مقدّمة فی تعریف المفهوم
ینبغی قبل الخوض فی المقصود بیان مقدّمة ، وهی : أنّ المفهوم عبارة عن قضیة غیر مذکورة مستفادة من القضیة المذکورة عند فرض انتفاء أحد قیود الکلام ، وبینهما تقابل السلب والإیجاب بحسب الحکم .
ثمّ إنّ مسلک القدماء علی ما استنبطه بعض الأکابر ـ دام ظلّه ـ مخالف لما سلکه المتأخّرون من الاُصولیین ؛ فإنّ مشرب المتأخّرین هو استفادة الترتّب العلّی الانحصاری عن أدوات الشرط أو عن القضیة الشرطیة ؛ وضعاً أو إطلاقاً ، ولیس دلالتها علی ذلک بالمعنی الاسمی ؛ لأنّ معانی الأدوات والهیئات حرفیة .
وحینئذٍ : یکون المفهوم علی طریقتهم بحسب بعض الوجوه مـن اللوازم البیّنة للمعنی المستفاد من الکلام ، وتصیر الدلالة لفظیـة ـ بناءً علی کون الدلالة علی الحصر بالوضع ـ لأنّ أدوات الشرط علی فرض إفادتها المفهوم تدلّ علی تعلیق الجزاء علی العلّـة المنحصرة ، ولازمـه البیّن الانتفاء عند الانتفاء . وعلی
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 95
بعض الوجوه یکون طریقتهم کطریقة القدماء علی ما سیأتی .
وأمّا علی مسلک القدماء فلیس من الدلالات اللفظیة الالتزامیة حتّی یکون من اللوازم البیّنة ؛ لأنّ الاستفادة مبنیة علی أنّ إتیان القید بما أنّه فعل اختیاری للمتکلّم یدلّ علی دخالته فی الحکم ، فینتفی الحکم بانتفائه ، وهذا لا یعدّ من الدلالة الالتزامیة ، کاستفادة المفهوم من الإطلاق علی مسلک المتأخّرین ، وسیجیء الفرق بین القولین .
ثمّ إنّ الحاجبی عرّف المنطوق بأنّه مادلّ علیه اللفظ فی محلّ النطق ، والمفهوم بأنّه ما دلّ علیه اللفظ لا فی محلّ النطق .
ویمکن تطبیقه علی کلا المسلکین :
أمّا علی المسلک المنسوب إلی القدماء فبأن یقال : إنّه أراد من محلّ النطق الدلالات اللفظیة مطلقاً ، وأراد من غیره دلالة اللفظ بما أنّه فعل اختیاری للمتکلّم علی دخالته فی موضوع الحکم ، فدلّ علی الانتفاء عند الانتفاء .
وأمّا علی ما علیه المتأخّرون ـ بناءً علی استفادة المفهوم من اللفظ الموضوع ـ فبأن یقال : إنّه أراد من دلالته فی محلّ النطق دلالة المطابقة أو هی مع التضمّن ، ومن دلالته لا فی محلّه دلالة الالتزام .
هذا ، ولا یبعد أن یکون مراده الثانی ؛ فإنّ ما یدلّ علیه اللفظ فی محلّ النطق هو الدلالة المطابقیة ـ أی ما هو موضوع ـ وأمّا دلالته علی اللازم فبواسطة دلالته علی المعنی المطابقی ، فلیس دلالته علیه فی محلّ النطق .
فإذا قال المتکلّم : «الشمس طالعة» فالذی دلّ علیه لفظه فی محلّ النطق هو
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 96
طلوع الشمس ؛ لأنّ لفظه قالب لهذا المعنی بحسب الوضع ، وأمّا وجود النهار فقد دلّ علیه لفظه أیضاً مع عدم التنطق به وعدم الوضع له .
