تذنیب‏: فی دعوی دلالة النهی علی الصحّة

تذنیب : فی دعوی دلالة النهی علی الصحّة

‏ ‏

‏حکی عن أبی حنیفة والشیبانی دلالة النهی علی الصحّة‏‎[1]‎‏ ؛ لأنّ النهی لا‏‎ ‎‏یصحّ إلاّ عمّا یتعلّق به القدرة ، والمنهی عنه هو وقوع المعاملة مؤثّرة صحیحة ؛ فلو‏‎ ‎‏کان الزجر عن معاملة مقتضیاً للفساد یلزم أن یکون سالباً لقدرة المکلّف ، ومع عدم‏‎ ‎‏قدرته یکون لغواً .‏

‏فلو کان صوم یوم النحر والنکاح فی العدّة ممّا لا یتمکّن المکلّف من إتیانهما‏‎ ‎‏یکون النهی عنهما لغواً ؛ لتعلّقه بأمر غیر مقدور .‏

وأجاب عنه المحقّق الخراسانی :‏ بأنّ النهی عن المسبّب أو التسبّب به فی‏‎ ‎‏المعاملات یدلّ علی الصحّة ؛ لاعتبار القدرة فی متعلّقه ، وأمّا إذا کان عن السبب‏‎ ‎‏فلا ؛ لکونه مقدوراً ؛ وإن لم یکن صحیحاً‏‎[2]‎‏ ، انتهی .‏

وأنت خبیر :‏ بـأنّ مـورد نظرهما لیس نفس السبب بما هـو فعل مباشـری ؛‏‎ ‎‏إذ لیس السبب متعلّقاً للنهی فی الشریعـة حتّی یبحث عنـه ـ وإن کـان التسبّب‏‎ ‎‏منهیاً عنه أحیانـاً ـ بل مـورد النظر هـو المعاملات العقلائیـة المعتدّ بها لولا نهی‏‎ ‎‏الشارع عنها .‏

وبذلک یظهر النظر فیما أفاده بعض الأعیان فی تعلیقته :‏ من سقوط قولهما‏‎ ‎‏علی جمیع التقادیر ؛ لأنّ ذات العقد الإنشائی غیر ملازم للصحّة ، فمقدوریته لذاته‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 87
‏لا ربط له بمقدوریته من حیث هو مؤثّر فعلی ، وإیجاد الملکیة عین وجودها حقیقة‏‎ ‎‏وغیرها اعتباراً . والنهی عنه وإن دلّ عقلاً علی مقدوریته لکن لا یتّصف هو‏‎ ‎‏بالصحّة ؛ لأنّ الاتّصاف إن کان بلحاظ حصول الملکیة فهی لیست أثراً له ؛ لأنّ‏‎ ‎‏الشیء لیس أثراً لنفسه ، وإن کان بلحاظ الأحکام المترتّبة علی الملکیة المعبّر عنها‏‎ ‎‏بآثارها فنسبتها إلیها نسبة الحکم إلی موضوعه ، لا المسبّب إلی سببه ؛ لیتّصف‏‎ ‎‏بلحاظه بالصحّة‏‎[3]‎‏ ، انتهی ملخّصاً .‏

وفیه :‏ أنّ محطّ نظرهما إنّما هو المعاملة العقلائیة ؛ أعنی العقد المتوقّع منه‏‎ ‎‏ترتّب الأثر والمسبّب علیه لولا نهی الشارع عنه ، فلا یرد إشکاله علیهما .‏

‏ولو سلّم تعلّقه بإیجاد الملکیة لکن کون الإیجاد منهیاً عنه یکشف عن تعلّق‏‎ ‎‏القدرة علیه ـ کما اعترف به ـ وهو کاشف عن صحّة المعاملة ونفوذها ، لا صحّة‏‎ ‎‏الإیجاد حتّی یقال : إنّه لا یتّصف بها . فقوله أجنبی عن محطّ کلامهما علی تقدیر ،‏‎ ‎‏ومثبت له علی الآخر .‏

والتحقیق :‏ أنّ الحقّ معهما فی المعاملات إذا أحرزنا أنّ النهی تکلیفی لا‏‎ ‎‏إرشادی إلی فساده ؛ إذ حینئذٍ یتمحّض ظهوره فی الفساد . هذا إذا لم نقل بأنّ النهی‏‎ ‎‏إذا تعلّق بمعاملة لأجل مبغوضیة ترتیب الآثار المطلوبة علیها یدلّ علی الفساد فی‏‎ ‎‏نظر العقلاء ، وإلاّ یصیر نظیر الإرشاد إلی الفساد ، ویسقط قولهما .‏

‏وأمّا العبادات فالمنقول عنهما ساقط فیها علی أیّ تقدیر ؛ سواء قلنا بوضعها‏‎ ‎‏للأعمّ أم الصحیح ، أمّا علی الأوّل فواضح ؛ لصحّة إطلاق الصلاة علی الفاسد‏‎ ‎‏وإمکان تعلّق النهی به .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 88
‏وأمّا علی الثانی : فلما قدّمناه من أنّ المراد من الصحیح لیس هو الصحیح من‏‎ ‎‏جمیع الجهات ؛ إذ الشرائط الآتیة من قبل الأمر خارجة من المدلول ، بل مطلق‏‎ ‎‏الشرائط علی التحقیق . وحینئذٍ فلا منافاة بین الصحیح من بعض الجهات وبین‏‎ ‎‏الفساد والمبغوضیة ؛ بحیث لا یصلح للتقرّب .‏

‏ولو قلنا بالصحّة الفعلیة فلا یجتمع مع النهی أصلاً ؛ لأنّ العبادة تتقوّم بالأمر‏‎ ‎‏أو الملاک ، والأمر لا یجتمع مع النهی ؛ لکون العنوان واحداً . ومثله الملاک ؛ إذ لا‏‎ ‎‏یمکن أن یکون عنوان واحد محبوباً ومبغوضاً وذا صلاح وفساد بحیثیة واحدة .‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 89

  • )) اُنظر مطارح الأنظار : 166 / السطر15 ، المحصول فی علم اُصول الفقه 2 : 455 ـ 456 .
  • )) کفایة الاُصول : 228 .
  • )) نهایة الدرایة 2 : 407 ـ 408 .