فیما استدلّ به للقول بالجواز
استدلّ المجوّزون للاجتماع بأنّ أدلّ الدلیل علی إمکانه وقوعه ، وقد وقع نظیره فی الشریعة الغرّاء ، کالواجبات المستحبّة أو المکروهة ، فیستکشف إنّاً عن صحّة الجمیع ؛ وهی علی ثلاثة أقسام :
أحدها : ما تعلّق النهی بذاته وعنوانه ولا بدل له ، کصوم یوم العاشور ، والنوافل المبتدئة عند طلوع الشمس وغروبها .
ثانیها : ما اتّحد فیه متعلّقا الأمر والنهی وکان له بدل ، کالأخصّ مطلقاً ، کالنهی عن الصلاة فی الحمّام .
ثالثها : أن یکون بین العنوانین عموم من وجه ، فتعلّق النهی بما هو مجامع معه وجوداً ، کالصلاة فی مواضع التهمة ، بناءً علی تعلّق النهی بالکون فیها .
وفیه : أنّ الاستدلال بالظواهر بعد قیام البرهان علی الامتناع ـ لو تمّ ـ خارج من آداب المناظرة ، وکیف کان فنحن فی فسحة عن الثالث ، بل الثانی ، بناءً علی دخول الأخصّ والأعمّ مطلقاً فی محلّ البحث .
فالأولی : صرف عنان الکلام إلی ما تعلّق به النهی بذاتها ولا بدل له ، فنقول :
یمکن أن یقال : إنّ النهی وإن تعلّق بنفس الصوم ظاهراً إلاّ أنّه متعلّق فی الواقع بنفس التشبّه ببنی اُمیة الحاصل بنفس الصوم ، من دون أن یقصد التشبّه . فالمأمور به هو ذات الصوم والمنهی عنه التشبّه بهم ، ولمّا انطبق العنوان المنهی عنه
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 54
علیه ، وکان ترک التشبّه أهمّ من الصوم المستحبّ نهی عنه إرشاداً إلی ترک التشبّه . هذا علی القول بصحّة الصوم یوم العاشور ، کما نسب إلی المشهور ، وإلاّ فللإشکال فیه مجال بالنظر إلی الأخبار ، والتفصیل فی محلّه .
ویمکن أن یقال : نظیر ذلک فی الصلوات فی أوقات خاصّة ؛ فإنّ المنهی عنه تنزیهیاً هو التشبّه بعَبدَة الأوثان ، علی ما قیل .
وما قیل : من أنّه لا یعقل أن یکون کلّ من الفعل والترک ذا مصلحة ؛ لأنّه إمّا أن یغلب إحدی المصلحتین علی الاُخری ، فیکون البعث نحوها فقط ، وإلاّ فالحکم هو التخییر ، لیس بصحیح ؛ لأنّه یستقیم ذلک لو کان متعلّق الحکمین واحداً أو قلنا : إنّ المتعلّق هو المجمع الخارجی ، وقد عرفت بطلانه ، بل المقام لیس إلاّ من قبیل الصلاة فی مواضع التهمة .
کما أنّ ما تصدّی به المحقّق الخراسانی لدفع الإشکال فیما لا بدل له ؛ من أنّ انطباق عنوان ذی مصلحة علی الترک أو کون الترک ملازماً لعنوان کذائی الذی صیّره راجحاً ، غیر تامّ بظاهره ؛ لأنّ الترک عدمی لا ینطبق علیه عنوان وجودی ، ولا یمکن أن یکون ملازماً لشیء ؛ فإنّ الانطباق والملازمة من الوجودیات التی لابدّ فی ثبوتها لشیء من ثبوت ذلک الشیء .
نعم ، یمکن اعتبار شیء من بعض الأعدام الخاصّة المتصوّرة ، بنحو من التصوّر فی المأمور به .
ثمّ إنّ بعض الأعاظم قدس سره أجاب عن هـذا القسم بتقدیم مقدّمـة ، وهی : أنّ
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 55
النذر إذا تعلّق بعبادة مستحبّة یندکّ الأمر الاستحبابی فی الأمر الوجوبی الجائی من قبل النذر ؛ لوحدة متعلّقهما ، فیکتسب الأمر النذری الوجوبی التعبّدیة من الاستحبابی ، والأمر الاستحبابی یکتسب اللزوم من الوجوبی ، فیتولّد منهما أمر وجوبی عبادی .
