الرابعة : فی إمکان التداخل وعدمه
قبل الخوض فی المقصود لابدّ من إثبات إمکان التداخل وعدمه :
أمّا إمکان التداخل ؛ بمعنی اجتماع أسباب متعدّدة شرعیة علی مسبّب واحد فلا إشکال فیه ؛ لأنّ الأسباب الشرعیة لیست کالعلل التکوینیة حتّی یمتنع اجتماعها ؛ إذ للشارع جعل النوم والبول سبباً لإیجاب الوضوء فی حال الانفراد
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 115
والاجتماع ـ بناءً علی إمکان جعل السببیة ـ کما أنّ له جعل إیجاب الوضوء عقیب النوم فی حال انفراده وعقیبهما فی صورة اجتماعهما .
وأمّا عدم التداخل : فقال بعض الأکابر بامتناعه ، بدعوی أنّه یمتنع أن یکون متعلّق الوجوب فی القضیتین الحیثیـة المطلقة ؛ لامتناع تعلّق الوجوبین بشیء واحد ، فلابدّ أن یکون کلاهما أو أحدهما مقیّداً ، فیسأل عمّا یقیّد الطبیعة ، فلابدّ أن یکون متعلّق الوجوب فی الشرطیة الاُولی نفس الطبیعة ، وفی الثانیة الطبیعة الاُخری متقیّدة به ، أو بالعکس . ویمکن التغایر بوجه آخر ؛ وهو أن یتعلّق الأمر فی الاُولی علی فرد منها ، وفی الثانیة علی فرد آخر ، أو بالعکس .
ولکن التقیید ممتنع ؛ لأنّ النوم قد یکون مقدّماً علی البول وقد یکون مؤخّراً عنه ، فلا یصحّ أن یقال فی صورة التقدّم : «إذا نمت فتوضّأ وضوءً آخر» . علی أنّ ذلک إنّما یصحّ إذا کان کلّ من الخطابین ناظراً إلی الآخر ؛ بأن یقول : «إذا بلت فتوضّأ وضـوءً غیر ما یجب علیک بسبب النوم» والالتزام به مشکل ؛ بداهة عدم کون کلّ واحـد ناظـراً إلی الآخر ، فالإشکال کلّـه فی إمکان التقیید ، لعدم قید صالح لذلک .
وفیه : أنّـه إذا ثبت ظهور القضیتین فی عـدم التداخـل ، وانحصر الإشکال فی تصویر القید الصالح فلنا تصویر قید آخـر ـ ولو لم یکن فی الکلام ـ بأن یقال : «إذا نمت فتوضّأ مـن قبل النوم ، أو مـن قبل البول» ، وغیر ذلک . ومعه لا یجوز رفـع الید عـن الظاهـر لأجل عـدم معقولیة تقیید الجزاء ، بل إنّما یرفع عنه الید لو ثبت امتناع کافّة القیود ، وهـو بمکان مـن المنع ، فلا یجوز الالتزام بالتداخل لأجل
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 116
هذه الشبهة ورفع الید عن ظاهر الدلیل بما ذکر .
فإن قلت : یلزم ـ حینئذٍ ـ أخذ العلّة فی معلوله ؛ وهو الوجوب المسبّب عن النوم الذی هو علّة لهذا الوجوب المقیّد بالنوم .
قلت : قد مرّ أنّ الأسباب الشرعیة لیست کالعلل التکوینیة ، علی أنّ الأخذ هنا لأجل الإشارة وتمیّزه عن الوجوب الآتی من الجهة الاُخری ، لا أنّ الوجوب قد تعلّق بإیجاد الوضوء المتقیّد بالنوم .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 117