التنبیه الثالث فی تحمّل الضرر والإکراه علی الإضرار
إنّ الممنوع إنّما هو الإضرار علی الناس تسبیباً أو مباشرة ، وأمّا رفع الضرر أو دفعه عنهم فالحدیث أجنبی عنهما ، وهو من الوضوح بمثابة .
وعلیه : فلو توجّه السیل إلی دار الغیر فلا یجب علیه دفعه ، ولا توجیهه إلی داره لرفع الضرر عن جاره . کما أنّه لو توجّه إلی داره یجوز له دفعه عن داره ؛ وإن
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 549
استلزم جریانه بنفسه إلی دار الغیر ، نعم لیس له توجیهه إلی دار الغیر لدفع الضرر عن نفسه ؛ لکونه هو الإضرار .
وبالجملة : ما هو الحرام إنّما هو الإضرار علی أنحائه ـ تسبیباً أو مباشرة ـ وأمّا حدیث الرفع والدفع عن الغیر فهو خارج عن مفاده .
بقی الکلام فی الإکراه علی الضرر : فالظاهر حکومة حدیث الرفع علی دلیل نفی الضرر بأیّ معنیً فسّر ؛ سواء کان نهیاً شرعیاً أو نهیاً سلطانیاً ؛ فإنّ حدیث «رفع ما استکرهوا» حاکم علی الروایة أو علی دلیل وجوب اتّباع الرسول واُولی الأمر ؛ أعنی قوله تعالی : «یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَطِیعُوا الله َ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَأُولِی الأَمْرِ مِنْکُمْ» وغیره .
أو یقال بانصراف قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «لاضرر ولا ضرار» عن هاتیک الموارد ممّا لایستند الضرر حقیقة إلی المباشر ، بل إلی أمر المتوعّد ، کالتولیة من الجائر علی وجه الإکراه ؛ فإنّ الضارّ فی نظر العرف إنّما هو المکرِه لا المکره ، بالفتح .
نعم ، القول بحکومة حدیث الرفع علی أدلّة الأحکام علی إطلاقها غیر صحیح ، وقد نبّهنا علیه فی الرسالة التی عملناها فی التقیة ، ولا یمکن الجمود علی إطلاق الحدیث والعمل به ؛ وإن تحقّق الإکراه ، کما إذا أوعده وأکرهه علی هدم الکعبة وإحراق القرآن وإبطاله ؛ بحیث یقع الناس معه فی الضلالة ، أو أمره علی المعاصی الموبقة المهلکة .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 550
ولا أظنّ التزامهم بحکومة الحدیث علی ما دلّ علی حرمة تلک الأفعال ؛ وإن أوعده المکرِه بما لو اُوعد به فی طلاق امرأته أو عتق عبده لتحقّق الإکراه ، وصار الطلاق والعتق باطلین ، کما لو أوعده بالشتم والضرب ونهب مال یسیر ؛ فإنّ الإیعاد بها یدخل الطلاق والعِتاق لأجله تحت حدیث الرفع ، ویحکم الطلاق وعدیله بالبطلان . إلاّ أنّ ذلک الإیعاد لایمکن أن یکون ملاکاً للإتیان بالمحارم الموبقة والعزائم المذکورة ، بل لایجوز فی بعض الصور وإن أوعده بالقتل ؛ وإن ورد «إنّ التقیة فی کلّ شیء إلاّ الدماء» .
وبذلک یتّضح : أنّه لو أمره الوالی بهدم بیوت الناس وضربهم وسبی نسائهم ونهب أموالهم ، وأوعده بما یتحقّق معه أوّل مرتبة من الإکراه ؛ من الشتم ونحوه لایجوز له ذلک ، وأنّ إطلاق قوله : «کلّ ما اضطرّ إلیه ابن آدم فقد أحلّه الله » منصرف عنه .
وعلی ذلک : فالأولی التفصیل بین الوضع والتکلیف ، وأنّ حدیث الرفع حاکم علی الأحکام الوضعیة فی عامّة مراتب الإکراه ، وأمّا التکلیفیة فالحقّ التفصیل بین مهمّاتها وغیرها .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 551