الأمر الثانی فی تعدّد الشرط و اتّحاد الجزاء

الأمر الثانی فی تعدّد الشرط واتّحاد الجزاء

‏ ‏

‏إذا تعدّد الشرط واتّحد الجزاء ، کمـا فی «إذا خفی الأذان فقصّر» ، و «إذا‏‎ ‎‏خفی الجدران فقصّر» ؛ فبناءً علی ظهور الشرطیة فی المفهوم یقع التعارض بینهما‏‎ ‎‏إجمالاً ، فهل التعارض بین المنطوقین أوّلاً وبالذات ، أو بین مفهوم کلّ منهما‏‎ ‎‏ومنطوق الآخر ؟‏

الظاهر : هو الأوّل‏ علی جمیع المبانی فی استفادة المفهوم :‏

‏أمّا علی القول بأنّ المتبادر هو العلّة المنحصرة فلأنّ حصر العلّیة فی شیء‏‎ ‎‏ینافی إثباتها لشیء آخر ؛ فضلاً عن حصرها فیه ؛ ضرورة حصول التنافی بین قوله :‏‎ ‎‏العلّة المنحصرة للقصر خفاء الأذان ، وقوله : العلّة المنحصرة له خفاء الجدران .‏

‏وهکذا علی القول بأنّها منصرفة إلی المنحصرة ، فالتعارضین یقع بین‏‎ ‎‏الانصرافین الواقعین فی أدوات الشرط .‏

‏وکذا علی القول بأنّ الانحصار مقتضی الإطلاق ؛ لوقوع التعارض بین‏‎ ‎‏أصالتی الإطلاق فی الجملتین .‏

وأمّا العلاج والتوفیق بینهما :‏ فیختلف کیفیته باختلاف المبانی فی استفادة‏‎ ‎‏المفهوم ؛ فإن کان المبنی هو وضع الأدات للعلّة المنحصرة فلا محیص عن القول‏‎ ‎‏بتساقط أصالتی الحقیقة من الجانبین إذا لم یکن بینهما ترجیح ، کما هو المفروض ؛‏‎ ‎‏لعدم ترجیح بین المجازات .‏

‏وکون العلّة التامّة أقرب إلی المنحصرة واقعاً لا یکون مرجّحاً فی تعیینه ؛ لأنّ‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 109
‏وجه التعیین هو الاُنس الذهنی الذی یرجع إلی الظهور العرفی .‏

‏وإن کان الأساس فی الاستفادة هو الانصراف بعد وضعها لمطلق العلّیة‏‎ ‎‏فالساقط هو الانصرافان ، ویکون أصالة الحقیقة فی کلّ منهما محکّمة بینهما . ونظیر‏‎ ‎‏ذلک لو قلنا : إنّ الوضع لمطلق اللزوم أو الترتّب أو غیرهما .‏

‏وأمّا إذا کان وجه الاستفادة هو الإطلاق فحینئذٍ إن قلنا : إنّ الأداة موضوعة‏‎ ‎‏للعلّـة التامّة فمع تعارض أصالتی الإطلاق یؤخذ بأصالة الحقیقة بلا تعارض‏‎ ‎‏بینهما ، وإن قلنا : إنّ العلّیة التامّة ـ کالانحصار أیضاً ـ مستفادة من الإطلاق فللبحث‏‎ ‎‏فیه مجال .‏

‏فمقتضی إطلاق قوله : «إذا خفی الأذان فقصّر» هو أنّ خفاء الأذان مؤثّر‏‎ ‎‏بلا شریک ، وأنّ هذا مؤثّر بلا عدیل . وقس علیه قوله «إذا خفی الجدران فقصّر» ،‏‎ ‎‏ففی کلّ واحد من الجانبین إطلاقان : أصالة الانحصار وأصالة الاستقلال ، فحینئذٍ‏‎ ‎‏کما یحتمل أن یکون خفاء الجدران قیداً لخفاء الأذان یحتمل أن یکون عدلاً له ،‏‎ ‎‏فیقع التعارض بین أصالتی الإطلاق ؛ أی من جانب نفی الشریک ومن جهة نفی‏‎ ‎‏العدیل ، ومع عدم المرجّح یرجع إلی الاُصول العملیة .‏

‏فإن قلت : إنّ الانحصار مرتفع بالعلم التفصیلی إمّا لورود تقیید للإطلاق‏‎ ‎‏المثبت للانحصار ، أو لأجل وروده علی الإطلاق المفید لاستقلال کلّ منهما فی‏‎ ‎‏العلّیة ، فیرتفع الانحصار أیضاً لأجل ارتفاع موضوعه ، وهو علّیة کلّ واحد مستقلاًّ .‏

