الأمر الخامس‏: فی المراد من الصحّة والفساد

الأمر الخامس : فی المراد من الصحّة والفساد

‏ ‏

‏قد اشتهر بین القوم أنّ الصحّة والفساد أمران إضافیان مساوقان للتمام‏‎ ‎‏والنقص لغة وعرفاً ، وبینهما تقابل العدم والملکة ، والاختلاف فی التعبیر بین الفقیه‏‎ ‎‏والمتکلّم فإنّما هو لأجل ما هو المهمّ فی نظرهما‏‎[1]‎‏ .‏

‏قلت : قد تقدّم فی أوّل الکتاب‏‎[2]‎‏ أنّ تساوق الصحّة والفساد معهما ممّا‏‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 70
‏لم یثبت ، بل ثبت خلافه ؛ لأنّ النقص والتمام یطلقان علی الشیء بحسب الأجزاء‏‎ ‎‏غالباً ، ویقال : «ید ناقصة» إذا قطع بعض أجزائها ولا یقال فاسدة ، ویقال : «دار‏‎ ‎‏تامّة» إذا کملت مرافقها لا صحیحة ، وأمّا الصحّة والفساد فیستعملان غالباً بحسب‏‎ ‎‏الکیفیات والأحوال ، مثل الکیفیات المزاجیة وشبهها ، فیقال : «فاکهة صحیحة» إذا‏‎ ‎‏لم یفسده الدود أو «فاسدة» إذا ضیعته المفسدات .‏

‏وعلیه : فالفساد عبارة عن کیفیة وجودیة عارضة للشیء منافرة لمزاجه‏‎ ‎‏ومخالفة لطبیعته النوعیة ، والصحّة تقابله تقابل التضادّ ، وهی عبارة عن کیفیة‏‎ ‎‏وجودیة عارضة له موافقة لمزاجه ، ویقال : «فاکهة فاسدة» لما عرضتها کیفیة‏‎ ‎‏وجودیة منافرة لمزاجها النوعی التی یتنفّر عنها الطباع ، کما یقال : «صحیحة» إذا‏‎ ‎‏کانت علی کیفیة موافقة له ؛ بحیث یقبله الطباع . فبین المعنیین تقابل التضادّ ، کما أنّ‏‎ ‎‏بین التمام والنقص تقابل العدم والملکة ، هذا بحسب اللغة والعرف .‏

‏نعم ، یمکن تصحیح ماذکروه من التساوق فی العبادات والمعاملات ؛ لأنّه‏‎ ‎‏یطلق الفساد علی صلاة فاقدة لجزئها أو شرطها أو مجامعة لمانعها ، کما یطلق‏‎ ‎‏الصحّة علی الواجد الجامع من جمیع الجهات ، فهما حینئذٍ مساوقان للتمام والنقص‏‎ ‎‏أو قریبان منهما .‏

‏إنّمـا الکلام فی أنّ ذلک الإطلاق ـ بعدما لم یکن کذلک بحسب العرف‏‎ ‎‏واللغـة کما عرفت ـ هل هو باعتبار وضع جدید فی لفظی الصحّة والفساد ، أو‏‎ ‎‏باستعمالهما أوّلاً مجازاً ، وکثرة ذلک حتّی بلغا حدّ الحقیقة ؟ أقربهما هو الثانی ، بل‏‎ ‎‏الأوّل بعید غایته .‏

‏فحینئذٍ : فالصحّة فی الماهیات المخترعة صفة لمصداق جامع لجمیع الأجزاء‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 71
‏والشرائط مطابق للمخترع والمجعول ، والفساد مقابلها ، فینقلب التقابل عن التضادّ‏‎ ‎‏إلی تقابل العدم والملکة ؛ لأجل تغیّر المعنی فی العبادات والمعاملات .‏

‏وأمّا کونهما إضافیان فیصحّ أیضاً بهذا المعنی الثانوی فیما إذا کانت العبادة‏‎ ‎‏تامّة الأجزاء دون الشرائط أو بالعکس . وأمّا کون الصحّة والفساد إضافیتین بالمعنی‏‎ ‎‏المتعارف فی اللغة والعرف فلا یصحّ إلاّ بالإضافة إلی حالات المکلّفین وأصنافهم ؛‏‎ ‎‏فإنّ الصلاة مع الطهارة الترابیة صحیحة بالنسبة إلی مکلّف وفاسدة بالنسبة إلی آخر ،‏‎ ‎‏أو صحیحة فی حال دون حال .‏

فتلخّص :‏ أنّ استعمال التمام والنقص فی اللغة والعرف باعتبار الأجزاء ،‏‎ ‎‏وبینهما تقابل العدم والملکة ، واستعمال الصحّة والفساد فیهما بحسب الکیفیات ،‏‎ ‎‏وبینهما تقابل التضادّ لو کانت الصحّـة أمـراً وجـودیاً ، ولیسا إضافیین إلاّ بالإضافـة‏‎ ‎‏إلی حالات المکلّفین .‏

‏نعم ، ربّما تستعملان فی العبادات والمعاملات فی معنی التمام والنقص ،‏‎ ‎‏ویکون التقابل تقابل العدم والملکة ، وتصیران إضافیین بالنسبة إلی الأجزاء‏‎ ‎‏والشرائط .‏

‏وأمّا اختلاف الأنظار فی صحّة عبادة وعدمها فلا یوجب إضافیتهما ؛ لأنّ‏‎ ‎‏الأنظار طریق إلی تشخیص الواقع ، وکلٌّ یخطّئ الآخر ، فتدبّر .‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 72

  • )) کفایة الاُصول : 220 ، نهایة الأفکار 1 : 73 ـ 74 .
  • )) تقدّم فی الجزء الأوّل : 96 .