فیما استدلّ به للقول بالجواز

فیما استدلّ به للقول بالجواز

‏ ‏

‏استدلّ المجوّزون للاجتماع بأنّ أدلّ الدلیل علی إمکانه وقوعه ، وقد وقع‏‎ ‎‏نظیره فی الشریعة الغرّاء ، کالواجبات المستحبّة أو المکروهة ، فیستکشف إنّاً عن‏‎ ‎‏صحّة الجمیع‏‎[1]‎‏ ؛ وهی علی ثلاثة أقسام :‏

أحدها :‏ ما تعلّق النهی بذاته وعنوانه ولا بدل له ، کصوم یوم العاشور ،‏‎ ‎‏والنوافل المبتدئة عند طلوع الشمس وغروبها .‏

ثانیها :‏ ما اتّحد فیه متعلّقا الأمر والنهی وکان له بدل ، کالأخصّ مطلقاً ،‏‎ ‎‏کالنهی عن الصلاة فی الحمّام .‏

ثالثها :‏ أن یکون بین العنوانین عموم من وجه ، فتعلّق النهی بما هو مجامع‏‎ ‎‏معه وجوداً ، کالصلاة فی مواضع التهمة ، بناءً علی تعلّق النهی بالکون فیها .‏

وفیه :‏ أنّ الاستدلال بالظواهر بعد قیام البرهان علی الامتناع ـ لو تمّ ـ خارج‏‎ ‎‏من آداب المناظرة ، وکیف کان فنحن فی فسحة عن الثالث ، بل الثانی ، بناءً علی‏‎ ‎‏دخول الأخصّ والأعمّ مطلقاً فی محلّ البحث .‏

فالأولی :‏ صرف عنان الکلام إلی ما تعلّق به النهی بذاتها ولا بدل له ، فنقول :‏

‏یمکن أن یقال : إنّ النهی وإن تعلّق بنفس الصوم ظاهراً إلاّ أنّه متعلّق فی‏‎ ‎‏الواقع بنفس التشبّه ببنی اُمیة الحاصل بنفس الصوم ، من دون أن یقصد التشبّه .‏‎ ‎‏فالمأمور به هو ذات الصوم والمنهی عنه التشبّه بهم ، ولمّا انطبق العنوان المنهی عنه‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 54
‏علیه ، وکان ترک التشبّه أهمّ من الصوم المستحبّ نهی عنه إرشاداً إلی ترک التشبّه .‏‎ ‎‏هذا علی القول بصحّة الصوم یوم العاشور ، کما نسب إلی المشهور ، وإلاّ فللإشکال‏‎ ‎‏فیه مجال بالنظر إلی الأخبار ، والتفصیل فی محلّه .‏

‏ویمکن أن یقال : نظیر ذلک فی الصلوات فی أوقات خاصّة ؛ فإنّ المنهی عنه‏‎ ‎‏تنزیهیاً هو التشبّه بعَبدَة الأوثان ، علی ما قیل .‏

‏وما قیل : من أنّه لا یعقل أن یکون کلّ من الفعل والترک ذا مصلحة ؛ لأنّه إمّا‏‎ ‎‏أن یغلب إحدی المصلحتین علی الاُخری ، فیکون البعث نحوها فقط ، وإلاّ فالحکم‏‎ ‎‏هو التخییر‏‎[2]‎‏ ، لیس بصحیح ؛ لأنّه یستقیم ذلک لو کان متعلّق الحکمین واحداً أو‏‎ ‎‏قلنا : إنّ المتعلّق هو المجمع الخارجی ، وقد عرفت بطلانه ، بل المقام لیس إلاّ من‏‎ ‎‏قبیل الصلاة فی مواضع التهمة .‏

‏کما أنّ ما تصدّی به المحقّق الخراسانی لدفع الإشکال فیما لا بدل له ؛ من أنّ‏‎ ‎‏انطباق عنوان ذی مصلحة علی الترک أو کون الترک ملازماً لعنوان کذائی الذی صیّره‏‎ ‎‏راجحاً‏‎[3]‎‏ ، غیر تامّ بظاهره ؛ لأنّ الترک عدمی لا ینطبق علیه عنوان وجودی ،‏‎ ‎‏ولا یمکن أن یکون ملازماً لشیء ؛ فإنّ الانطباق والملازمة من الوجودیات التی‏‎ ‎‏لابدّ فی ثبوتها لشیء من ثبوت ذلک الشیء .‏

‏نعم ، یمکن اعتبار شیء من بعض الأعدام الخاصّة المتصوّرة ، بنحو من‏‎ ‎‏التصوّر فی المأمور به .‏

ثمّ إنّ بعض الأعاظم ‏قدس سره‏‏ أجاب عن هـذا القسم بتقدیم مقدّمـة ، وهی : أنّ‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 55
‏النذر إذا تعلّق بعبادة مستحبّة یندکّ الأمر الاستحبابی فی الأمر الوجوبی الجائی من‏‎ ‎‏قبل النذر ؛ لوحدة متعلّقهما ، فیکتسب الأمر النذری الوجوبی التعبّدیة من‏‎ ‎‏الاستحبابی ، والأمر الاستحبابی یکتسب اللزوم من الوجوبی ، فیتولّد منهما أمر‏‎ ‎‏وجوبی عبادی .‏

