عدم دلالة المقبولة علی اشتراط الاجتهاد المطلق فی المنصب
ربّما یقال : باشتراط الاجتهاد المطلق فی المنصب ؛ مستدلّاً بأنّ الجمع المضاف ـ أعنی أحکامنا ـ یفید العموم ، وکذا المصدر المضاف . وعلیه : فلا یشغل منصّة القضاء والولایة إلاّ من یکون مجتهداً مطلقاً عارفاً بجمیع الأحکام .
ولکنّه ضعیف من وجوه :
الأوّل : أنّ الجمل المزبورة وإن کانت صالحة لإفادة العموم فی حدّ نفسه ، إلاّ أنّ ورودها فی مقام المنع عن الرجوع إلی حکّام الجور وقضاة الطاغوت یمنع عن استفادة العموم .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 585
فهی لیست بصدد بیان شرطیة عرفان جمیع الأحکام أو بعضها ، بل الغرض بعث الشیعة إلی من عرف أحکامهم وحلالهم وحرامهم ، وردعهم عن المنحرفین عن بابهم علیهم السلام المفتین بآرائهم وأقیستهم واجتهاداتهم . فورود الجملة فی هذا المقام یمنع عن الاعتماد علی هذا العموم .
علی أنّ قوله : «عرف أحکامنا» صادق عرفاً علی من وقف علی مقدار یعتدّ به من أحکامهم فی رفع الخصومات ، ولا یحتاج صدقه إلی وقوفه علی کافّة ما یحتاج إلیه الاُمّة فی شرائع دینهم .
وقد مرّ أنّ المراد من قوله : «روی حدیثنا» لیس هو روایة الحدیث إلی الغیر ؛ ضرورة عدم دخالة هذا القید ، بل هو کنایة عن العلم بفتاوی الأئمّة وأحکامهم ؛ لأنّ الإفتاء فی الأجیال الماضیة کانت بصورة نقل متن الروایة التی سمعها عن إمامه أو شیخه الذی أخذها من الإمام .
الثانی : أنّ المعرفة الفعلیة لتمام الأحکام لایحصل لغیر النبی والإمام عادة ، فالحمل علیها یوجب لغویة هذا الجعل ، وحملها علی قوّة استنباط جمیع الأحکام لیس أولی من حملها علی المعرفة الفعلیة لما یلیه من الشؤون ، أو معرفته بمقدار معتدّ به ؛ بحیث یصدق فی حقّه أنّه عارف بأحکامهم .
الثالث : لو سلّم إمکان معرفة عامّة الأحکام فعلاً فلا طریق للمترافعین إلی عرفان هذا الشخص ، فلا معنی لجعل المنصب علی من لاطریق إلی معرفته ، فلابدّ أن یحمل علی معرفة الفعلیة علی الوجه المعتدّ به فی اُمور القضاء والحکومة ؛ بحیث یصدق فی حقّه الجمل المتعاطفة : «روی حدیثنا . . .» إلی آخره . وعلی ذلک یحمل ما فی صحیحة أبی خدیجة ، کما سیوافیک بیانه .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 586
فتلخّص : أنّه لا دلیل علی اعتبار الاجتهاد المطلق فی الوالی والقاضی ؛ سواء فسّر بالملکة والاقتدار علی استنباط الجمیع ، أو المعرفة الفعلیة ، لو لم نقل إنّ الدلیل علی خلافه . نعم لا مناص من علمه بأحکام الحوادث والوقائع والمرافعات التی یتصدّی لها کلّ یوم وشهر .
هذا تمام الکلام حول الروایة المتلقّاة بالقبول ، وبما أنّها بصدد التحدید والبیان فلابدّ من الأخذ بالقیود التی اعتبرها ، إلاّ ما دلّ العقل والعرف علی عدم دخالته ، کما أنّه لامحیص من تقیید المطلقات بها .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 587