المقصد السابع فی الاُصول العملیة

استدلال القائلین بوجوب الرجوع إلی الأعلم

استدلال القائلین بوجوب الرجوع إلی الأعلم

‏ ‏

‏استدلّ القائلون به بوجوه :‏

منها :‏ الإجماعات المنقولة‏‎[1]‎‏ التی لاقیمة لها فی مثل تلک المسألة العقلیة‏‎ ‎‏التی تضاربت فیها الأقوال والآراء مع تراکم الأدلّة .‏

ومنها :‏ الأخبار التی منها المقبولة‏‎[2]‎‏ ، وقد عرفت‏‎[3]‎‏ أنّ القائل بجواز الرجوع‏‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 640
‏إلی المفضول تمسّک بإطلاق صدرها ، والقائل بتعیّن الفاضل تمسّک بما فی الذیل ؛‏‎ ‎‏من نفوذ حکم الأفقه عند تعارضه مع حکم الفقیه ، فنفوذ حکمه متعیّناً یستلزم نفوذ‏‎ ‎‏فتواه کذلک فی المسألة ، فیتعدّی إلی غیرها بإلغاء الخصوصیة أو القطع بالملاک ؛ لا‏‎ ‎‏سیّما مع تناسب الأفقهیة والأصدقیة فی الحدیث لذلک من المرجّحات .‏

وفیه :‏ أنّ ملاک التقدّم فی المقبولة إنّما هی الصفات الأربعة بحکم واو‏‎ ‎‏العطف ، لا الأفقهیة فقط . وعلیه : فلا یکون تلک ملزمة بمجرّدها .‏

‏وما استظهره الشیخ الأعظم فی «رسالة التعادل والتراجیح» من أنّ الراوی‏‎ ‎‏بعد ما سمع المرجّحات الأربعة عن الإمام سأل عن صورة التساوی ، ولم یسأل عن‏‎ ‎‏صورة وجود بعض منها دون بعض ، وهذا یکشف عن أنّ المرجّح کلّ واحد منها‏‎ ‎‏مستقلّاً لا مجتمعاً‏‎[4]‎‏ ، غیر ظاهر ولا کاشف عمّا ادّعاه .‏

‏أضف إلیه : أنّ التلازم إنّما هو بین نفوذ الحکم وحجّیة فتواه ، لا بین عدم‏‎ ‎‏نفوذه وعدم حجّیة فتواه ؛ لأنّ سلب المرکّب أو ما بحکمه إنّما هو بسلب بعض‏‎ ‎‏أجزائه . فعدم نفوذ حکم غیر الأفقه یمکن أن یکون لأجل عدم کون حکمه فاصلاً ،‏‎ ‎‏ویمکن أن یکون لعدم حجّیة فتواه . ونفی الأخصّ لایدلّ علی نفی الأعمّ ، وعدم‏‎ ‎‏جواز أخذه فتواه فی المقام لایدلّ علی سلب الحجّیة عن فتواه ، بل لعدم کون فتواه‏‎ ‎‏فاصلاً ورافعاً للترافع ، بل الفتوی مطلقاً ـ وإن کان فتوی الأعلم ـ لیس بفاصل بل‏‎ ‎‏الفاصل هو الحکم .‏

‏وجعل الأفقهیة علّة تامّة لتقدیم قضاء أعلم الحکمین ممّا یحتاج إلی الدلیل ،‏‎ ‎‏مع احتمال أن یکون للقضاء دخلاً فی تقدیم قضائه ؛ فإنّ مرکز القضاء غالباً هی‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 641
‏النوامیس والحقوق . ومن المحتمل أنّ الشارع لاحظ فیها جانب الاحتیاط ، فحکم‏‎ ‎‏بنفوذ حکم الأعلم دون غیره ، لأقربیته إلی الواقع ، ولکنّه أطلق القول فی أخذ‏‎ ‎‏الفتوی فی أحکامه وشرائعه ؛ إرفاقاً للناس وتوسعةً علیهم . ومعه کیف یمکن القول‏‎ ‎‏بکون الأفقهیة علّة تامّة ؟ !‏

