المقام الرابع : فی النهی المتعلّق بالمعاملات مع إحراز حال النهی ، وهو علی أقسام ، کالنهی المتعلّق بالعبادة :
منها : مـا إذا تعلّق النهی التنزیهی أو الغیری بها ، فلا إشکال فی عـدم اقتضائها الفساد .
ومنها : النهی التحریمی ، فإن تعلّق بنفس السبب وبصدور هذا اللفظ بنفسه أو صدوره بعنوان إیقاع المعاملة ـ فلا یقتضی الفساد عقلاً ؛ لأنّ حرمة التلفّظ بشیء ومبغوضیته لا یقتضی حرمة أثره وفساد مسبّبه وعدم تأثیره فیه ، ولو تعلّق به لا بما هو فعل مباشری ، بل بما أنّ مسبّبه مبغوض ـ کبیع المسلم من الکافر ؛ فإنّ المبغوض مملوکیته له ـ فالظاهر أنّه أیضاً لا یدلّ علی الفساد ؛ لعدم المنافاة بین المبغوضیة ووقوع المسبّب غیر العبادی .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 80
ونسب إلی الشیخ الأعظم : التفصیل فی هذا القسم بین کون الأسباب عقلیة کشف عنها الشارع فتصحّ المعاملة ویجبر الکافر بإخراج المسلم عن ملکه ، وبین کون الأسباب شرعیة ، فیبعد جعله السبب مع مبغوضیة مسبّبه .
قلت : الظاهر أنّ مراده من کون الأسباب عقلیة هو کونها عقلائیة ؛ إذ لا یتصوّر للسبب العقلی الاعتباری هنا معنی سوی ماذکرنا . وعلیه یرجع الکلام إلی أنّ النهی عن السبب لمبغوضیة مسبّبه هل یکون رادعاً عن المعاملة العقلائیة أو لا ؟ والتحقیق هو الثانی .
وکذا إن قلنا بمجعولیة السبب شرعاً ؛ لعدم المنافاة بین مبغوضیة المسبّب وتأثیر السبب ، فلا یرفع الید عن أدلّة السببیة لأجل مبغوضیة المسبّب .
وما ذکره قدس سره من أنّ جعل السبب بعید مع مبغوضیة متعلّقه غیر مجدٍ ؛ لأنّ الجعل لم یکن مقصوراً بهذا المورد الخاصّ حتّی یتمّ ما ذکره من الاستبعاد ، بل الجعل علی نحو القانون الکلّی الشامل لهذا المورد وغیره . نعم اختصاص المورد بالجعل مع مبغوضیة مسبّبه بعید .
وأمّا لو تعلّق النهی بالتسبّب بسبب خاصّ إلی المسبّب بحیث لا یکون المسبّب مبغوضاً بل نفس التسبّب ، وذلک کالظهار ؛ فإنّ التفریق لیس مبغوضاً فی الجملة إلاّ أنّ التوصّل به له مبغوض فی نظر الشارع ، فهو مثل ما تقدّم فی أنّه لایقتضی الفساد ؛ لعدم المنافاة بینهما .
وربّما یقال : إنّه مع مبغوضیة حصول الأثر بذاک السبب لا یمکن إمضاء المعاملة ، وهو مساوق للفساد .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 81
وفیه : أنّه لَمْ أتحقّق مساوقته للفساد ؛ إذ أیّ منافاة بین تحقّق المسبّب غیر المبغوض وبین حرمـة التسبّب ؛ فإنّ الحیازة تتحقّق ولـو بالآلـة الغصبیة المحرّمـة تکلیفاً .
أضف إلی ذلک : أنّ المعاملات عقلائیة ، والعقلاء علی أثر ارتکازهم وبنائهم حتّی یردع عنه الشارع ، ومثل ذلک لا یعدّ ردعاً کما لا یعدّ مخصّصاً ولا مقیّداً لما دلّ علی جعل الأسباب الشرعیة بنحو القانون ، کما عرفت .
بقی هنا قسم من التحریمی ؛ وهو أنّه إذا تعلّق النهی بالمعاملـة لأجل مبغوضیة ترتیب الآثار المطلوبة علیها لا إشکال فی دلالته علی الفساد ؛ لأنّ حرمة ترتیب الأثر علی معاملة مساوقة لفسادها عرفاً .
هذا کلّه لو اُحرز کون النهی التحریمی متعلّقاً بأحد العناوین المتقدّمة ؛ من تعلّقه بنفس السبب بما أنّه فعل مباشری ، أو بما أنّ مسبّبه مبغوض ، ومن تعلّقه بالتسبّب بالسبب الخاصّ ، أو بالمعاملة لأجل حرمة ترتیب الأثر .
وأمّا إذا لم یحرز أحد العناوین ـ وإن اُحرز کونه تحریمیاً ـ فعن الشیخ الأعظم دعوی ظهور تعلّقه بصدور الفعل المباشری . وفیه إشکال ؛ لو لم نقل أنّه أبعد الاحتمالات فی نظر العرف والعقلاء .
والتحقیق : ظهوره فی حرمـة ترتیب الأثر ؛ لأنّـه لا ینقدح فی نظر العرف مـن قوله «لا تبع مـا لیس عندک» علی فرض إحـراز کون النهی فیه للتحریم حرمـة التلفّظ بالألفاظ الخاصّـة ؛ لأنّها آلات لا ینظر فیها ، ولا حرمـة المسبّب الـذی هـو أمـر عقلائی ولا یکون مبغوضاً نوعـاً ، ولا التسبّب بها إلی المسبّب ، بل
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 82
ینقدح أنّ الغرض مـن النهی هـو الزجـر عـن المعاملـة بلحاظ آثارها ؛ فالممنوع هـو ترتیب الآثار المطلوبة علیها کسائر معاملاتهم ، وهو مساوق للفساد ، فتدبّر .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 83