المقصد السابع فی الاُصول العملیة

هل ترجیح قول الأعلم عند العقلاء لزومی أم لا‏؟

هل ترجیح قول الأعلم عند العقلاء لزومی أم لا ؟

‏ ‏

‏ثمّ إنّک قد عرفت : أنّ ما هو الأقرب من هذه الوجوه ما اخترناه من أنّ‏‎ ‎‏المناط هو إلغاء احتمال الخلاف ، وعلیه فهذا المناط موجود فی رأی الأعلم وغیره ؛‏‎ ‎‏ضرورة أنّ العقلاء یعملون بقول المفضول عند عدم قول الفاضل ، وهذا یدلّ علی‏‎ ‎‏کونه واجداً لملاکه ؛ کان الفاضل موجوداً أولا ، اتّفق رأیهما أو اختلفا ، وإلاّ لزم أن‏‎ ‎‏یکون عملهم فی حال عدم وجود الأعلم فاقداً للمناط ، وهو باطل بالضرورة ، أو‏‎ ‎‏لزم أن یختصّ وجود المناط فی قول المفضول بصورة خاصّة ؛ وهو عدم وجود‏‎ ‎‏رأی الأعلم المخالف له ، وهو کما تری .‏

‏وتقدیم رأی الأفضل علی غیره عند التعارض لایدلّ علی عدم کونه واجداً‏‎ ‎‏للملاک ، بل هو من باب تقدیم إحدی الحجّتین علی غیرها ، مع کونها أمارة عقلائیة‏‎ ‎‏حجّة فی حدّ نفسه ؛ لأجل موهومیة الخطأ فیه ، کما هو الملاک فی حجّیة قول الأعلم .‏

ثمّ‏ إنّه ینبغی البحث عن بناء العقلاء فی تقدیم رأی الأعلم لدی العلم‏‎ ‎‏بالمخالفة إجمالاً أو تفصیلاً ، هل هو علی نحو اللزوم ، أو من باب حسن‏‎ ‎‏الاحتیاط ؟‏

‏لایبعد الثانی ؛ لکون الرأیین واجدین للملاک وشرائط الحجّیة والأماریة .‏

‏واحتمال أقربیة قول الأعلم لیس علی وجه یلزمهم علی التقدیم ؛ ولذا تراهم‏‎ ‎‏یراجعون المفضول من أهل الفنّ مع وجود الفاضل فی البلد ؛ معتذرین عن ذلک‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 625
‏بأعذار لایعدّ عذراً عند العقل والعقلاء ؛ من بُعد طریقه وسوء خلقه ونحو ذلک ، مع‏‎ ‎‏علمهم بمخالفة أهل الفنّ فی تشخیصاتهم إجمالاً .‏

‏وهذا یدلّ علی أنّ ترجیح الأفضل لیس علی حدّ اللزوم ، وترجیح رأیه‏‎ ‎‏أحیاناً لایدلّ علی لزومه . کما أنّه لو قدر واحد علی تحصیل إجماعهم فی موضوع‏‎ ‎‏لفعل ، لا لطرد قول المفضول والفاضل ، بل لترجیح الاحتیاط المنجی علی کلّ‏‎ ‎‏حال ، وعلیه فمقتضی القاعدة هو الاحتیاط لدی التعارض والعلم بمخالفتهما تفصیلاً‏‎ ‎‏أو إجمالاً ، وإن لم یمکن فالتخییر ؛ لکونهما واجدین لما هو الملاک ؛ وإن کان‏‎ ‎‏ترجیح قول الأفضل حسناً .‏

ولکن التحقیق خلافه ؛‏ فإنّ الاعتماد علی قول المفضول مع معارضته لقول‏‎ ‎‏الأفضل فی باب العمل بالتکالیف الصادرة من الموالی إلی العبید مشکل جدّاً ؛ فإنّه‏‎ ‎‏ربّما یسامح الرجل فی أغراضه الشخصیة ، ولا یصحّ ذلک فی أغراض المولی‏‎ ‎‏وموارد الاحتجاج .‏

أضف إلی ذلک :‏ أنّه لم یحرز عمل العقلاء بقول المفضول مع وجود الفاضل‏‎ ‎‏فیما إذا علم مخالفتهما تفصیلاً ، بل إجمالاً إذا کان علی نحو التنجیز ، کما إذا کان‏‎ ‎‏الأطراف محصورة ؛ بأن یعلم مخالفة رأی المفضول لرأی غیره فی إحدی المسائل‏‎ ‎‏المعیّنة .‏

‏وما ذکرنا ـ من أنّ العقلاء یترکون مراجعة الأفضل ویراجعون إلی غیره ؛‏‎ ‎‏معتذرین فی هذا بأعذار غیر وجیهة ـ إنّما هو إذا لم یعلم مخالفتهما تفصیلاً أو‏‎ ‎‏إجمالاً علی الوجه المنجّز .‏

‏مضافاً إلی کون المقام من دوران الأمر بین التعیین والتخییر ، والأصل فیه‏‎ ‎‏التعیین . مضافاً إلی أنّ الأصحاب أرسلوه إرسال المسلّمات ؛ فتعیُّن قول الأعلم‏‎ ‎‏لایخلو عن قوّة . ‏هذا بناء العقلاء .

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 626