وبما ذکرنا یمکن استظهار أنّ المختار عند القدماء هو المختار عند المتأخّرین ، وأنّه لا اختلاف بین المسلکین ؛ إذ من البعید اتّکاؤهم فی استفادة المفهوم علی صرف وجود القید مع کونه ظاهر الفساد ، فما نسب إلی القدماء محلّ شکّ ، بل منع کما سیجیء .
ثمّ إنّ کون المفهوم من صفات الدلالة أو المدلول ربّما یکون بحسب الاعتبار والإضافة ؛ لأنّ دلالة اللفظ علی المعنی المطابقی دلالة منطوقیة ، ودلالته علی المعنی الالتزامی دلالة مفهومیة ، کما أنّ المدلول إمّا منطوق یفهم من محلّ النطق أو مفهوم یفهم لا من محلّ النطق ؛ وإن کان الأشبه هو الثانی .
ولیعلم : أنّ النزاع فی المفهوم علی مسلک المتأخّرین نزاع صغروی ؛ لأنّ محصّل البحث یرجع إلی أنّه هل للقضیة الشرطیة مفهوم ، وأنّها تدلّ علی العلّة المنحصرة ، أو لا ؛ بحیث لو ثبت له المفهوم لم یکن محیص عن کونه حجّة ؟
وأمّا علی رأی القدماء : فربّما یقال إنّه کبروی ؛ لأنّ المفهوم علی هذا لمّا لم یکن فی محـلّ النطق ، ولیس مـن المدلولات اللفظیـة فحینئذٍ یقع النزاع فی أنّـه هـل یمکن الاحتجاج علیه أو لا یمکن ؛ لأجل عـدم التنطّق به ؟ فإذا قال «إذا جاءک زید فأکرمه» یفهم منه أنّه إذا لم یجئ لا یجب الإکرام ، لکن لا یمکن الاحتجاج به علی المتکلّم بأنّک قلت کذا ؛ لأنّـه لو سئل عنه عـن فائـدة القید ، له أن یعتذر بأعذار .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 97
وفیه : أنّ کون المفهوم مسلّماً وجوده فی الکلام عند القدماء لا یناسب ظواهر کلماتهم ؛ لأنّک تری أنّ المنکر یردّ علی المثبت بأنّ الصون لا ینحصر فی استفادة الانتفاء عند الانتفاء ، بل یحصل باُمور اُخر ؛ من وقوعه مورد السؤال أو کونه مورد الابتلاء ، فما هو الممنوع هو أصل الاستفادة .
وإن شئت فطالع ما نقل عن السیّد المرتضی من أنّ تأثیر الشرط إنّما هو تعلیق الحکم به ، ولیس بممتنع أن ینوب عنه شرط آخر . . . الی آخره ؛ فإنّ ظاهره یحکی عن أنّ المستفاد من الشرط دخالته ، لا عدم دخالة شرط آخر حتّی یفید المفهوم ، فهو حینئذٍ ینکر المفهوم لا حجّیته بعد ثبوته .
وبالجملة : أنّ القائل بالمفهوم علی مسلک القدماء ـ علی فرض صحّة النسبة ـ یدّعی أنّ إتیان القید الزائد بما أنّه فعل اختیاری یدلّ علی کون القید ذا دخل فی ترتّب الحکم وداخلاً فی موضوعه ، ومع عدمه لا ینوب عنه شیء ، والمنکر إنّما ینکر هذه الدلالة لا حجّیتها .
ثمّ إنّک لو قد تدبّرت عبائر السیّد تعرف : أنّ مسلک القدماء هو عین ما اختاره المتأخّرون ؛ حیث یظهر منه أنّ مدّعی المفهوم یدّعی دلالة الکلام علی عدم نیابة قید آخر مناب القید المذکور ، وهو عین ما سلکه المتأخّرون ، وهو شاهد آخر علی اتّحادهما ، مضافاً إلی ما عرفت ، ویرشدک إلیه استدلال النافین بمنع الدلالات .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 98