‏وأوضح من ذلک فساداً إلغاء الخصوصیة أو القطع بالملاک ، کما لایخفی .‏

واستدلّ القائلون أیضاً‏ بوجه آخر دارج فی کلامهم ؛ وهو ادّعاء أقربیة قول‏‎ ‎‏الأعلم إلی الواقع ؛ قائلاً أنّ نظره طریق محض إلی الواقع کنظر غیره ، من غیر فرق‏‎ ‎‏بین الأحکام الواقعیة الأوّلیة أو الثانویة ، والأعذار العقلیة والشرعیة .‏

‏فإذا کان قوله أقرب لزم الأخذ به فی مقام إسقاط التکالیف وإقامة الأعذار ،‏‎ ‎‏ولو جاز الأخذ بغیره أیضاً لزم موضوعیته‏‎[5]‎‏ ، انتهی .‏

وفیه :‏ منع الصغری ؛ لأنّ فتوی غیر الأفضل ربّما یکون أقرب من فتوی‏‎ ‎‏الأفضل ؛ لموافقته لفتوی من هو أفضل منه ممّن مات ، أو لفتوی الأعلم من الأحیاء‏‎ ‎‏إذا لم یجز تقلیده لفقد شرط من شروطه ، وربّما یکون فتوی غیر الأعلم موافقاً‏‎ ‎‏لفتوی الباقین من الفقهاء ، ویکون الأعلم متفرّداً فی رأیه فی الأحیاء .‏

ویظهر من بعض الأعیان من المحقّقین‏ فی تعلیقته خلاف ما ذکرنا ؛ حیث‏‎ ‎‏قال : إنّ حجّیة الفتوی لیس لأجل مطلق الظنّ بحکمه تعالی ؛ ولذا لایجوز عمل‏‎ ‎‏العامّی بظنّه ، بل لأجل أنّه خصوص ظنّ حاصل من فتوی المجتهد المستند إلی‏‎ ‎‏حجّة قاطعة للعذر . فما هو الحجّة عقلاً أو شرعاً هو الظنّ الخاصّ ، دون الظن بما‏‎ ‎‏أفتی به المجتهد ؛ وإن لم یحصل من فتوی المجتهد .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 642
‏وعلیه : فدعوی الفرق بین الأقربیة الداخلیة والخارجیة فی کمال القوّة .‏

‏وأمّا الظنّ الحاصل من موافقة فتوی الحیّ المفضول للأفضل من الأموات :‏‎ ‎‏فحیث إنّه متقوّم بفتوی من لا حجّیة لفتواه فهو کالظنّ الحاصل من سائر الأمارات‏‎ ‎‏الغیر المعتبرة .‏

‏وأمّا الأقوائیة الحاصلة من مطابقة فتوی المفضول لغیره من الأحیاء : فهی‏‎ ‎‏غیر مسلّمة ؛ إذ المطابقة لا محالة لوحدة المدرک وتقارب أنظارهم وأفکارهم .‏‎ ‎‏فالکلّ فی قوّة نظر واحد ، ولا یکشف توافق آرائهم عن قوّة مدارکهم من مدرک‏‎ ‎‏الأفضل ، وإلاّ لزم الخلف ؛ لفرض أقوائیة نظر الأفضل من غیره فی مرحلة‏‎ ‎‏الاستنباط بجمیع جهاته .‏

‏ومنه یعرف : فساد قیاس المورد بالخبرین المتعارضین المحکی أحدهما‏‎ ‎‏بطرق متعدّدة دون الآخر ؛ إذ لیست الحکایات المتعدّدة بمنزلة حکایة واحدة ، فلا‏‎ ‎‏محالة یوجب کلّ حکایة الظنّ بصدور شخص هذا الکلام من الإمام ‏‏علیه السلام‏‏ ، ولا یلزم‏‎ ‎‏منه الخلف ، کما کان یلزم فیما نحن فیه‏‎[6]‎‏ ، انتهی بنصّه .‏

وفیه :‏ أنّ المقصود فی منع الصغری إنّما هو ردّ أقربیة فتوی الأفضل إلی‏‎ ‎‏الواقع عن غیره ، وهذا یحصل بتوافق رأی المفضول للأعلم من الأحیاء الغیر الصالح‏‎ ‎‏للرجوع ، أو توافقه لباقی الفقهاء وتفرّد الأفضل .‏

