المقصد السابع فی الاُصول العملیة

تمهید‏: فی بناء العقلاء علی أصل التقلید

تمهید : فی بناء العقلاء علی أصل التقلید

‏ ‏

‏واستدلّ القوم علی جواز التقلید بوجوه ؛ أتقنها وأهمّها ـ بل یمکن أن یقال :‏‎ ‎‏إنّـه الدلیل الوحیـد ـ هـو بناء العقلاء علی رجـوع الجاهـل إلی العالم ، بل قد عـدّ‏‎ ‎‏ذلک من القضایا الفطریة الارتکازیـة‏‎[1]‎‏ ، وأنّ الإنسان بفطرته وارتکازه واقف علی‏‎ ‎‏لـزوم الاستعلام مـن العالم ، مـن غیر فرق بین أن یرجع ذلک إلی معاشه وحیاتـه‏‎ ‎‏المادّی وغیره . فالجاهل باُمور الصنائع یرجع إلی الصنّاع ، والمریض المسدود علیه‏‎ ‎‏باب معالجة مرضه یرجع إلی الأطبّاء ، وهکذا .‏

‏وهذا البناء من العقلاء أو الفطرة الإنسانیة بمثابةٍ لایرتدع عنه الإنسان إلاّ‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 609
‏بقول صریح ونصّ مبین ، ینادی بأعلی صوته : یا معشر العقلاء یحرم علیکم‏‎ ‎‏الرجوع إلی الصنّاع والفلاّح والأطبّاء فیما تجهلونه إذا لم یفد قولهم العلم .‏

‏ولایکفی فی ذلک العمومات التی أوضحنا حالها عند البحث عن حجّیة‏‎ ‎‏الظنّ ؛ من حرمة العمل بالظنّ وغیرها‏‎[2]‎‏ ، لا لأنّه لایری العمل بأقوالهم عملاً بالظنّ ،‏‎ ‎‏بل عملاً بالعلم ـ کما قیل‏‎[3]‎‏ ـ وإن کان له وجه أیضاً ، بل لأنّ هذه الاُمور المرتکزة‏‎ ‎‏التی فطر علیها الإنسان فی حیاته بمثابة من الرسوخ والاستحکام لاینقدح فی‏‎ ‎‏أذهانهم أنّ الغرض من تلک العمومات ردعها وقلعها من رأس ، ولا ینتقل منها إلیه‏‎ ‎‏ما لم ینصّ علیه بصریح القول .‏

‏وأوضح شاهد علیه : أنّ المخاطبین فی عصر نزول هذه الآیات لم یتنبّه أحد‏‎ ‎‏ولم ینتقل واحد منهم إلی أنّ الهدف منها ردع تلک المرتکزات ، وأنّه لایجوز بعد‏‎ ‎‏نزولها العمل بقول الثقة ، أو لایجوز ترتیب أثر الملکیة علی الید ، وغیرها من‏‎ ‎‏الأمارات الظنّیة ، بل بقوا علی ما کانوا علیه .‏

وعلیه :‏ رجوع الجاهل فی أحکامه العرفیة أو الشرعیة فرع من فروع ذلک‏‎ ‎‏البناء ، وصرح قائم علیه .‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 610

  • )) کفایة الاُصول : 539 .
  • )) تقدّم فی الجزء الثانی : 429 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 3 : 161 و 195 .