرنا فاعلم :‏ أنّ الحقّ عدم دلالة الجملة الوصفیة علی المفهوم ؛‏‎ ‎‏لا بالوضع والتبادر ولا بالإطلاق .‏

‏وما یقال : من أنّ الإطلاق کما یدلّ علی أنّه تمام الموضوع وبلا شریک کذلک‏‎ ‎‏یدلّ علی أنّه بلا عدیل قد عرفت جوابه فیما مضی مفصّلاً‏‎[8]‎‏ .‏

‏والتمسّک بفهم أبی عبیدة ضعیف جدّاً ؛ ضرورة أنّه لا یثبت به الوضع ، ولم‏‎ ‎‏یعلم أنّه ادّعی الوضع ، بل لعلّه استند إلی قرائن حافّة بالکلام وغیر ذلک من‏‎ ‎‏الاحتمالات .‏

‏وأمّا لزوم اللغویة فمدفوع بأنّ الغرض لا ینحصر فی الاحتراز ، ولو سلّمنا‏‎ ‎‏فهی أیضاً حاصلة ؛ لأنّ معناها أنّ الذات بلا قید لیس موضوعاً للحکم ، وهو هناک‏‎ ‎‏کذلک ، وهو لا یدلّ علی عدم نیابة قید مکانه عند فقدانه .‏

والعجب عمّا اُفید فی المقام من التدقیقات الصناعیة‏ ـ وإن مرّ نظیره فی‏‎ ‎‏مفهوم الشرط ـ ومحصّله : أنّه بعد إحراز أنّ الأصل فی القید أن یکون احترازیاً أنّ‏‎ ‎‏معنی قیدیة شیء لموضوع حکم هو أنّ ذات الموضوع غیر قابلة لتعلّقه بها إلاّ بعد‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 141
‏اتّصافها بهذا الوصف ، فالوصف متمّم قابلیة القابل ، وهو معنی الشرط حقیقة ،‏‎ ‎‏وحیث إنّ الظاهر دخله بعنوانه الخاصّ ـ إذ مع تعدّد العلّة یکون الجامع علّة ، وهو‏‎ ‎‏خلاف الظاهر ـ فلا محالة ینتفی سنخ الوجوب بانتفاء قید الموضوع‏‎[9]‎‏ ، انتهی .‏

وفیه وجوه من الإشکال ،‏ قد نبّهنا علیها غیر مرّة :‏

‏منها : قیاس التشریع بالتکوین . وتقدّم بطلانه ؛ إذ لا مانع من جعل العناوین‏‎ ‎‏المختلفة موضوعاً لحکم واحد بالنوع .‏

‏ومنها : إجراء القاعدة المعروفة فی الفنّ الأعلی فی نظائر المقام ، مع أنّه‏‎ ‎‏لا مساس لها بهذه المقامات أصلاً ، وهو غیر خفی علی أهلها .‏

‏ومنها : حدیث تأثیر الجامع . مع أنّک قد عرفت أنّه غیر صحیح ، وأنّ الجامع‏‎ ‎‏بنعت الجامعیة یمتنع أن یکون موجوداً خارجیاً حتّی یؤثّر فی الشیء ، وإلاّ یلزم‏‎ ‎‏الالتزام بمقالة الرجل الهمدانی‏‎[10]‎‏ .‏

‏ومنها : أنّه بعد تسلیم هذه المقدّمات لا یفید شیئاً ؛ لأنّ المیزان فی هذا المقام‏‎ ‎‏هو فهم العرف الساذج لا الدقائق الفلسفیة .‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 142

  • )) اُنظر قوانین الاُصول 1 : 178 / السطر13 ، الفصول الغرویة : 151 / السطر35 ، شرح العضدی علی مختصر ابن الحاجب : 311 .
  • )) راجع وسائل الشیعة 18 : 333 ، کتاب التجارة ، أبواب الدین والقرض ، الباب 8 ، الحدیث 3 ، صحیح مسلم 3 : 383 / 33 ، سنن النسائی 7 : 317 .
  • )) راجع وسائل الشیعة 18 : 334 ، کتاب التجارة ، أبواب الدین والقرض ، الباب 8 ، الحدیث 4 ، سنن ابن ماجة 2 : 811 / 2427 ، سنن النسائی 7 : 316 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 1 : 501 .
  • )) کفایة الاُصول : 245 .
  • )) عوالی اللآلی 1 : 399 / 50 .
  • )) اُنظر مطارح الأنظار : 182 / السطر22 ، المنخول من تعلیقات الاُصول : 291 ـ 292 و307 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 102 .
  • )) نهایة الدرایة 2 : 435 ـ 436 .
  • )) راجع ما تقدّم فی الجزء الأوّل : 28 .