‏وما ذکره من أنّ هذا التوافق من الظنون الحاصلة من الأمارات الغیر المعتبرة‏‎ ‎‏لایصلح لردّه ، وإنّما یصلح لردّ دعوی تقدّم قول المفضول فی مقام الاحتجاج ، وهو‏‎ ‎‏خارج عمّا نرتأیه ، کما لا یخفی . وبذلک یسقط کلّ ما أفاده فی صدر کلامه ؛ فإنّ‏‎ ‎‏المقصود ردّ أقربیته فقط .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 643
‏وأمّا إنکار أقربیة قول المفضول إذا وافق جلّ الفقهاء وتفرّد الأفضل برأیه‏‎ ‎‏علی نحو الذی ذکره فمنظور فیه ؛ لأنّ اتّفاق آراء أهل الفنّ علی أمر واحد یوجب‏‎ ‎‏سلب الاطمئنان عمّا یخالفه ، ولایبقی له وثوق أصلاً ، ولایجری أصالة عدم الغفلة‏‎ ‎‏والسهو فی اجتهاده .‏

‏وما أفاد : «من أنّ اتّفاقهم لایکشف عن قوّة مدارکهم ؛ لکون الکلّ بمنزلة نظر‏‎ ‎‏واحد» غریب جدّاً .‏

‏ومثله ما أفاد : «من أنّه لو کشف عن قوّة مدارکهم لزم الخلف ؛ لفرض أقوائیة‏‎ ‎‏نظر الأفضل عن غیره فی مرحلة الاستنباط» ؛ فإنّ المسلّم إنّما هو أقوائیة نظر‏‎ ‎‏الأفضل عن المفضول فقط ، لا عن جلّ الفقهاء أو الأعلم الذی لایجوز تقلیده لمانع‏‎ ‎‏من الموانع .‏

ثمّ إنّه یمکن منع الکبری‏ ـ أعنی أنّه یجب الأخذ بالأقرب جزماً عند‏‎ ‎‏المعارضة ـ بأنّ ادّعاء تعیّن الرجوع إلی الأقرب یتوقّف علی إدراک العقل لزوم‏‎ ‎‏الأخذ به وتعیّنه ؛ إدراکاً جزمیاً قطعیاً لایحتمل خلافه ؛ بحیث لو ورد دلیل علی‏‎ ‎‏خلافه من الشرع لأَوّله أو طرحه .‏

‏وأنّی للعقل هذا الإدراک ؟ ! إذ للشارع ترخیص الرجوع إلی المفضول إذا‏‎ ‎‏رأی مفسدة فی تعیّن الرجوع إلی الأفضل ، أو رأی مصلحة فی توسعة الأمر علی‏‎ ‎‏المکلّفین ، کما هو الواقع فی جواز العمل بقول الثقة وترک الاحتیاط ، من دون أن‏‎ ‎‏یستلزم ذاک الترخیص والرجوع إلی المفضول موضوعیته ، کما ادّعاه المستدلّ .‏

‏نعم ، لو وقف العقل علی لزوم إحراز الواقعیات وإدراک عدم رضاء المولی‏‎ ‎‏بترکها لحکم بلزوم العمل بالاحتیاط وعدم جواز العمل بقول الفاضل والأفضل ، من‏‎ ‎‏غیر فرق بین لزوم العسر والحرج واختلال النظام وعدمه .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 644
والحاصل :‏ أنّه لا یتسنّی للعقل الحکم الباتّ بتعیّن الرجوع إلی الأقرب مع‏‎ ‎‏احتمال ورود تعبّد من الشارع بالترخیص فی الرجوع إلی الفاضل والمفضول ، ومع‏‎ ‎‏هذا الاحتمال ـ ولو کان ضعیفاً ـ لا مساغ لادّعاء القطع بتعیّن الأخذ به . وتوهّم‏‎ ‎‏عدم وجود ذاک الاحتمال لایخلو عن مکابرة .‏

ثمّ إنّ بعض الأعیان المحقّقین‏ قد صحّح الکبری فی تعلیقته ، ونحن ننقل‏‎ ‎‏ملخّص کلامه ، فقال : إن اُرید : أنّ القرب إلی الواقع لادخل له أصلاً فهو خلاف‏‎ ‎‏الطریقیة الملحوظة فیها الأقربیة إلی الواقع .‏

