السابع‏: فی ثمرة النزاع علی القول بالجواز

السابع : فی ثمرة النزاع علی القول بالجواز

‏ ‏

‏قد یقال‏‎[1]‎‏ إنّه لاملازمة بین القول بالجواز والقول بصحّة العبادة ؛ لوجود ملاک‏‎ ‎‏آخر للبطلان فی بعض الموارد ، کالصلاة فی الدار المغصوبـة ؛ لأنّ التصرّف فی مال‏‎ ‎‏الغیر بلا إذنه فی الخارج عین الحرکة الصلاتیة ، والمبعّد عن ساحة المولی لا یمکن‏‎ ‎‏أن یکون مقرّباً ، نعم مع جهله بالموضوع أو الحکم قصوراً تصحّ صلاته بلا إشکال .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 29
‏والمعیار الکلّی فی الحکم بالصحّة والبطلان هو أ نّه کلّما کانت الخصوصیة‏‎ ‎‏العبادیة فی المصداق غیر الخصوصیة المحرّمة وجوداً ـ وإن جمعهما موضوع‏‎ ‎‏واحد ـ تصحّ العبادة ، ولا یرد الإشکال ؛ لأنّ المکلّف یتقرّب بالجهة المحسّنة ،‏‎ ‎‏ولیست فیها جهة مقبّحة علی الفرض ؛ وإن قارنتها أو لازمتها ، ولکن المقارنة أو‏‎ ‎‏اللزوم لا یضرّ بعبادیتها .‏

‏وکلّما کان العنوانان موجودین بوجود واحد وخصوصیة فاردة لا یمکن‏‎ ‎‏التقرّب بـه ؛ و إن جـوّزنا اجتماع الأمـر والنهی ، فإنّ التقرّب بما هـو مبعّد بالفعل‏‎ ‎‏ممّا لا یمکن .‏

‏هذا ، وسیأتی تحقیق المقام ، وأنّ المبعّد من حیثیة یمکن أن یکون مقرّباً من‏‎ ‎‏حیثیة اُخری ، فانتظر‏‎[2]‎‏ .‏

ثمّ إنّ بعض أعاظم العصر‏  ‏‏رحمه الله‏‏ قد أفاد فی تقریراته : أنّ الصلاة فی الدار‏‎ ‎‏المغصوبة من قبیل الأوّل ، وأنّ الحرکة الصلاتیة غیر الحرکة الغصبیة خارجاً ؛ لأنّ‏‎ ‎‏الغصب من مقولة الأین والصلاة من مقولة الوضع ، والظاهر أن تکون أفعال الصلاة‏‎ ‎‏من مقولة الوضع ؛ سواء قلنا إنّ المأمور به فی مثل الرکوع والسجود هو الهیئة‏‎ ‎‏کما هو مختار «الجواهر» ، أو الفعل کما هو المختار ؛ فإنّ المراد من الفعل لیس هو‏‎ ‎‏الفعل باصطلاح المعقول ، بل الفعل الصادر عن المکلّف ، فیکون الانحناء إلی الرکوع‏‎ ‎‏أوضاعاً متلاصقة متّصلة .‏

‏ثمّ المقولات متباینات وبسائط یکون ما به الامتیاز فیها عین ما به الاشتراک ،‏‎ ‎‏و إنّ الحرکة لیست داخلة فی المقولات ، بل هی مع کلّ مقولة عینها ، ولم تکن‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 30
‏الحرکة جنساً للمقولتین ، وإلاّ یلزم تفصّل الواحد بالفصلین المتباینین فی عرض‏‎ ‎‏واحد ، ویلزم الترکیب فیهما ولا معروضاً لهما ، وإلاّ یلزم قیام العرض بالعرض ؛ وهو‏‎ ‎‏محال . فالحرکة الغصبیة تکون من مقولة متباینة للحرکة الصلاتیة .‏

