المقصد السابع فی الاُصول العملیة

حول ما بقی من الروایات

حول ما بقی من الروایات

‏ ‏

‏ودونک بعض ما یمکن الاستدلال به :‏

1 ـ‏ صحیحة القدّاح : ‏«إنّ العلماء ورثة الأنبیاء ، إنّ الأنبیاء لم یورّثوا دیناراً‎ ‎ولا درهماً ، ولکن ورّثوا العلم ؛ فمن أخذ منه أخذ بحظّ وافر»‎[1]‎‏ .‏

2 ـ‏ ما رواه الکلینی بسند ضعیف عن البختری قال : ‏«إنّ العلماء ورثة‎ ‎الأنبیاء ، وذلک أنّ الأنبیاء لم یورثوا درهماً ولا دیناراً ، وإنّما أورثوا أحادیث من‎ ‎أحادیثهم ، فمن أخذ بشیء منها فقد أخذ حظّاً وافراً»‎[2]‎‏ .‏

‏تقریب الـدلالـة : أنّ مقتضی حذف المتعلّق فی قولـه : ‏«العلماء ورثـة‎ ‎الأنبیاء» ‏کونهم وارثین عنهم فی عامّـة شـؤونهم ـ ومنها الحکومـة والقضاء ـ إلاّ‏‎ ‎‏مـا دلّ الـدلیل علی کونه مـن خصائصهم ‏‏علیهم السلام‏‏ ، فلا یصحّ هـذا الإخبار علی‏‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 587
‏النحـو المفید للعموم إلاّ إذا جعل لهم الولایة والقضاء قبل هذا الإخبار .‏

لایقال :‏ إنّ تذییل الروایتین بقوله : ‏«ولکن ورّثوا العلم»‏ ، وقوله : ‏«إنّما‎ ‎أورثوا أحادیث من أحادیثهم»‏ قرینة علی أنّ المراد من التوارث هو التوارث فی‏‎ ‎‏العلم والحدیث لا فی کلّ الاُمور ، فلا ینعقد الإطلاق للصدر مع الاحتفاف بما یصلح‏‎ ‎‏للقرینیة .‏

لأنّا نقول :‏ إنّما یصلح ذاک لصرف الإطلاق لو کان الحصر حقیقیاً لا إضافیاً ،‏‎ ‎‏ولیس کذلک ؛ فإنّ الحصر فی الجملتین إضافی فی مقابل الدرهم والدینار ، کما هو‏‎ ‎‏لائح منهما عند الإمعان . علی أنّه لایصحّ الحمل علی الحصر الحقیقی ؛ لأنّهم ‏‏علیهم السلام‏‎ ‎‏لم یورّثوا العلم والحدیث فقط ، بل أورثوا اُموراً غیرهما ؛ من الزهد والتقوی ، کما‏‎ ‎‏أورثوا الولایة والقضاء .‏

‏والأولی فی دفعه أن یقال : إنّ قوله ‏«العلماء ورثة الأنبیاء»‏ جملة خبریة‏‎ ‎‏بحتة ، ویصحّ صدقه إذا کان العلماء ورثة لهم فی العلم والحدیث . نعم لو کان بصدد‏‎ ‎‏الإنشاء والجعل أمکن دعوی إطلاقه ، وأنّ حذف متعلّقه مفید لعمومیته ، علی‏‎ ‎‏إشکال فیه أیضاً ، کما لایخفی‏‎[3]‎‏ .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 588
‏هذا ، وقد ادّعی النراقی تواتر مضمونهما‏‎[4]‎‏ ، ونحن لم نقف علی غیر ما ذکرنا .‏

3 ـ‏ مشهورة أبی خدیجة‏‎[5]‎‏ قال : بعثنی أبو عبدالله  ‏‏علیه السلام‏‏ إلی أصحابنا ، فقال :‏‎ ‎«قل لهم : إیّاکم إذا وقعت بینکم خصومة أو تداری فی شیء من الأخذ والعطاء‎ ‎أن تحاکموا إلی أحد من هؤلاء الفسّاق . اجعلوا بینکم رجلاً قد عرف حلالنا‎ ‎وحرامنا ؛ فإنّی قد جعلته علیکم قاضیاً ، وإیّاکم أن یخاصم بعضکم بعضاً إلی‎ ‎السلطان الجائر»‎[6]‎‏ .‏

‏تقریبه علی حـذو ما عرفته فی المقبولة ؛ وإن کانت المقبولـة أوضح دلالـةً .‏

‏ولا یبعد دلالة المشهورة أیضاً علی جعل منصبی القضاء والحکومة للفقیه‏‎ ‎‏العارف بالحلال والحـرام : أمّا منصب القضاء فواضح ، وأمّـا منصب الحکومـة‏‎ ‎‏فلإطلاق صـدرها ؛ أعنی وقوع الخصومـة فی شـیء ، مـن الأخـذ والعطاء ؛ سواء‏‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 589
‏کانت راجعة إلی الولاة أو القضاة .‏

‏ویؤکّد ما ذکرنا : ما فی ذیلها من قوله ‏«وإیّاکم أن یخاصم بعضکم بعضاً إلی‎ ‎السلطان الجائر»‏ ؛ فإنّ ما کان یتصدّاه السلطان فی تلک الأعصار غیر ما کان یتصدّاه‏‎ ‎‏القضاة منهم ، بل کان لکلٍّ شأن .‏

4 ـ‏ صحیحة أبی خدیجة قال : قال أبو عبدالله جعفر بن محمّد الصادق ‏‏علیه السلام‏‏ :‏‎ ‎«إیّاکم أن یحاکم بعضکم بعضاً إلی أهل الجور ، ولکن انظروا إلی رجل منکم یعلم‎ ‎شیئاً من قضایانا ، فاجعلوه بینکم ؛ فإنّی قد جعلته قاضیاً ، فتحاکموا إلیه»‎[7]‎‏ .‏

