الاستدلال بالضرورة وحکم العقل
فنقول : قبل الخوض فی مفاد الروایات الواردة فی المقام لابدّ من التنبیه علی أمر ، وهو : أنّا نعلم بالضرورة أنّ دین الإسلام أکمل الأدیان وأتمّها وآخرها وخاتمها ، وأنّ رسول الله جاء بعامّة ما یحتاج إلیه البشر فی معاشه ومعاده إلی یوم القیامة ، وقد صرّح هو بنفسه فی خطبة حجّة الوداع وتظافر الروایات منه صلی الله علیه و آله وسلم علی أنّه ما من أمر خطیر أو دقیق إلاّ وقد بیّنه وأوضحه ؛ حتّی أرش الخدش .
وممّا یحتاج إلیه الاُمّة ـ بل هو من مهامّ اُمورهم وأعظمها ـ وجود السائس والحاکم والقاضی والفاصل فی مختلف اُمورهم ؛ إذ لا حیاة إلاّ بهما ، ولا قرار ولا استقلال إلاّ باستقرارهما فی المجتمع الإسلامی .
فلو لم یعیّن صلی الله علیه و آله وسلم تکلیف الاُمّة بعد حیاته أو فی زمن غیبة أوصیائه لعاد
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 578
ذلک نقصاً فی شریعته المقدّسة ، وصار ناقضاً لما خطب به فی حجّة وداعه : «معاشر الناس ما یقرّبکم إلی الجنّة ویبعّدکم . . .» إلی آخره .
فلأجل هذا وذاک تحکم الضرورة بأنّه صلی الله علیه و آله وسلم أوضح أمر الحکومة والقضاء وعیّن حدودهما ، وبیّن من یشغلهما بعد حیاته وفی زمن غیبة أوصیائه ، ولم یترک الاُمّة سدی ؛ خصوصاً مع إخباره عن تطاول الغیبة ، وانقطاع ید الاُمّة عن أولیائه ، مع تحریم أوصیائه الرجوع إلی قضاة الجور وقضاة الطاغوت ، وأنّ المأخوذ بحکمهم سُحت ؛ وإن کان الحقّ ثابتاً .
فهو صلی الله علیه و آله وسلم ـ تکمیلاً لنبوّته ، وتتمیماً لشریعته ـ عیّن تکلیف الاُمّة فی زمن الغیبة ، وأمر أوصیائه أن یوضّحوا لهم الطریق فی هذا الباب ؛ حتّی یندفع النقیصة ویتمّ الشریعة .
وما یقال : إنّ وجوده لطف وغیبته منّا ، فلا یجب تعیین السائس علینا ؛ لتقصیرنا فی غیبته ، لایخلو عن خفاء ؛ فإنّ وجوده وإن کان لطفاً إلاّ أنّ غیبته لمصالح ربّنا أعرف بها ، لا لتقصیر منّا ؛ فإنّ الشیعة فی الحواضر والبوادی یناجون ربّهم ویدعونه إلی أن یعجّل فی إظهار ولیّه ، فهم غیر مقصّرون فی ذلک حتّی تکون الغیبة من ناحیتهم .
فإذا وقفت علی قضاء العقل علی أنّه قد حوّلت اُمور السیاسة والحکومة والقضاء وفصل الخصومة إلی أفراد من هذه الاُمّة : فالقدر المتیقّن منها هو الفقیه العادل العارف بشؤون القضاء ، وفنون السیاسة الدینیة الإسلامیة .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 579