المقصد السابع فی الاُصول العملیة

الاستدلال بالضرورة وحکم العقل

الاستدلال بالضرورة وحکم العقل

‏ ‏

‏فنقول : قبل الخوض فی مفاد الروایات الواردة فی المقام لابدّ من التنبیه علی‏‎ ‎‏أمر ، وهو : أنّا نعلم بالضرورة أنّ دین الإسلام أکمل الأدیان وأتمّها وآخرها‏‎ ‎‏وخاتمها ، وأنّ رسول الله جاء بعامّة ما یحتاج إلیه البشر فی معاشه ومعاده إلی یوم‏‎ ‎‏القیامة ، وقد صرّح هو بنفسه فی خطبة حجّة الوداع‏‎[1]‎‏ وتظافر الروایات منه ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‎ ‎‏علی أنّه ما من أمر خطیر أو دقیق إلاّ وقد بیّنه وأوضحه ؛ حتّی أرش الخدش‏‎[2]‎‏ .‏

‏وممّا یحتاج إلیه الاُمّة ـ بل هو من مهامّ اُمورهم وأعظمها ـ وجود السائس‏‎ ‎‏والحاکم والقاضی والفاصل فی مختلف اُمورهم ؛ إذ لا حیاة إلاّ بهما ، ولا قرار ولا‏‎ ‎‏استقلال إلاّ باستقرارهما فی المجتمع الإسلامی .‏

‏فلو لم یعیّن ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ تکلیف الاُمّة بعد حیاته أو فی زمن غیبة أوصیائه لعاد‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 578
‏ذلک نقصاً فی شریعته المقدّسة ، وصار ناقضاً لما خطب به فی حجّة وداعه : ‏«معاشر‎ ‎الناس ما یقرّبکم إلی الجنّة ویبعّدکم . . .»‏ إلی آخره .‏

‏فلأجل هذا وذاک تحکم الضرورة بأنّه ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ أوضح أمر الحکومة والقضاء‏‎ ‎‏وعیّن حدودهما ، وبیّن من یشغلهما بعد حیاته وفی زمن غیبة أوصیائه ، ولم یترک‏‎ ‎‏الاُمّة سدی ؛ خصوصاً مع إخباره عن تطاول الغیبة ، وانقطاع ید الاُمّة عن أولیائه‏‎[3]‎‏ ،‏‎ ‎‏مع تحریم أوصیائه الرجوع إلی قضاة الجور وقضاة الطاغوت ، وأنّ المأخوذ‏‎ ‎‏بحکمهم سُحت ؛ وإن کان الحقّ ثابتاً‏‎[4]‎‏ .‏

‏فهو ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ ـ تکمیلاً لنبوّته ، وتتمیماً لشریعته ـ عیّن تکلیف الاُمّة فی زمن‏‎ ‎‏الغیبة ، وأمر أوصیائه أن یوضّحوا لهم الطریق فی هذا الباب ؛ حتّی یندفع النقیصة‏‎ ‎‏ویتمّ الشریعة .‏

‏وما یقال : إنّ وجوده لطف وغیبته منّا ، فلا یجب تعیین السائس علینا ؛‏‎ ‎‏لتقصیرنا فی غیبته ، لایخلو عن خفاء ؛ فإنّ وجوده وإن کان لطفاً إلاّ أنّ غیبته‏‎ ‎‏لمصالح ربّنا أعرف بها ، لا لتقصیر منّا ؛ فإنّ الشیعة فی الحواضر والبوادی یناجون‏‎ ‎‏ربّهم ویدعونه إلی أن یعجّل فی إظهار ولیّه ، فهم غیر مقصّرون فی ذلک حتّی تکون‏‎ ‎‏الغیبة من ناحیتهم .‏

‏فإذا وقفت علی قضاء العقل علی أنّه قد حوّلت اُمور السیاسة والحکومة‏‎ ‎‏والقضاء وفصل الخصومة إلی أفراد من هذه الاُمّة : فالقدر المتیقّن منها هو الفقیه‏‎ ‎‏العادل العارف بشؤون القضاء ، وفنون السیاسة الدینیة الإسلامیة .‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 579

  • )) الکافی 2 : 74 / 2 ، وسائل الشیعة 17 : 45 ، کتاب التجارة ، أبواب مقدّماتها ، الباب 12 ، الحدیث 2 .
  • )) راجع وسائل الشیعة 29 : 356 ، کتاب الدیات ، أبواب دیات الأعضاء ، الباب 48 ، الحدیث 1 .
  • )) راجع کمال الدین : 257 / 2 ، بحار الأنوار 51 : 108 / 42 و 52 : 143 / 60 و 61 .
  • )) الکافی 1 : 67 / 10 ، وسائل الشیعة 27 : 136 ، کتاب القضاء ، أبواب صفات القاضی ، الباب 11 ، الحدیث 1 .