‏وأمّا إذا کانت العبادة المستحبّة متعلّقة للإجارة ، کان متعلّق الأمر‏‎ ‎‏الاستحبابی مغایراً لما تعلّق به الأمر الوجوبی ؛ لأنّ متعلّق الأوّل ذات العبادة‏‎ ‎‏ومتعلّق الثانی إتیان العبادة بداعی الأمر المتوجّه إلی المنوب عنه ، وبوصف کونه‏‎ ‎‏مستحبّاً علی الغیر ؛ لأنّ الشخص صار أجیراً لتفریغ ذمّة الغیر ، فلا تکون العبادة من‏‎ ‎‏دون قصد النیابة تحت الإجارة ، فلا یلزم اجتماع الضدّین ، ولا یندکّ أحدهما فی‏‎ ‎‏الآخر . وما نحن فیه من هذا القبیل ؛ لأنّ الأمر تعلّق بذات العبادة ، والنهی التنزیهی‏‎ ‎‏تعلّق بالتعبّد بها ؛ لما فیه من المشابهة بالأعداد‏‎[4]‎‏ ، انتهی .‏

وفیه من الضعف والخلط ما لا یخفی علی البصیر :

‏أمّا أوّلاً :‏‏ فلأنّ الأمر الاستحبابی تعلّق بعنوان الصلاة والأمر الوجوبی بعنوان‏‎ ‎‏الوفاء بالنذر ، فالعنوانان فی ظرف تعلّق الأحکام مختلفان ، ومتّحدان فی الوجود‏‎ ‎‏الخارجی ، وهو لیس ظرف تعلّق الحکم .‏

‏فلو نذر أن یصلّی صلاة اللیل یجب علیه الوفاء بالنذر ، ولا یحصل الوفاء إلاّ‏‎ ‎‏بإتیان الصلاة الاستحبابی لا غیر ، فالصلاة الخارجی مصداق لعنوانی الوفاء بالنذر‏‎ ‎‏والصلاة ، وقد انطبق العنوانان علیها فی الخارج .‏

‏ومثلها الإجارة ؛ فإنّ الأمر الوجوبی تعلّق بنفس الوفاء بالعقد ، والأمر‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 56
‏الاستحبابی بنفس الصلاة المستحبّـة ، أو تعلّق أمـر وجوبی آخـر بنفس الصلاة‏‎ ‎‏علی الولی .‏

‏وحینئذٍ : فلازم الوفاء بالعقد هو إتیان العبادة بداعی الأمر المتوجّه إلی‏‎ ‎‏المنوب عنه أو بوصف کونه مستحبّاً علی الغیر ، لا أنّ ذلک هو المتعلّق للأمر‏‎ ‎‏الإجـاری ، بل هـذا طریق لتحقّق الوفاء بالعقد ، فافتراق موضوعهما یکون مـن‏‎ ‎‏هذه الجهة .‏

وثانیاً :‏ لا معنی معقول لهذا الاکتساب والتولّد المذکورین ، فبأیّ دلیل وأ یّة‏‎ ‎‏جهة یکتسب الأمر غیر العبادی العبادیة وغیر الوجوبی الوجوب ؟ وما معنی هذه‏‎ ‎‏الولادة والوراثة ؟ بل لا یعقل تغییر الأمر عمّا هو علیه ؛ ولو اتّحد المتعلّقان فی‏‎ ‎‏الخارج . ولعمری إنّ هذا أشبه بالشعر منه بالبرهان .‏

وثالثاً :‏ أنّ الأمر فیما نحن فیه وکذا فی باب العبادات الاستیجاریة لم یتعلّق‏‎ ‎‏بذات الصوم والصلاة ، کما زعمه ؛ حیث قال : إنّ الأمر تعلّق بذات الصوم والنهی‏‎ ‎‏علیه بنعت التعبّد بها ، بل تعلّق بهما بقید التعبّدیة ، ولو بدلیل آخر وإلاّ یصیر‏‎ ‎‏توصّلیاً ، فیکون موضوعهما شیئاً واحداً فی کلا المقامین .‏

ورابعاً :‏ ـ بعد تسلیم جمیع ما ذکره ـ لا ینفع ذلک للتخلّص عن الإشکال ؛‏‎ ‎‏لأنّ حاصله یرجع إلی أنّ الأمر الاستحبابی تعلّق بصوم یوم العاشور ، وصومه بما‏‎ ‎‏هو مستحبّ مکروه ، وهذا واضح البطلان ؛ لأنّه یلزم منه أن یکون موضوع الحکم‏‎ ‎‏منافیاً لحکمه .‏

‏وما أشار إلیه فی خلال کلامه : أنّ التعبّد بالصوم مکروه لأجل التشبّه‏‎ ‎‏بالأعداء إن رجع إلی ما ذکرنا فلا یحتاج فیه إلی تلک التکلّفات .‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 57

  • )) قوانین الاُصول 1 : 142 / السطر13 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 1 : 439 .
  • )) کفایة الاُصول : 198 ـ 199 .
  • )) أجود التقریرات 1 : 365 ـ 367 .