فیما إذا اختلف الحیّ والمیّت فی مسألة البقاء
ذیّل شیخنا الأعظم رحمه الله مسألة البقاء بما یلی ، فقال : إذا قلّد شخصاً ثمّ مات : فإن قلّد مجتهداً آخر یوافق قوله قول الأوّل بقاءً وعدولاً فلا إشکال ، وکذا إذا کان مقتضی التقلید الأوّل البقاء والثانی الرجوع ؛ فإنّ هذه الواقعة کإحدی الوقائع التی لابدّ فیها من التقلید ، ولابدّ من الرجوع عن التقلید الأوّل فیها ، ویتفرّع علی رجوعها الرجوع عن سائر الوقائع المقلَّد فیها .
إنّما الإشکال فیما إذا کان مقتضی الأوّل الرجوع ومقتضی الثانی البقاء ؛ فإنّه یرجع إلی التناقض فی مقتضاهما ؛ فإنّ البقاء فی هذه الواقعة یوجب الرجوع ؛ ولو عن هذه الواقعة .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 675
والذی یسهّل الخطب : عدم الأخذ بعموم الفتوی الثانیة بالنسبة إلی مسألة البقاء والعدول ؛ للزوم تخصیص الأکثر لولاه ، ولأدائه إلی وجوب العدول ، مع أنّ المفتی لایقول به ، انتهی .
وتوضیح الصورة الثالثة : أنّه إذا قلّد مجتهداً کان یقول بوجوب الرجوع إلی الحیّ ثمّ مات : فإمّا أن یکون المکلّف بعد موته غافلاً عن الواقعة ولوازمها أولا .
فعلی الأوّل : فالمیزان فی صحّة أعماله وعدمها ما أوضحناه سابقاً .
وعلی الثانی فإذا رجع إلی الغیر : فإن کان رجوعه إلی الغیر الحیّ بالاستناد إلی قول المیّت الذی کان یقول بوجوب الرجوع إلی الحیّ ، بتوهّم جواز تقلیده فی مسألة الرجوع کان الکلام فی صحّة أعماله وعدمها ما قدّمناه ؛ وإن تذکّر بعدم جواز تقلیده فی مسألة الرجوع إلی الحیّ ؛ لأنّه أیضاً تقلید المیّت أو تحیّر فیه ، ولکنّه رجع إلی الحیّ الذی کان یقول بوجوب البقاء ، فلا شکّ فی أنّه یجب علیه البقاء علی رأی الأوّل فی سائر المسائل الفرعیة .
وأمّا هذه المسألة الاُصولیة التی کان یقول المیّت بوجوب الرجوع إلی الحیّ ، ویقول الحیّ بوجوب البقاء فلا یجوز له البقاء علی رأی المیّت ؛ لأنّه قلّد فی هذه المسألة المجتهد الحیّ ، ومعه کیف یجوز له البقاء فی هذه المسألة ؟ ! إذ التقلید فرع التحیّر ، وهو بالرجوع فیها إلی الحیّ ارتفع عنه التحیّر ، بل لایجوز للمفتی الإفتاء له بالبقاء فی خصوص المسألة ؛ لکون المیّت مخطئاً عنده فیها ، فلیس بشاکّ حتّی یستصحب من عند نفسه .
وأمّا إجراء الاستصحاب من ناحیة مقلّده : فهو أیضاً غیر شاکّ بعد رجوعه
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 676
فی هذه المسألة إلی الحیّ ، وهو أمارة أو بمنزلة الأمارة ، وبعد قیامها عنده لامعنی للاستصحاب .
ویمکن أن یقال : لایجوز له إجراء الاستصحاب من ناحیة العامّی ـ حتّی مع قطع النظر عن قیام الأمارة عند العامّی ـ فإنّ ما یختصّ بالمجتهد إنّما هو تشخیص مجاری الاُصول ، وأمّا نفس الأحکام ـ اُصولیة کانت أو فرعیة ـ فإنّما هی اُمور مشترکة بین العالم والجاهل ، فإذا عرضه الشکّ الصالح للاستصحاب فإنّما یستصحب الحکم المشترک بین العباد .
وحینئذٍ : فلو فرضنا أنّ الحیّ یخطئ المیّت فی مسألة عدم جواز البقاء ، ویری جواز البقاء أو وجوبه ، یختلّ أرکان الاستصحاب ؛ وهو الشکّ فی الحکم المشترک بین العباد ؛ إذ مع قیام الدلیل علی خلاف قول المیّت یرتفع الشکّ من رأس .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 677