الثامن : فی ثمرة النزاع علی القول بالامتناع
بناءً علی الامتناع وترجیح جانب الأمر تصحّ الصلاة فی الدار المغصوبة إذا لم یکن هناک مندوحة ، وأمّا معها فلا ملاک لتقیید النهی المتعلّق بالغصب ؛ بلغ ملاک الصلاة ما بلغ ؛ لعدم دوران الأمر بینهما ، بل مقتضی الجمع بین الغرضین تقیید الصلاة عقلاً أو شرعاً بغیر محلّ الغصب . فإطلاق کلام المحقّق الخراسانی بأنّه بناءً علی الامتناع وترجیح جانب الأمر تصحّ صلاته ، ولا معصیة علیه مخدوش .
وأمّا بناءً علی ترجیح جانب النهی فمع العمد أو الجهل بالحکم تقصیراً لا إشکال فی بطلانها .
وأمّا مع القصور فصحّتها متوقّف علی أمرین : أحدهما إثبات اشتمال الصلاة فی مورد الاجتماع علی الملاک التامّ ، وثانیهما کون الملاک المرجوح قابلاً للتقرّب ومصحّحاً لعبادیة الصلاة .
والأوّل ممتنع بناءً علی کون الامتناع لأجل التکلیف المحال لا التکلیف بالمحال ؛ وذلک للتضادّ بین ملاک الغصب وملاک الصلاة ، فإن أمکن رفع التضادّ بین الملاکین باختلاف الحیثیتین أمکن رفعه فی الحکمین ، ولا یلتزم به الخصم .
فالقائل بالامتناع لابدّ له من الحکم بأنّ الحیثیة التی تعلّق بها الحکم الإلزامی
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 34
عین ما تعلّق به النهی ، ومع وحدة الحیثیة لا یعقل تحقّق الملاکین ، فلابدّ أن یکون المرجوح بلا ملاک . فعدم صحّة الصلاة لأجل فقدان الملاک ، ومعه لا دخالة للعلم والجهل فی الصحّة والبطلان .
وبالجملة : الأمر لا یتعلّق بالذات إلاّ بما هو حامل الملاک بالذات ، وکذا النهی . فمتعلّقهما عین حامل الملاک ، وهو مع وحدته غیر معقول ، ومع تکثّره یوجب جواز الاجتماع فتصوّر الحیثیتین الحاملتین للملاک یناقض القول بالامتناع من جهة التکلیف الذی هو المحال ، فتدبّر جیّداً .
وأمّا الثانی : فهو بعد تصوّر الملاک قابل للتقرّب به ؛ لأنّ الحیثیة الحاملة لملاک الصلاة غیر الحیثیة الحاملة لملاک الغصب ، فأتمّیة ملاک النهی من الأمر لا یوجب تنقیصاً فی ملاکه . فملاکه تامّ ، لکن لم ینشأ الحکم علی طبقه لأجل المانع ؛ وهو أتمّیة ملاک الغصب ، وهو غیر قابل لمنع صحّتها ؛ لکفایة الملاک التامّ فی صحّتها مع قصد التقرّب . فعدم الأمر هاهنا کعدمه فی الضدّین المتزاحمین .
وربّما یقال : بالفرق بین المقامین بأنّ باب الضدّین من قبیل تزاحم الحکمین فی مقام الامتثال وصرف قدرة العبد بعد صحّة إنشاء الحکمین علی الموضوعین ، وباب الاجتماع من قبیل تزاحم المقتضیین لدی الآمر ، فلا تأثیر لعلم المکلّف وجهله هاهنا ، بخلافه هناک .
وإن شئت قلت : یکون المقام من صغریات باب التعارض ، ومع ترجیح جانب النهی ینشأ الأمر بالصلاة فی غیر المغصوب ، والتقیید هنا کسائر التقییدات . فالصلاة فی المغصوب لیست بمأمور بها .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 35
وفیه : ـ مضافاً إلی ما عرفت سابقاً من أنّ انسلاک الدلیلین فی صغری باب التعارض منوط ومعلّق علی التعارض العرفی وعدم الجمع العقلائی ، لا التعارض العقلی الذی فی المقام ـ أنّ الکلام هاهنا فی صحّة الصلاة بحسب القواعد ، وهی غیر منوطة علی الأمر الفعلی ، وإلاّ فلازمه البطلان فی المقامین ، بل منوطة علی کفایة تمامیة الملاک فی عبادیة العبادة ؛ وهی موجودة فی البابین . ومجرّد عدم إنشاء الحکم هاهنا لأجل المانع وإنشائه هناک ـ لو سلّم ـ لا یوجب الفرق بعد تمامیة الملاک .
ودعوی عدم تمامیته هاهنا ؛ لأنّ الملاک مکسور بالتزاحم ممنوعة ؛ لأنّ مقتضی أتمّیة ملاک الغصب وإن کان عدم جعل الحکم علی الصلاة لکن لیس مقتضاها صیرورة ملاکها ناقصاً ؛ فإن اُرید بالمکسوریة النقصان ، فهو ممنوع جدّاً ؛ لأنّ الملاکین القائمین بالحیثیتین لا معنی لانکسار أحـدهما بالآخـر ، وإن اُرید بها أنّ الحکم بعد تزاحمهما یصیر تابعاً للأقوی فهذا مسلّم ، لکن لا یوجب نقصاً فی ملاک المهمّ ، فهو علی ملاکه باقٍ ، إلاّ أنّ النهی صار مانعاً من تأثیره فی جواز التقرّب به ، ومع عدم تأثیر النهی لا مانع عن تأثیره فی الصحّة بعد کفایة الملاک التامّ .
بل مانعیة النهی المعلوم عن صحّة الصلاة لأجل ملاکها التامّ محلّ إشکال فی هذا الفرض ، بل الظاهر صحّتها ؛ ولو مع العلم بالنهی ؛ لإمکان التقرّب بالحیثیة الحاملة للملاک . والنهی المتعلّق بالحیثیة الاُخری لا یوجب البطلان ، وسیجیء زیادة توضیح لهذا ، فارتقب .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 36