‏ولیس المراد من الحرکة هو رفع الید أو وضعها ورفع الرأس أو وضعه ، بل‏‎ ‎‏المراد الحرکة الصلاتیة والغصبیة ، وهما حرکتان کما عرفت ، فکون حیثیة الصلاتیة‏‎ ‎‏غیر حیثیة الغصبیة وجوداً وماهیة ، یجوز اجتماع الأمر والنهی فیهما ، ویکون‏‎ ‎‏المقرّب غیر المبعّد .‏

‏والشاهد علی ما ذکرنا من اختلافهما وجوداً : أنّ نسبة المکان إلی المکین‏‎ ‎‏والإضافة الحاصلة بین المکین والمکان لا یعقل أن تختلف فی الجوهر والعرض ،‏‎ ‎‏فکما أنّ کون زید فی الدار المغصوبة لا یوجب کونه غصباً فکذلک کون الصلاة فیها .‏‎ ‎‏فالترکیب بینهما انضمامی لا اتّحادی‏‎[3]‎‏ ، انتهی ملخّصاً .‏

وفیها : موارد للنظر ، نذکر مهمّاتها :

‏منها :‏‏ أنّ الصلاة لیست من المقولات ، بل من الماهیات الاختراعیة المرکّبة‏‎ ‎‏من عدّة اُمور اعتباریة ومقولیة ، ومثل ذلک لا یندرج تحت مقولة ، ولا تحت ماهیة‏‎ ‎‏من الماهیات الأصیلة ، هذا إن اُرید من الصلاة نفسها .‏

‏وإن اُرید أجزاؤها ـ کالرکوع مثلاً ـ فغیر صحیح ؛ لأ نّه إن قلنا : إنّ الرکوع‏‎ ‎‏عبارة عـن الحرکـة مـن الاستقامـة إلی الانحناء تعظیماً ؛ بحیث یکون مرکّباً مـن‏‎ ‎‏الهوی والحالة الحاصلة حین الانحناء التامّ فلا یکون من مقولة الوضع فقط ، بل‏‎ ‎‏یکون أحـد جزئیـه ـ أعنی الهوی ـ مـن مقولـة الحرکـة فی الأیـن ، ویکون مـن‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 31
‏مقولـة الأین ، بناءً علی أنّ الحرکة فی کلّ مقولة عینها .‏

‏والعجب : أنّ القائل سمّی هذه الحرکة الأینیة أ نّها أوضاع متلاصقة ، وغفل‏‎ ‎‏عن أنّ تبدّل الأوضاع وتلاصقها من لوازم هذه الحرکة ، کما یکون الجزء الآخر‏‎ ‎‏ـ أعنی الحالة المخصوصة ـ من مقولة الوضع .‏

‏وإن قلنا : إنّه عبارة عن نفس الهیئة المخصوصة تعظیماً ، الحاصلة بعد‏‎ ‎‏الانحناء التامّ فلا یندرج تحت المقولة ؛ لأنّ کونه تعظیماً من مقوّماته ، وهو‏‎ ‎‏لا یندرج تحت مقولة . علی أنّ هذا الإشکال یرد علی الشقّ الأوّل أیضاً إذا قلنا‏‎ ‎‏بکون التعظیم قیداً أو جزءً .‏

‏أضف إلیه : أنّ مبناه أنّ الجـزء للصلاة هـو الفعل ـ کما صرّح به ـ والفعل‏‎ ‎‏الصادر مـن المکلّف هـو الحرکة مـن الاستقامة إلی الانحناء ، وتبدّل الأوضاع‏‎ ‎‏یکون لازماً له ، وما هو جزء للصلاة ـ علی الفرض ـ هـو الفعل الصادر عنه‏‎ ‎‏لا الأوضاع المتلاصقة .‏

‏هذا ، مع ما فی تلاصق الأوضاع من مفاسد غیر خفی علی أهله ومن له إلمام‏‎ ‎‏بالمعارف العقلیة .‏

