المقصد السابع فی الاُصول العملیة

التنبیه الثالث فی تحمّل الضرر والإکراه علی الإضرار

التنبیه الثالث فی تحمّل الضرر والإکراه علی الإضرار

‏ ‏

‏إنّ الممنوع إنّما هو الإضرار علی الناس تسبیباً أو مباشرة ، وأمّا رفع الضرر‏‎ ‎‏أو دفعه عنهم فالحدیث أجنبی عنهما ، وهو من الوضوح بمثابة .‏

وعلیه :‏ فلو توجّه السیل إلی دار الغیر فلا یجب علیه دفعه ، ولا توجیهه إلی‏‎ ‎‏داره لرفع الضرر عن جاره . کما أنّه لو توجّه إلی داره یجوز له دفعه عن داره ؛ وإن‏‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 549
‏استلزم جریانه بنفسه إلی دار الغیر ، نعم لیس له توجیهه إلی دار الغیر لدفع الضرر‏‎ ‎‏عن نفسه ؛ لکونه هو الإضرار .‏

وبالجملة :‏ ما هو الحرام إنّما هو الإضرار علی أنحائه ـ تسبیباً أو مباشرة ـ‏‎ ‎‏وأمّا حدیث الرفع والدفع عن الغیر فهو خارج عن مفاده .‏

بقی الکلام فی الإکراه علی الضرر :‏ فالظاهر حکومة حدیث الرفع علی دلیل‏‎ ‎‏نفی الضرر بأیّ معنیً فسّر ؛ سواء کان نهیاً شرعیاً أو نهیاً سلطانیاً ؛ فإنّ حدیث‏‎ ‎«رفع ما استکرهوا»‎[1]‎‏ حاکم علی الروایة أو علی دلیل وجوب اتّباع الرسول واُولی‏‎ ‎‏الأمر ؛ أعنی قوله تعالی : ‏‏«‏یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَطِیعُوا الله َ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَأُولِی‎ ‎الأَمْرِ مِنْکُمْ‏»‏‎[2]‎‏ وغیره .‏

‏أو یقال بانصراف قوله ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ : ‏«لاضرر ولا ضرار»‏ عن هاتیک الموارد ممّا‏‎ ‎‏لایستند الضرر حقیقة إلی المباشر ، بل إلی أمر المتوعّد ، کالتولیة من الجائر علی‏‎ ‎‏وجه الإکراه ؛ فإنّ الضارّ فی نظر العرف إنّما هو المکرِه لا المکره ، بالفتح .‏

نعم ،‏ القول بحکومة حدیث الرفع علی أدلّة الأحکام علی إطلاقها غیر‏‎ ‎‏صحیح ، وقد نبّهنا علیه فی الرسالة التی عملناها فی التقیة‏‎[3]‎‏ ، ولا یمکن الجمود‏‎ ‎‏علی إطلاق الحدیث والعمل به ؛ وإن تحقّق الإکراه ، کما إذا أوعده وأکرهه علی هدم‏‎ ‎‏الکعبة وإحراق القرآن وإبطاله ؛ بحیث یقع الناس معه فی الضلالة ، أو أمره علی‏‎ ‎‏المعاصی الموبقة المهلکة .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 550
‏ولا أظنّ التزامهم بحکومة الحدیث علی ما دلّ علی حرمة تلک الأفعال ؛ وإن‏‎ ‎‏أوعده المکرِه بما لو اُوعد به فی طلاق امرأته أو عتق عبده لتحقّق الإکراه ، وصار‏‎ ‎‏الطلاق والعتق باطلین ، کما لو أوعده بالشتم والضرب ونهب مال یسیر ؛ فإنّ الإیعاد‏‎ ‎‏بها یدخل الطلاق والعِتاق لأجله تحت حدیث الرفع ، ویحکم الطلاق وعدیله‏‎ ‎‏بالبطلان . إلاّ أنّ ذلک الإیعاد لایمکن أن یکون ملاکاً للإتیان بالمحارم الموبقة‏‎ ‎‏والعزائم المذکورة ، بل لایجوز فی بعض الصور وإن أوعده بالقتل ؛ وإن ورد «إنّ‏‎ ‎‏التقیة فی کلّ شیء إلاّ الدماء»‏‎[4]‎‏ .‏

وبذلک یتّضح :‏ أنّه لو أمره الوالی بهدم بیوت الناس وضربهم وسبی نسائهم‏‎ ‎‏ونهب أموالهم ، وأوعده بما یتحقّق معه أوّل مرتبة من الإکراه ؛ من الشتم ونحوه‏‎ ‎‏لایجوز له ذلک ، وأنّ إطلاق قوله : ‏«کلّ ما اضطرّ إلیه ابن آدم فقد أحلّه الله »‎[5]‎‏ ‏‎ ‎‏منصرف عنه .‏

وعلی ذلک :‏ فالأولی التفصیل بین الوضع والتکلیف ، وأنّ حدیث الرفع حاکم‏‎ ‎‏علی الأحکام الوضعیة فی عامّة مراتب الإکراه ، وأمّا التکلیفیة فالحقّ التفصیل بین‏‎ ‎‏مهمّاتها وغیرها .‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 551

  • )) الخصال : 417 / 9 ، التوحید ، الصدوق : 353 / 24 ، وسائل الشیعة 15 : 369 ، کتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 56 ، الحدیث 1 .
  • )) النساء (4) : 59 .
  • )) الرسائل العشرة ، التقیة ، الإمام الخمینی قدس سره : 12 .
  • )) الکافی 2 : 220 / 16 ، وسائل الشیعة 16 : 234 ، کتاب الأمر والنهی ، أبواب الأمر والنهی ، الباب 21 ، الحدیث 1 .
  • )) الکافی 2 : 220 / 18 ، وسائل الشیعة 16 : 214 ، کتاب الأمر والنهی ، أبواب الأمر والنهی ، الباب 25 ، الحدیث 2 .