المقصد السابع فی الاُصول العملیة

فیما إذا اختلف الحیّ والمیّت فی مسألة البقاء

فیما إذا اختلف الحیّ والمیّت فی مسألة البقاء

‏ ‏

‏ذیّل شیخنا الأعظم ‏‏رحمه الله‏‏ مسألة البقاء بما یلی ، فقال : إذا قلّد شخصاً ثمّ مات :‏‎ ‎‏فإن قلّد مجتهداً آخر یوافق قوله قول الأوّل بقاءً وعدولاً فلا إشکال ، وکذا إذا کان‏‎ ‎‏مقتضی التقلید الأوّل البقاء والثانی الرجوع ؛ فإنّ هذه الواقعة کإحدی الوقائع التی‏‎ ‎‏لابدّ فیها من التقلید ، ولابدّ من الرجوع عن التقلید الأوّل فیها ، ویتفرّع علی‏‎ ‎‏رجوعها الرجوع عن سائر الوقائع المقلَّد فیها .‏

‏إنّما الإشکال فیما إذا کان مقتضی الأوّل الرجوع ومقتضی الثانی البقاء ؛ فإنّه‏‎ ‎‏یرجع إلی التناقض فی مقتضاهما ؛ فإنّ البقاء فی هذه الواقعة یوجب الرجوع ؛ ولو‏‎ ‎‏عن هذه الواقعة .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 675
‏والذی یسهّل الخطب : عدم الأخذ بعموم الفتوی الثانیة بالنسبة إلی مسألة‏‎ ‎‏البقاء والعدول ؛ للزوم تخصیص الأکثر لولاه ، ولأدائه إلی وجوب العدول ، مع أنّ‏‎ ‎‏المفتی لایقول به‏‎[1]‎‏ ، انتهی .‏

وتوضیح الصورة الثالثة :‏ أنّه إذا قلّد مجتهداً کان یقول بوجوب الرجوع إلی‏‎ ‎‏الحیّ ثمّ مات : فإمّا أن یکون المکلّف بعد موته غافلاً عن الواقعة ولوازمها أولا .‏

‏فعلی الأوّل : فالمیزان فی صحّة أعماله وعدمها ما أوضحناه سابقاً‏‎[2]‎‏ .‏

‏وعلی الثانی فإذا رجع إلی الغیر : فإن کان رجوعه إلی الغیر الحیّ بالاستناد‏‎ ‎‏إلی قول المیّت الذی کان یقول بوجوب الرجوع إلی الحیّ ، بتوهّم جواز تقلیده فی‏‎ ‎‏مسألة الرجوع کان الکلام فی صحّة أعماله وعدمها ما قدّمناه ؛ وإن تذکّر بعدم جواز‏‎ ‎‏تقلیده فی مسألة الرجوع إلی الحیّ ؛ لأنّه أیضاً تقلید المیّت أو تحیّر فیه ، ولکنّه‏‎ ‎‏رجع إلی الحیّ الذی کان یقول بوجوب البقاء ، فلا شکّ فی أنّه یجب علیه البقاء‏‎ ‎‏علی رأی الأوّل فی سائر المسائل الفرعیة .‏

‏وأمّا هذه المسألة الاُصولیة التی کان یقول المیّت بوجوب الرجوع إلی الحیّ ،‏‎ ‎‏ویقول الحیّ بوجوب البقاء فلا یجوز له البقاء علی رأی المیّت ؛ لأنّه قلّد فی هذه‏‎ ‎‏المسألة المجتهد الحیّ ، ومعه کیف یجوز له البقاء فی هذه المسألة ؟ ! إذ التقلید فرع‏‎ ‎‏التحیّر ، وهو بالرجوع فیها إلی الحیّ ارتفع عنه التحیّر ، بل لایجوز للمفتی الإفتاء له‏‎ ‎‏بالبقاء فی خصوص المسألة ؛ لکون المیّت مخطئاً عنده فیها ، فلیس بشاکّ حتّی‏‎ ‎‏یستصحب من عند نفسه .‏

‏وأمّا إجراء الاستصحاب من ناحیة مقلّده : فهو أیضاً غیر شاکّ بعد رجوعه‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 676
‏فی هذه المسألة إلی الحیّ ، وهو أمارة أو بمنزلة الأمارة ، وبعد قیامها عنده لامعنی‏‎ ‎‏للاستصحاب .‏

‏ویمکن أن یقال : لایجوز له إجراء الاستصحاب من ناحیة العامّی ـ حتّی مع‏‎ ‎‏قطع النظر عن قیام الأمارة عند العامّی ـ فإنّ ما یختصّ بالمجتهد إنّما هو تشخیص‏‎ ‎‏مجاری الاُصول ، وأمّا نفس الأحکام ـ اُصولیة کانت أو فرعیة ـ فإنّما هی اُمور‏‎ ‎‏مشترکة بین العالم والجاهل ، فإذا عرضه الشکّ الصالح للاستصحاب فإنّما‏‎ ‎‏یستصحب الحکم المشترک بین العباد .‏

‏وحینئذٍ : فلو فرضنا أنّ الحیّ یخطئ المیّت فی مسألة عدم جواز البقاء ،‏‎ ‎‏ویری جواز البقاء أو وجوبه ، یختلّ أرکان الاستصحاب ؛ وهو الشکّ فی الحکم‏‎ ‎‏المشترک بین العباد ؛ إذ مع قیام الدلیل علی خلاف قول المیّت یرتفع الشکّ من رأس .‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 677

  • )) مطارح الأنظار : 272 / السطر 20 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 672 .