وأمّا إذا کانت العبادة المستحبّة متعلّقة للإجارة ، کان متعلّق الأمر الاستحبابی مغایراً لما تعلّق به الأمر الوجوبی ؛ لأنّ متعلّق الأوّل ذات العبادة ومتعلّق الثانی إتیان العبادة بداعی الأمر المتوجّه إلی المنوب عنه ، وبوصف کونه مستحبّاً علی الغیر ؛ لأنّ الشخص صار أجیراً لتفریغ ذمّة الغیر ، فلا تکون العبادة من دون قصد النیابة تحت الإجارة ، فلا یلزم اجتماع الضدّین ، ولا یندکّ أحدهما فی الآخر . وما نحن فیه من هذا القبیل ؛ لأنّ الأمر تعلّق بذات العبادة ، والنهی التنزیهی تعلّق بالتعبّد بها ؛ لما فیه من المشابهة بالأعداد ، انتهی .
وفیه من الضعف والخلط ما لا یخفی علی البصیر :
أمّا أوّلاً : فلأنّ الأمر الاستحبابی تعلّق بعنوان الصلاة والأمر الوجوبی بعنوان الوفاء بالنذر ، فالعنوانان فی ظرف تعلّق الأحکام مختلفان ، ومتّحدان فی الوجود الخارجی ، وهو لیس ظرف تعلّق الحکم .
فلو نذر أن یصلّی صلاة اللیل یجب علیه الوفاء بالنذر ، ولا یحصل الوفاء إلاّ بإتیان الصلاة الاستحبابی لا غیر ، فالصلاة الخارجی مصداق لعنوانی الوفاء بالنذر والصلاة ، وقد انطبق العنوانان علیها فی الخارج .
ومثلها الإجارة ؛ فإنّ الأمر الوجوبی تعلّق بنفس الوفاء بالعقد ، والأمر
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 56
الاستحبابی بنفس الصلاة المستحبّـة ، أو تعلّق أمـر وجوبی آخـر بنفس الصلاة علی الولی .
وحینئذٍ : فلازم الوفاء بالعقد هو إتیان العبادة بداعی الأمر المتوجّه إلی المنوب عنه أو بوصف کونه مستحبّاً علی الغیر ، لا أنّ ذلک هو المتعلّق للأمر الإجـاری ، بل هـذا طریق لتحقّق الوفاء بالعقد ، فافتراق موضوعهما یکون مـن هذه الجهة .
وثانیاً : لا معنی معقول لهذا الاکتساب والتولّد المذکورین ، فبأیّ دلیل وأ یّة جهة یکتسب الأمر غیر العبادی العبادیة وغیر الوجوبی الوجوب ؟ وما معنی هذه الولادة والوراثة ؟ بل لا یعقل تغییر الأمر عمّا هو علیه ؛ ولو اتّحد المتعلّقان فی الخارج . ولعمری إنّ هذا أشبه بالشعر منه بالبرهان .
وثالثاً : أنّ الأمر فیما نحن فیه وکذا فی باب العبادات الاستیجاریة لم یتعلّق بذات الصوم والصلاة ، کما زعمه ؛ حیث قال : إنّ الأمر تعلّق بذات الصوم والنهی علیه بنعت التعبّد بها ، بل تعلّق بهما بقید التعبّدیة ، ولو بدلیل آخر وإلاّ یصیر توصّلیاً ، فیکون موضوعهما شیئاً واحداً فی کلا المقامین .
ورابعاً : ـ بعد تسلیم جمیع ما ذکره ـ لا ینفع ذلک للتخلّص عن الإشکال ؛ لأنّ حاصله یرجع إلی أنّ الأمر الاستحبابی تعلّق بصوم یوم العاشور ، وصومه بما هو مستحبّ مکروه ، وهذا واضح البطلان ؛ لأنّه یلزم منه أن یکون موضوع الحکم منافیاً لحکمه .
وما أشار إلیه فی خلال کلامه : أنّ التعبّد بالصوم مکروه لأجل التشبّه بالأعداء إن رجع إلی ما ذکرنا فلا یحتاج فیه إلی تلک التکلّفات .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 57