‏وهو یدلّ علی ثبوت منصب الولایة للفقیه کالقضاوة ؛ فإنّ المراد من أهل‏‎ ‎‏الجور هم الولاة والحکّام ، وأمّا القاضی فهو حاکم بالجور ، کما لایخفی‏‎[8]‎‏ .‏

وهذه‏ عمدة ما یمکن أن یستدلّ به علی ثبوت المنصبین للفقیه فی زمن‏‎ ‎‏الغیبة . مضافاً إلی الضرورة والإجماع علی ثبوت القضاء للفقیه فیها ، وقد عرفت منّا‏‎ ‎‏دلالة الأدلّة علی ثبوت الحکومة والولایة له فیها فی الجملة . وأمّا حدودها وقیودها‏‎ ‎‏ومقدار ولایته ونفوذ أمره فموکول إلی محلّه‏‎[9]‎‏ .‏

ثمّ إنّه ربّما یستدلّ‏ ببعض الـروایات القاصرة سنداً ودلالـةً ، لا بأس‏‎ ‎‏بالإشارة إلی بعضها .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 590
منها :‏ التوقیع الرفیع : ‏«وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فیها إلی رواة‎ ‎أحادیثنا ؛ فإنّهم حجّتی علیکم وأنا حجّة الله علیهم»‎[10]‎‏ .‏

وفیه :‏ أنّه قاصر السند .‏

ومنها :‏ روایة «تحف العقول» : ‏«مجاری الاُمور والأحکام علی أیدی العلماء‎ ‎بالله ، الاُمناء علی حلاله وحرامه»‎[11]‎‏ .‏

وفیه :‏ أنّ التدبّر فی الروایة ـ صدرها وذیلها ـ یقضی بورودها فی حقّ‏‎ ‎‏الأئمّة . مضافاً إلی ضعف السند .‏

ومنها :‏ ما رواه فی «الفقه الرضوی» من تنزیل الفقهاء منزلة أنبیاء بنی‏‎ ‎‏إسرائیل‏‎[12]‎‏ .‏

وفیه :‏ أنّه ضعیف السند .‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 591

  • )) الکافی 1 : 34 / 1 .
  • )) الکافی 1 : 32 / 2 ، وسائل الشیعة 27 : 78 ، کتاب القضاء ، أبواب صفات القاضی ، الباب 8 ، الحدیث 2 .
  • )) أضف إلی ذلک : أنّ قوله : «العلماء ورثة الأنبیاء» لایخلو إمّا أن یکون إنشاءً أو إخباراً :     فعلی الأوّل : فهی إنّما یتمّ فی الاُمور القابلة للجعل ، کمناصب الولایة والقضاء ، لا فی مثل العلم والحدیث والتحلّی بالفضائل التی هی من أوضح ما أورثوه . ولا یحصل إلاّ بالاکتساب وبذل الجُهد ، لا بالإنشاء اللفظی .     فعلی الثانی : فهو یکشف عن سبق الجعل لمثل الولایة والقضاء ، فلابدّ من الاتّباع للمکشوف ولحاظه سعةً وضیقاً ، وحیث لاطریق إلی لحاظه فلابدّ من الاکتفاء بالقدر المتیقّن ، وهو لا یفید إلاّ طفیفاً . [المؤلّف]
  • )) مستند الشیعة 17 : 20 ـ 21 .
  • )) إنّما سمّیت مشهورة لاشتهار العمل بها علی ما قیل ؛ وإن کانت ضعیفة السند ، ودونک سندها :     روی الشیخ بإسناد صحیح عن محمّد بن علی بن محبوب عن أحمد بن محمّد بن عیسی عن الحسین بن سعید عن أبی الجهم عن أبی خدیجة .     ورجال الروایة کلّهم ثقات ، غیر أنّ المظنون إرسال الروایة ؛ إذ یبعد أن یروی الحسین بن سعید الذی أدرک عصر الرضا علیه السلام والجوادین علیهماالسلام عن أبی الجهم الذی هو بکیر بن أعین ، وقد مات فی حیاة الصادق علیه السلام بلا واسطة ، کما هو غیر خفی علی من لاحظ طبقات الرواة . [منه دام ظلّه]
  • )) تهذیب الأحکام 6 : 303 / 846 ، وسائل الشیعة 27 : 139 ، کتاب القضاء ، أبواب صفات القاضی ، الباب 11 ، الحدیث 6 .
  • )) الکافی 7 : 412 / 4 ، الفقیه 3 : 2 / 1 ، تهذیب الأحکام 6 : 219 / 516 ، وسائل الشیعة 27 : 13 ، کتاب القضاء ، أبواب صفات القاضی ، الباب 1 ، الحدیث 5 .
  • )) غیر أنّ ما ذکره ـ دام ظلّه ـ تدقیق علمی خارج عن مستوی الأفهام العرفیة ؛ فإنّ العرف یعدّ الجمیع من الدرّة إلی الذرّة أهل الجور والظلم . [المؤلّف]
  • )) البیع ، الإمام الخمینی قدس سره 2 : 627 .
  • )) کمال الدین : 484 / 4 ، الغیبة ، الطوسی : 291 / 247 ، الاحتجاج 2 : 543 / 344 ، وسائل الشیعة 27 : 140 ، کتاب القضاء ، أبواب صفات القاضی ، الباب 11 ، الحدیث 9 .
  • )) تحف العقول : 238 ، مستدرک الوسائل 17 : 317 ، کتاب القضاء ، أبواب صفات القاضی ، الباب 11 ، الحدیث 16 .
  • )) الفقه المنسوب للإمام الرضا علیه السلام : 338 .