‏وبعبارة أوضح : أنّ العلم الإجمالی بورود قید ؛ إمّا علی الإطلاق من جهة‏‎ ‎‏نفی الشریک ، و إمّا علیه من جهة نفی البدیل یوجب انحلاله إلی علم تفصیلی بعدم‏‎ ‎‏انحصار العلّة لأجل تقیید الإطلاق من جهة البدیل ، أو لأجل تقییده من جهة‏‎ ‎‏الشریک ، فیرتفع موضوع الإطلاق من جهة البدیل ، وإلی شکّ بدوی ؛ للشکّ فی‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 110
‏تقیید الإطلاق من جهة الشریک ، فیتمسّک بأصالة الإطلاق .‏

‏قلت : إنّ الانحلال فیه إلی علم قطعی وشکّ بدوی من آثار العلم الإجمالی‏‎ ‎‏برفع أحد الإطلاقین ، فکیف یرفع الأثر مؤثّره ؟‏

‏وإن شئت قلت : العلم بارتفاع الانحصار معلول للعلم بارتفاع الاستقلال أو‏‎ ‎‏الانحصار ، ولا یعقل حفظ العلم الثانی إلاّ بحفظ العلم الأوّل علی حاله ، فکیف‏‎ ‎‏یمکن أن یکون رافعاً له ؟‏

‏وبالجملة : قد سبق فی باب مقدّمة الواجب‏‎[1]‎‏ أنّ الانحلال أینما کان یتقوّم‏‎ ‎‏بالعلم التفصیلی بأحد الأطراف والشکّ فی الآخر ، کما فی الأقلّ والأکثر ، وفیما‏‎ ‎‏نحن فیه لا یکون کذلک ؛ لأنّ العلم الإجمالی محفوظ ومنه یتولّد علم تفصیلی‏‎ ‎‏آخر ، وفی مثله یکون الانحلال محالاً ، فیجب الرجوع إلی قواعد اُخر .‏

‏فإن قلت : إنّ الذی یفکّ به العقدة هو أنّه لابدّ من رفع الید بمقدار یرفع‏‎ ‎‏المعارضة ؛ وهو خصوص الانحصار لا العلّیة .‏

‏والسرّ فیه : هو أنّ الموجب لوقوع المعارضة إنّما هو ظهور کلّ من القضیتین‏‎ ‎‏فی المفهوم ، وبما أنّ نسبة کلّ من المنطوقین بالإضافة إلی مفهوم القضیة الاُخری‏‎ ‎‏نسبة الخاصّ إلی العامّ فلابدّ من رفع الید عن عموم المفهوم فی مورد المعارضة ،‏‎ ‎‏وأمّا رفع الید عن الإطلاق المفید للعلّیة فهو وإن کان موجباً لرفع الانحصار إلاّ أنّه‏‎ ‎‏بلا موجب .‏

‏قلت : مرجع ما ذکرت إلی تقدیم رجوع القید إلی الإطلاق المفید للانحصار‏‎ ‎‏لا المفید للاستقلال ، وهو أوّل الکلام ؛ ضرورة دوران الأمر بین رجوع القید ، کخفاء‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 111
‏الجدران ـ مثلاً ـ إلی الإطلاق من حیث الاستقلال حتّی یصیر الموضوع للحکم‏‎ ‎‏بالقصر مجموع خفاء الأذان والجدران ، أو إلی الإطلاق من حیث الانحصار حتّی‏‎ ‎‏یکون الموضوع متعدّداً ، خفاء الأذان مستقلاًّ وخفاء الجدران کذلک ، ومع هذا العلم‏‎ ‎‏الإجمالی یقع التعارض بین أصالتی الإطلاق فی کلّ قضیة منهما لا فی قضیتین ، ولا‏‎ ‎‏رافع للتعارض ولا ترجیح فی البین .‏

وما ذکرنا‏ هو حال الدلیلین ، کلٌّ مع صاحبه ، فهل یدلاّن علی عدم مدخلیة‏‎ ‎‏شیء آخر شریکاً معهما أو عدیلاً لهما ؟‏

‏الظاهر ذلک لو قلنا : إنّ الدلالة علی الانحصار والاستقلال بالإطلاق ؛ للزوم‏‎ ‎‏رفع الید عن الإطلاق بمقدار الدلیل علی القید ، بخلاف ما لو قلنا : إنّها بالوضع أو‏‎ ‎‏الانصراف ؛ لعدم الدلیل علی عدم المدخلیة بعد رفع الید عن المعنی الحقیقی أو‏‎ ‎‏الانصرافی .‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 112

  • )) تقدّم فی الجزء الأوّل : 350 .