‏وإن اُرید : أنّ القرب إلی الواقع بعض الملاک ، وأنّ هناک خصوصیة اُخری‏‎ ‎‏تعبّدیة فهو غیر ضائر بالمقصود ؛ لأنّ فتوی الأفضل وإن کانت مساویة لفتوی غیره‏‎ ‎‏فی تلک الخصوصیة التعبّدیة ، إلاّ أنّها أقوی من غیرها ؛ من حیثیة القرب الذی هو‏‎ ‎‏بعض الملاک ، فإنّ الأرجح لایجب أن یکون أقوی من غیره من جمیع الجهات . هذا‏‎ ‎‏إذا کانت الخصوصیة التعبّدیة ممّا یتقوّم به الملاک ، وکانت جزء المقتضی .‏

‏وأمّا إن کانت شرطاً لتأثیر القرب إلی الواقع فی جعل الأمارة حجّة فالأمر‏‎ ‎‏أوضح ؛ إذ العبرة فی القوّة والضعف بحال المقتضی دون الشرط .‏

‏ومنه یظهر : فساد القیاس بمثل البصر والکتابة إذا اعتبرا فی القاضی ؛ فإنّه‏‎ ‎‏لایترجّح الأقوی بصراً أو الأجود خطّاً علی غیره ، فکذا هنا .‏

‏وجه الفساد : أنّ المعرفة فی الإفتاء هو الملاک والمقتضی للحجّیة ، فیؤثّر‏‎ ‎‏قوّته فی رجحانه وتقدیمه ، بخلاف البصر والکتابة ؛ فإنّها شرائط ، والمقتضی لتعیّنه‏‎ ‎‏علمه بموازین القضاء .‏

‏مضافاً إلی أنّ المراد بالأعلم : إن کان أقوی معرفة ؛ بحیث لاتزول بتشکیک‏‎ ‎‏المشکّک لقوّة مبنی عرفانه فالأمر کما فی البصر والکتابة ؛ فإنّ المطلوب أصل‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 645
‏وجودهما لا قوّتهما ، فکذا المعرفة . ولا أثر لقوّة المعرفة .‏

‏وأمّا إن کان المراد بالأعلم من کان أحسن استنباطاً من غیره فحینئذٍ لا‏‎ ‎‏مجال للقیاس ؛ فإنّ الأعلم بهذا المعنی أکثر إحاطةً بالجهات الموجبة للاستنباط‏‎ ‎‏المغفولة عن غیره ؛ لقصور نظره . فمرجع التسویة بین الأعلم وغیره إلی التسویة بین‏‎ ‎‏العالم والجاهل ؛ لقصور نظر غیره عمّا وصل إلیه الأفضل .‏

‏وهذا وجه آخر لتعیّن الأعلم ؛ وإن لم نقل بأقربیة فتواه إلی الواقع ، ولم نقل‏‎ ‎‏بأنّ الملاک ـ کلّاً أو بعضاً ـ هو القرب إلی الواقع ؛ فإنّ فتوی الأعلم أوفق بمقتضیات‏‎ ‎‏الحجج الشرعیة والعقلیة ؛ لبلوغ نظره إلی ما لم یبلغ نظر غیره ؛ لفرض الأعلمیة .‏‎ ‎‏فیکون بإضافة إلی غیره کالعالم بالإضافة إلی الجاهل ، فیتعیّن فی مقام إبراء الذمّة ،‏‎ ‎‏وأنّ التسویة بینهما کالتسویة بین العالم والجاهل‏‎[7]‎‏ ، انتهی کلامه .‏

وفی کلامه مواقع للنظر ،‏ نشیر بوجه الإجمال إلی مهمّاتها :‏

منها :‏ أنّ الخصوصیة التعبّدیة المحتملة لایلزم أن تکون جزء المقتضی ولا‏‎ ‎‏شرطه حتّی یرد ما ذکره ، بل یحتمل أن یکون مانعاً عن تعیّن الرجوع إلی الأفضل ؛‏‎ ‎‏إمّا لفسادٍ فی تعیّنه أو لتوسیع الأمر علی المکلّفین ، کما فی العمل بقول الثقة وعدم‏‎ ‎‏لزوم العمل بالاحتیاط ، من دون استلزام ذلک کون العمل به من باب الموضوعیة لا‏‎ ‎‏الطریقیة .‏

