حال المجتهدین المتساویین مع اختلاف فتواهما
مقتضی القاعدة تساقطهما والرجوع إلی الاحتیاط ، أو الرجوع إلی القواعد الاُخر لو أخلّ الاحتیاط بالنظام أو أوجب العسر والحرج ، غیر أنّ المتسالم عند الأصحاب هو التخییر بینهما .
نعم ، یظهر من شیخنا العلاّمة ـ أعلی الله مقامه ـ کون التخییر مقتضی الأدلّة ، وأنّ أدلّة حجّیة رأی الفقهاء تشمل حال التعارض وغیره ، بخلاف أدلّة حجّیة قول الثقة ؛ فإنّها تختصّ بغیر تلک الحال .
قال فی توضیح ذلک : الفرق بین البابین : أنّ ما هو الموضوع للحجّیة فی باب الروایات إنّما هو طبیعة خبر الثقة علی نحو الوجود الساری ؛ إذ لا معنی لحجّیة خبره علی نحو صرف الوجود ؛ لأنّ الغرض قائم بحجّیة خبر الثقة علی النحو العامّ الاستغراقی ، ولایفید صرف وجود الخبر فی الفقه أصلاً .
وعلیه : فلا یعقل جعل الحجّیة التعیینیة فی المتعارضین ، کما لایمکن جعل الحجّیة التعیینیة فی غیر موارد التعارض والتخییریة فیها بدلیل واحد ، فلا مناص عن إنکار الإطلاق .
وهذا بخلاف الموضوع فی حجّیة قول الفقهاء ؛ فإنّ ما هو الموضوع إنّما هو طبیعة قول الفقیه علی نحو صرف الوجود ؛ لأنّ الغرض قائم بقول کلّ واحد من الفقهاء علی هذا النحو ، ولا معنی لجعل الحجّیة لقول عامّة الفقهاء علی نحو الطبیعة الساریة ؛ بأن یکون المکلّف ملزماً لتحصیل رأی الفقهاء فی کلّ واقعة ، بل یکون الرجوع إلی فقیه واحد فی عامّة ما یحتاج إلیه .
فإذا کان المأمور به هو صرف الوجود فلا إشکال فی شمول إطلاق جعل
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 648
الحجّیة لحال التعارض وغیره ، فإذا أخذ برأی واحد من الفقهاء فقد أطاع وامتثل .
فظهر من ذلک : أنّ إطلاق قوله علیه السلام فی التوقیع : «وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فیها إلی رواة أحادیثنا» ، وما فی خبر أحمد بن حاتم بن ماهویه الماضی : «فاصمدا فی دینکما علی کلّ مسنّ فی حبّنا» ، وغیرهما من عمومات حجّیة رأی الفقهاء شامل حال التعارض وغیره ؛ فإذا أخذ بآراء واحد من الفقهاء فقد أطاع الأمر الوارد .
وفیه : أنّ ما ذکره ـ أعلی الله مقامه ـ مصحّح إمکان الأخذ بالإطلاق فی الباب لو وجد ، دون باب حجّیة قول الثقة ، لکنّه فرع وجود دلیل یصحّ الاتّکال علیه ، وقـد أوردنا کثیراً مـن هـذه العمومات التی استـدلّ بها علی حجّیـة رأی الفقیه عند البحث عـن لزوم تقدیم رأی الأعلم ، وعرفت أنّها بین مـا لا یصـحّ سنـداً أو دلالةً .
وما أشار إلیه من التوقیع قد عرفت إجماله .
وأمّا قوله علیه السلام : «فاصمدا فی دینکما . . .» فقد أوعزنا فیما مضی : أنّ الظاهر مفروغیة لزوم الرجوع إلی أحد من العلماء عند السائل ، کما یشیر إلیه قوله : «عمّن آخذ معالم دینی» ، غیر أنّه کان یتطلّب من الإمام تعیین ذلک المرجع .
کما أرجع غیر واحد من السائلین إلی أفراد معیّنة ، من أبی بصیر ومحمّد بن
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 649
مسلم وزکریا بن آدم ، فضرب الإمام قاعدة کلّیة حتّی یأخذها مقیاساً ، وقال : «إلی کلّ مسنّ فی حبّنا ، کثیر القدم فی أمرنا» کنایة عمّن له معرفة تامّة باُمور الإمامة ، وقدم صدق وراسخ فی أبوابهم ؛ حتّی یوجب الطمأنینة والوثوق بما ینقل ویفتی .
وعلیه : فترک الإمام علیه السلام ما هو الشرط الأساسی ـ أعنی الفقاهة ـ لکونه مفروغ الوجود عند السائل والمسؤول ، وترکه علی ارتکازه ، فلیس هو بصدد إعمال التعبّد والإرجاع إلی الفقهاء حتّی یؤخذ بإطلاقه ، بل بصدد بیان القیود الاُخر .
ولو سلّم کونه بصدد إرجاعه إلی الفقهاء ، لکنّه لیس فی مقام البیان ، بل وزانه وزان قول الناصح المشفق لصدیقه المریض : «یجب علیک الرجوع إلی الطبیب وشرب الدواء» ، إلی غیر ذلک من العبائر التی لیس القائل إلاّ بصدد بیان الحکم علی نحو الإهمال .
فتلخّص : أنّه لیس للأدلّة إطلاق لحال التعارض .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 650