متعلّق الطلب فی النهی
المشهور بین الأعلام ـ منهم المحقّق الخراسانی ـ أنّ النهی کالأمر فی دلالته علی الطلب ، غیر أنّ متعلّقه هو الترک ونفس أن لا تفعل .
والتحقیق : امتناع ذلک ثبوتاً ، ومخالفته لظواهر الکلام إثباتاً :
أمّا الأوّل : فلأنّ الإرادة لا تتعلّق بشیء إلاّ بعـد حصول مبادئها ؛ مـن التصـوّر والتصدیق بالفائـدة والاشتیاق إلیه أحیاناً ، بل هـذه المبادئ من علل حصول الإرادة ووجـودها . وحینئذٍ : فالعدم والترک من الاُمور الباطلة الوهمیة ، لا یمکـن أن یکون ذا مصلحـة تتعلّق بـه اشتیاق وإرادة أو بعث وتحریک ؛ إذ البطلان المحض لا یترتّب علیه أثر حتّی یقع مورد التصدیق بالفائدة ، وقـد عرفت أنّ ما هـو المشهور مـن أنّ للأعدام المضافة حظّاً من الوجـود ممّا لا أصل له ؛ إذ الوجود لملکاتها لا لأعدامها .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 9
وأوضح بطلاناً ما ربّما یقال : بتعلّق الطلب ببعض الأعدام وجداناً ؛ لأنّ ذلک مغالطة ، وحصلت من أخذ ما بالعرض مکان ما بالذات ؛ لأنّه قد یکون وجود شیء مبغوضاً لفساد فیه ، فینسب المحبوبیة إلی عدمه عرضاً بعد تصوّره بالحمل الأوّلی . وبالجملة فالأمر أوضح من أن یحتاج إلی البیان .
وبذلک یظهر : أنّ النزاع الدائر بین قدماء الاُصولیین من أنّ متعلّق النهی هل هو الکفّ أو نفس أن لا تفعل ؛ ظانّین أنّ الحقّ منحصر فیهما لیس کما ینبغی ، بل هنا وجه آخر ، کما سیوافیک بیانه .
وأمّا مخالفته للظواهر إثباتاً فلأنّ النهی کالأمر ینحلّ إلی مادّة وهیئة ، والمادّة تدلّ علی نفس الماهیة ، والهیئة تدلّ علی الزجر عن الماهیة أو عن إیجادها بالمعنی الحرفی کما سبق ، ولیس هناک شیء یدلّ علی الترک والعدم ؛ لا مادّة ولا هیئة .
والتحقیق ـ کما هو المتبادر من النواهی ـ أنّ مادّتها هی مادّة الأوامر ، لا تدلّ إلاّ علی نفس الطبیعة ، ولکن مفاد هیئة الأمر هو البعث والتحریک تشریعاً ، ومفاد هیئة النهی هو الزجر والمنع عن الطبیعة تشریعاً وقانوناً .
والسرّ فی ذلک : أنّ ملاک الأمر هو اشتمال المتعلّق علی مصلحة ملزمة ، کما أنّ ملاک الآخر هو اشتمال وجود الطبیعة علی مفسدة شخصیة أو نوعیة ، فکما أنّ مقتضی الأوّل هو التحریک لاستیفائها کذلک مقتضی الثانی هو زجره ومنعه عن إیجادها . والمناسب مع اشتمال الطبیعة علی المفسدة هو الزجر عنها ، لا طلب ترکها والبعث إلی استمرار عدمها ؛ إذ هذا أشبه شیء بالأکل عن القفاء ، کما لا یخفی .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 10
ویؤیّد ما ذکرنا : التفحّص حول سائر اللغات ؛ فإنّ مرادف قولنا لا تضرب فی الفارسیة کلمة «نزن» ولیس مفاده عرفاً وتبادراً إلاّ ماذکرنا . علی أنّه لو صرّح بطلب العدم لابدّ من تأویله لما عرفت من امتناع تعلّق الإرادة به .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 11