ومنها :‏ أنّ الغصب لا یکون من المقولات ؛ لأ نّه الاستیلاء علی مال الغیر‏‎ ‎‏عدواناً ، وهو من الاُمور الاعتباریة ، ولا یدخل فی ماهیة الکون فی المکان .‏‎ ‎‏فالکون فی المکان المغصوب لیس غصباً ، بل استقلال الید علیه واستیلاؤها غصب ؛‏‎ ‎‏سواء کان الغاصب داخلاً فیه أم لم یکن ، وهذا واضح بأدنی تأمّل .‏

‏مع أ نّـه لو فرض أنّ الغصب هو الکون فی المکان الذی للغیر عـدواناً‏‎ ‎‏لم یصر مـن مقولة الأین :‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 32
‏أمّا أوّلاً : فلأنّ المقولة لیست نفس الکون فی المکان ، بل هی هیئة حاصلة‏‎ ‎‏من کون الشیء فی المکان .‏

‏وأمّا ثانیاً : فلأنّ ماهیة الغصب متقوّمة بکون المکان للغیر ، ویکون إشغاله‏‎ ‎‏عدواناً ، وهما غیر داخلین فی ماهیة مقولة الأین . فعلی هذا الفرض الباطل یکون‏‎ ‎‏المقولة جزء ماهیة الغصب .‏

ومنها :‏ أنّ عدم صحّة الصلاة لیس لأجل الغصب ـ أی استقلال الید ـ بل‏‎ ‎‏لأجل التصرّف فی مال الغیر بلا إذن منه ، وهذا عنوان آخر غیر الغصب ؛ فإنّه‏‎ ‎‏قد یکون الشخص متصرّفاً فی مال الغیر بلا إذنه مع عدم کونه غاصباً ؛ لعدم استقلال‏‎ ‎‏یده علیه . وقد یکون غاصباً بلا تصرّف خارجی فی ماله .‏

‏فالصلاة فی الدار المغصوبة باطلة لا لأجل استقلال الید علی ملک الغیر ؛ لأ نّه‏‎ ‎‏أمر اعتباری لا ینطبق علی الصلاة غالباً ، بل لأجل التصرّف فی مال الغیر ؛ ضرورة‏‎ ‎‏أنّ الحرکة الرکوعیة والسجودیة عین التصرّف فی مال الغیر ، بل السجود علی سبعة‏‎ ‎‏أعظم تصرّف ، والکون القیامی والقعودی وغیرهما تصرّف فی مال الغیر وحرام ،‏‎ ‎‏فلا یمکن التقرّب بما هو مبعّد علی الفرض ـ قیل بجواز الاجتماع أم لم یقل ـ‏‎ ‎‏وسیأتی ـ إن شاء الله ـ أنّ جواز الاجتماع لا یتوقّف علی کون الحیثیات تقییدیة‏‎ ‎‏والترکیب انضمامیاً‏‎[4]‎‏ ، کما بنی علیه ‏‏قدس سره‏‏ .‏

‏وممّا ذکر یعلم حال ما ذکره من قیاس کون زید فی الدار المغصوبة بکون‏‎ ‎‏الصلاة فیها ؛ فإنّ الصلاة لمّا کانت فعل المکلّف تکون تصرّفاً فی مال الغیر ، وأمّا‏‎ ‎‏زید فنفس ذاته لا یکون فعلاً ؛ حتّی یکون تصرّفاً ، بل کون زید فی الدار غصب‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 33
‏لا ذاته علی مبناه ، أو تصرّف علی ما ذکرنا ، وزید غاصب أو متصرّف ، کما أنّ‏‎ ‎‏صلاته باعتبار کونها من أکوانه وأفعاله غصب وتصرّف ، وهو غاصب ومتصرّف ،‏‎ ‎‏والأمر أوضح من أن یحتاج إلی البیان .‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 34

  • )) لمحات الاُصول : 224 .
  • )) یأتی فی الصفحة 49 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 1 : 424 ـ 427 .
  • )) یأتی فی الصفحة 44 .