جوابنا عن الشبهة
إنّ الحاجة إلی الاستصحاب فی الحکم بجواز البقاء إنّما هو فیما إذا کان فتوی المیّت مخالفاً للحیّ الذی یفتی بجواز البقاء ؛ إذ لو کانا متوافقی الفتوی ، وکان عامّة فتاواه موافقاً لرأی المجتهد الحیّ لکان له إرجاع العامّی إلی المیّت ، من دون حاجة إلی الاستصحاب ؛ لقیام الحجّة عنده علی صحّة هذه الفتاوی .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 670
ولیست الغایة إلاّ الوصول إلی هذه الأحکام ، من دون دخالة التقلید والأخذ بالرأی ، وإنّما الحاجة إلیه إنّما هی فیما إذا کانا متخالفی الفتوی .
فحینئذٍ : لو فرضنا أنّ المکلّف أدرک مجتهدین متساویین فی العلم مختلفین فی الفتوی فقد تسالم الأصحاب علی کونه مخیّراً فی الأخذ بواحد منهما ؛ لدلیل شرعی دالّ علی التخییر الشرعی واصل إلیهم ؛ وإن لم یصل إلینا ، أو لأجل السیرة المستمرّة إلی زمن الأئمّة علیهم السلام الکاشفة عن رضائهم وارتضائهم .
ولولا الدلیل أو السیرة الکاشفة کان مقتضی القاعدة هو التساقط والعمل بالاحتیاط ، کما أوضحناه ، مع أنّهم تسالموا علی التخییر .
فإذا مات واحد منهما طرء الشکّ فی بقاء التخییر الشرعی المتقدّم أو ارتفاعه بفوته ، والأصل بقاؤه . ولازم ذلک جواز البقاء للمکلّف الذی أدرک حیاة المجتهدین بالغاً وعاقلاً ؛ بحیث توجّـه إلیه الخطاب الشرعی بالتخییر ، وأمّا إذا لم یدرک حیاتهما فلا ؛ لعدم الحالة السابقة ، وهذا ما یعبّر عنه فی کلام الأصحاب بالتقلید الابتدائی للمیّت .
ولاینافی ذلک : ما حرّرناه فی دفع الإشکال الأوّل ؛ من أنّ الحکم الثابت للعنوان لایختصّ بحال الموجودین وقت الخطاب ، بل یعمّ کلّ من صدق علیه العنوان ؛ ولو بعد مضیّ قرن .
وجه عدم المنافاة : فإنّ ذلک إنّما هو فی ثبوت الحکم علی العنوان ؛ أعنی المکلّف أو الناس ، ولکنّه لم یدلّ دلیل علی ثبوت التخییر الشرعی علی عنوان المکلّف علی هذا النحو ، بل المتیقّن من فتوی الأصحاب هو ثبوت التخییر لهذا
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 671
الشخص الذی أدرک الفقیهین المتساویین فی العلم المختلفین فی الفتاوی .
نعم ، لازم ذلک : أنّ للمکلّف الذی أدرکهما بالغاً العمل بعامّة فتاویه ؛ سواء عمل بها سابقاً أو لا .
فتلخّص : أنّ مقتضی القاعدة بعد قیام الإجماع علی بطلان تقلید المیّت ابتداءً هو التفصیل بین ما إذا لم یدرک المکلّف حیاة المجتهد بالغاً فلا یجوز تقلیده أصلاً ، وما إذا أدرکه بالغاً فیجوز له تقلیده والأخذ بفتاواه ، من غیر فرق بین
الابتدائی والاستمراری ـ أی ما عمل به سابقاً وما لم یعمل ـ فلو قام الإجماع علی عدم جواز الابتدائی مطلقاً تصیر النتیجة التفصیل بین الابتدائی والاستمراری . هذا کلّه مقتضی الاستصحاب .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 672