المقصد السابع فی الاُصول العملیة

تقریب دلالة المقبولة بوجوه اُخر

تقریب دلالة المقبولة بوجوه اُخر

‏ ‏

‏ویمکن تقریب دلالتها بوجوه اُخر :‏

منها :‏ قوله ‏‏علیه السلام‏‏ ‏«نظر فی حلالنا وحرامنا»‏ ؛ فإنّ إضافة الحلال والحرام‏‎ ‎‏والأحکام إلی أنفسهم ، مع أنّه لیس لهم حلال ولاحرام ولا أحکام ـ إذ المشرّع هو‏‎ ‎‏الله سبحانه ، والنبی والأئمّة من بعده محالّ أحکامه وحملتها ـ للإشعار علی أنّ‏‎ ‎‏المنصوب لابدّ أن ینظر إلی الفتاوی الصادرة والأخبار المرویة عنهم ‏‏علیهم السلام‏‏ ولیس‏‎ ‎‏هذا إلاّ شأن الفقیه لا العامّی ؛ إذ هو غیر ناظر إلاّ إلی فتوی الفقیه ، ومن یجب أن‏‎ ‎‏یرجع إلیه فی حلال الشرع وحرامه‏‎[1]‎‏ .‏

ومنها :‏ التعبیر بـ «نظر» بعد ما قال «روی» ؛ فإنّـه دالّ علی أنّ متعلّقـه‏‎ ‎‏یحتاج إلی التدقیق والتفکیر ، الـذی هـو الاستنباط فی المقام واستفراغ الوسع فی‏‎ ‎‏تمییز الحـقّ عـن الباطـل .‏

ومنها :‏ التعبیر بـ «عرف» دون علم ؛ فإنّ عرفان الشیء غیر العلم به ؛ فإنّ‏‎ ‎‏الأوّل یستعمل فیما إذا اشتبه الشیء بین اُمور یشابهها من جهة أو جهات ، فإذا عرفه‏‎ ‎‏بخصوصیاته ومیّزه عمّا یشابهها یقال «عرف ذلک» .‏

‏فالمقصود من هذا التعبیر هو أنّ المنصوب للحکومة والقضاء لابدّ أن یعرف‏‎ ‎‏الحکم الواقعی عن غیره ، ویمیّز الحکم الصادر لأجل التقیة أو غیرها عن الصادر‏‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 583
‏لبیان الحکم النفس الأمری ؛ ولو بمعونة ما جعله الإمام مقیاساً لمعرفته ؛ من‏‎ ‎‏الرجوع إلی الکتاب والسنّة وفتاوی العامّة . وعرفان الأحکام بهذا المعنی لایقوم به‏‎ ‎‏إلاّ الفقیه لا العامّی ، ولا یتحمّلها من لم یبلغ مرتبة الاجتهاد .‏

ومنها :‏ قوله «وکلاهما اختلفا فی حدیثکم» ؛ فإنّ الظاهر هو الاختلاف فی‏‎ ‎‏مفاد الحدیث ومعناه لافی نقله ؛ بأن یروی کلّ واحد غیرما ینقله الآخر . فلو سلّم‏‎ ‎‏فالاختلاف الناشئ من هذه الناحیة ربّما یکون من أجل تسلیم إحدی الروایتین وردّ‏‎ ‎‏الاُخری ؛ لخلل فی سنده أوجهة صدوره ، ولیس هذا إلاّ شأن الفقیه لا العامّی .‏

ومنها :‏ قوله ‏‏علیه السلام‏‏ فی مقام ترجیح أحد الحکمین علی الآخر : ‏«الحکم ما‎ ‎حکم به أعدلهما وأفقههما»‏ ، وقوله فیما بعد : «أرأیت إن کان الفقیهان عرفا حکمه‏‎ ‎‏من الکتاب والسنّة . . .» إلی آخره ، فإنّ ظاهره مفروغیة کون القاضی والحاکم فقیهاً ،‏‎ ‎‏ولا شکّ فی عدم صدق الفقاهة أو الأفقهیة علی العامّی .‏

ثمّ‏ إنّه کما یستفاد من الروایة جعل منصب القضاء للفقیه ، کذلک یستفاد جعل‏‎ ‎‏منصب الحکومة والولایة له أیضاً ؛ إذ أیّ جملة یکون أصرح من قوله ‏‏علیه السلام‏‏ : ‏«فإنّی‎ ‎قد جعلته علیکم حاکماً»‏ ، والحکومة لغة وعرفاً أعمّ من القضاء المصطلح ، بل‏‎ ‎‏القضاء من شؤون الحاکم .‏

‏ودعوی الانصراف إلی الحکم بمعنی القضاء وفصل الخصومة عند رفع الرافع‏‎ ‎‏غیر مسموعة ؛ إذ لا وجه للانصراف .‏

‏فالفقیه کما هو منصوب من ناحیتهم للقضاء وفصل الخصومات منصوب‏‎ ‎‏للولایة والحکومة فیما یحتاج إلیه المسلمون فی حیاتهم ومعاشهم ، ویرتبط‏‎ ‎‏بإصلاح حالهم وتنظیم سیاساتهم الدینیة . وکون الکبری الکلّیة وارداً فی مورد‏‎ ‎‏القضاء لایصیر مخصّصاً کما لایخفی .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 584
‏أضف إلی ذلک : أنّ قول الراوی فی صدر الروایة : «فتحاکما إلی السلطان أو‏‎ ‎‏القضاة . . .» إلی آخره یدلّ علی أعمّیة الموارد ؛ فإنّ للسلطان شأناً وللقضاة شأناً‏‎ ‎‏آخر غالباً ؛ فإنّ وظیفة الولاة حفظ نظام البلاد من تطرّق الفساد بإعمال السیاسات‏‎ ‎‏الدینیة ، وشأن القضاة رفع التداعی والقضاء بالحقّ القراح ، فهو ‏‏علیه السلام‏‏ نصب الفقیه‏‎ ‎‏بمقتضی عمومیة الصدر للحکومة والقضاوة ، وأعطی له ما کان للسلطان والقضاة .‏

‏وکون الراوی بصدد السؤال عن مسألة قضائیة بعده لایوجب اختصاص‏‎ ‎‏الصدر بها ، کما لا یخفی‏‎[2]‎‏ .‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 585

  • )) یمکن أن یکون الإضافة إلی المتکلّم لأجل إخراج المخالف ، الناظر إلی الفتاوی الصادرة عن الخلفاء والصحابة والفقهاء من بعدهم ، لا لإخراج العامّی الشیعی الناظر إلی فتاوی مقلَّده ، فتدبّر . [المؤلّف]
  • )) لایخفی : أنّ السائل کان بصدد السؤال عن القضاء من أوّل الأمر قبل هذا الصدر المفید للعموم ، وذلک قوله : «سألت أبا عبدالله علیه السلام عن رجلین من أصحابنا یکون بینهما منازعة فی دین أو میراث . . .» إلی آخره فإنّ النزاع فیهما نزاع فی مسألة قضائیة لا حکومیة ، فقوله : «فتحاکما إلی السلطان . . .» إلی آخره یفید : أنّ الرجوع إلیه لأجل القضاء ، فلا یدلّ علی ثبوت شأن السلطان للفقیه ، کما لایخفی . [المؤلّف]