ومنها :‏ أنّ تفسیر الأعلم بالأحسن استنباطاً وکونه أقوی نظراً عن غیره تعبیر‏‎ ‎‏آخر عن أقربیة رأیه ونظره إلی الواقع . فما أفاد من أنّ هذا وجه آخر لتعیّن الأعلم‏‎ ‎‏ـ وإن لم نقل بأقربیة فتواه إلی الواقع ـ لایخلو من تدافع .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 646
ومنها :‏ أنّ ما ذکره من أنّ التسویة بین الفاضل والأفضل یرجع إلی التسویة‏‎ ‎‏بین العالم والجاهل یستلزم قبح الرجوع إلی المفضول عقلاً ، بل امتناعه . ولا أظنّ‏‎ ‎‏أحداً یلتزم به ، وقد تقدّم أنّ جواز الرجوع إلیه لیس لأجل التسویة بینها ، بل‏‎ ‎‏لمصالح اُخر لتوسیع الأمر علی المکلّفین ، أو لوجود الفساد فی تعیّنه علی ما تقدّم .‏

ثمّ إنّ هاهنا وجوهاً اُخر‏ استدلّوا بها علی لزوم تقلید الأعلم ؛ من کون المقام‏‎ ‎‏من قبیل دوران الأمر بین التخییر والتعیین ، أو بناء العقلاء علی الرجوع إلی الأعلم‏‎ ‎‏عند الاختلاف ، وقد مرّت الإشارة إلیها‏‎[8]‎‏ ، فافهم .‏

فتلخّص من هذا البحث :‏ أنّه لم یقم دلیل علی لزوم تقدیم رأی الأعلم إلاّ‏‎ ‎‏الأصل المشار إلیه فی صدر البحث .‏

‏مع إمکان منعه أیضاً فی الأمثلة المتقدّمة ؛ أی فیما إذا کان رأی غیره موافقاً‏‎ ‎‏لرأی الأعلم من الأموات والأحیاء إذا کانوا فاقدین لبعض شرائط أخذ الفتوی‏‎ ‎‏منهم ، وفیما إذا کان رأی غیر الأعلم موافقاً لرأی عامّة الفقهاء من الماضین‏‎ ‎‏والحاضرین ، وکان الأعلم وحیداً فی رأیه ؛ فإنّ المقام یصیر من قبیل دوران الأمر‏‎ ‎‏بین التعیینین ، لاالتعیین والتخییر ، والأصل فیه التخییر .‏

‏اللهمّ إلاّ أن یقال : إنّ تعیّن غیر الأعلم فی هذه الأمثلة غیر محتمل حتّی یدور‏‎ ‎‏الأمر بین ما ذکر ؛ لتسالم الأصحاب علی خلافه ، فیدور الأمر ـ حینئذٍ ـ بین التعیین‏‎ ‎‏والتخییر فی عامّة الموارد ، والحکم فیه هو الأخذ بالقدر المتیقّن ؛ وهو الأعلم .‏

‏هذا إذا علم المخالفة تفصیلاً أو إجمالاً . وأمّا إذا کانت محتملة فلا یبعد‏‎ ‎‏التخییر وعلیه السیرة ، ویمکن استفادة ذلک ممّا تقدّم من الروایات ، فلاحظ .‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 647

  • )) الاجتهاد والتقلید ، الشیخ الأنصاری ، ضمن مجموعة رسائل : 71 ، مطارح الأنظار : 298 / السطر23 .
  • )) الاجتهاد والتقلید ، الشیخ الأنصاری ، ضمن مجموعة رسائل : 71 ، مطارح الأنظار : 303 / السطر20 ، درر الفوائد ، المحقّق الحائری : 711 ـ 713 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 635 .
  • )) فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشیخ الأعظم 27 : 61 .
  • )) راجع الذریعة إلی اُصول الشریعة 2 : 801 ، مطارح الأنظار : 276 / السطر28 .
  • )) نهایة الدرایة 6 : 412 ـ 413 .
  • )) نهایة الدرایة 6 : 413 ـ 414 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 625 ـ 626 .