المقصد السابع فی الاُصول العملیة

شبهة عدم وجود هذا البناء فی زمن الأئمّة علیهم‏ السلام

شبهة عدم وجود هذا البناء فی زمن الأئمّة علیهم السلام

‏ ‏

‏وربّما یورد علیه : بأنّ الاُمور العقلائیة إنّما یسمن ویغنی إذا کان بمرأی‏‎ ‎‏ومنظر من النبی أو الأئمّة من بعده حتّی یستکشف من سکوته رضاه ، ومن عدم‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 610
‏ردعه کونه مرضیاً عنده . وأمّا الاُمور العقلائیة المستحدثة التی لم یکن فی‏‎ ‎‏زمنهم ‏‏علیهم السلام‏‏ منها عین ولا أثر فلا یدلّ عدم ردعه علی رضائه .‏

‏وما نحن فیه من هذا القبیل ؛ فإنّ الأمر الدارج فی أزمنتهم إنّما هو الرجوع‏‎ ‎‏إلی نظراء عبدالله بن عبّاس ومعاذ ومحمّد بن مسلم وزرارة وابن أبی یعفور وأبان‏‎ ‎‏و . . . الذین أخذوا الأحکام عن مستقی الوحی وأئمّة الدین ، وعاشروهم مدّة‏‎ ‎‏طویلة ؛ حتّی صاروا بطانة علومهم ومخازن معارفهم ومعادن أسرارهم .‏

‏فنقلوا ما سمعوها بأسماعهم وأبصروها بأعینهم إلی الأجیال القادمة ، من‏‎ ‎‏دون اجتهاد ولا إعمال نظر ، فأرجعوا شیعتهم إلی تلک العلماء الذین هذه سیرتهم ،‏‎ ‎‏وتلک کیفیة أخذهم الأحکام عن أئمّتهم .‏

‏فکان رجوع الجاهل إلی العلماء فی ذلک الزمان من رجوع الجاهل إلی العالم‏‎ ‎‏بالعلم الوجدانی الحاصل لهم من مشافهة الأئمّة ، من دون اجتهاد ولا إعمال نظر ،‏‎ ‎‏وأمّا رجوع الجاهل فی أعصارنا فإنّما هو إلی العلماء الذین عرفوا الأحکام من‏‎ ‎‏طرق الأمارات والظنون الاجتهادیة فلیس هذا من ذاک .‏

وإن شئت قلت :‏ إنّ الفقه فی هذه الأعصار أخذ لنفسه صورة فنّیة وجاء علی‏‎ ‎‏طراز سائر العلوم العقلیة الفکریة ، بعد ما کان فی أعصارهم من العلوم الساذجة‏‎ ‎‏المبنیة علی سماع الأحکام من الأئمّة وبثّها بین الناس ، من دون أن یجتهد فی‏‎ ‎‏تشخیص حکم الله أو یرجّح دلیلاً علی الآخر ، أو یقیّد ویخصّص واحداً بالآخر ،‏‎ ‎‏إلی غیر ذلک من الاُصول الدارجة فی زماننا .‏

‏فلم یکن الرجوع إلی مثل علمائنا فی أعصارهم مرسوماً حتّی یستکشف من‏‎ ‎‏عدم ردعه رضاه ، وإنّما حدث ذلک بعد ممرّ الزمان ومضی الدهور .‏

‏ولم یرد دلیل علی مضیّ کلّ المرتکزات إلاّ ما خرج بالدلیل حتّی نأخذ به ،‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 611
‏ولیس لبناء العقلاء فی ذلک الباب إطلاق أو عموم حتّی نتمسّک به ، بل لابدّ أن‏‎ ‎‏یتّصل کلّ فرد من هذه الاُمور العقلائیة إلی زمانهم ‏‏علیهم السلام‏‏ ، ولم یکن الرجوع إلی مثل‏‎ ‎‏تلک العلماء والاجتهادات والترجیحات موجوداً فی أعصارهم حتّی نستدلّ بعدم‏‎ ‎‏ردعهم علی إمضائهم .‏

‏ورجوع الجاهل فی أیّامنا إلی العلماء وإن کان ارتکازیاً لهم إلاّ أنّه لایفید‏‎ ‎‏کونه ارتکازیاً ما لم یتّصل بزمانهم .‏

ومن ذلک یظهر :‏ أنّه لایجوز الاستدلال علی جواز التقلید فی هذه الأعصار‏‎ ‎‏بالروایات التی أرجع الإمام فیها شیعته إلی نُظراء من سبق منّا ذکرهم .‏

بتقریب :‏ أنّ الجامع بینهم إنّما هو علمهم بالأحکام ؛ للفرق الواضح بینهم ؛‏‎ ‎‏فإنّهم کانوا یعرفون الصحیح من الزائف ، والصادق عن الکاذب ، والصادر لأجل‏‎ ‎‏الحکم الواقعی عن الصادر تقیّة ؛ لأجل الممارسة والمعاشرة طیلة سنین ، وأمّا فقهاء‏‎ ‎‏الأعصار فهم عاملون بما هو الوظیفة الفعلیة ؛ سواء کانت مطابقة للواقع أو خالفه ،‏‎ ‎‏إلی غیر ذلک من الفروق .‏

قلت :‏ إنّ ذلک أشبه شیء بالشبهة ، ویمکن الجواب عنه بوجهین :‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 612