حول ما أفاده شیخ الشریعة الأصفهانی

‏‏حول ما أفاده شیخ الشریعة الأصفهانی‏

‏‏ ‏

‏‏قال ‏‏قدس سره‏‏ : هذه هی الوجوه المحتملة فی کلمات القوم . والحقّ المتعیّن للأخذ :‏‎ ‎‏هو أنّ النفی بمعنی النهی عن الضرر ، وله أشباه ونظائر فی الکتاب والسنّة ، وإلیک‏‎ ‎‏منها ما یلی : قوله تعالی : ‏‏«‏‏فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِی الْحَجِّ‏‏»‏‎[1]‎‏ .‏

‏‏وقوله عزّ وجلّ : ‏‏«‏‏فَإِنَّ لَکَ فِی الْحَیاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ‏‏»‏‎[2]‎‏ ؛ أی لا تقربنی‏‎ ‎‏ولا تمسّنی .‏

‏‏وقوله ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ : ‏‏«لا جَلَب ولا جَنَب ولا شِغار فی الإسلام»‏‎[3]‎‏ .‏

‏‏وقوله ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ : ‏‏«لا جلب ولا جنب ولا اعتراض»‏‎[4]‎‏ .‏

‏‏وقوله ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ : ‏‏«لا إخصاء فی الإسلام ولا بنیان کنیسة»‏‎[5]‎‏ .‏

‏‏وقوله ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ : ‏‏«لا حمی فی الإسلام ولا مُناجشة»‏‎[6]‎‏ .‏

‏
‏‎

‏‏وقوله ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ : ‏‏«لا حمی إلاّ ما حمی الله ورسوله»‏‎[8]‎‏ .‏

‏‏وقوله ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ : ‏‏«لا سبق إلاّ فی خُفّ أو حافر أو نصل»‏‎[9]‎‏ .‏

‏‏وقوله ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ : ‏‏«لا صُمات یوم إلی اللیل»‏‎[10]‎‏ .‏

‏‏وقوله ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ : ‏‏«لا صرورة فی الإسلام»‏‎[11]‎‏ .‏

‏‏وقوله ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ : ‏‏«لا طاعة لمخلوق فی معصیة الخالق»‏‎[12]‎‏ .‏

‏‏وقوله ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ : ‏‏«لا هجر بین المسلمین فوق ثلاثة أیّام»‏‎[13]‎‏ .‏

‏‏وقوله ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ : ‏‏«لا غشّ بین المسلمین»‏‎[14]‎‏ .‏

‏‏هذا کلّه فی الکتاب والسنّة ، ولو ذهبنا لنستقصی ما وقع من نظائرها فی‏‎ ‎‏الروایات واستعمالات الفصحاء ـ نظماً ونثراً ـ لطال المقال وأدّی إلی کلال .‏

‏
‏‎

‏‏إلی أن قال : إنّ الأذهان الفارغة لاتسبق إلاّ إلی هذا الوجه . ثمّ أیّد مقاله بأنّ‏‎ ‎‏قوله : ‏‏«إنّک رجل مضارّ»‏‏ و ‏‏«لاضرر ولاضرار علی مؤمن»‏‏ بمنزلة صغری وکبری ،‏‎ ‎‏فعلی المختار یصیر معناه : أنّک رجل مضارّ ، والمضارّة حرام ، وهو المناسب لتلک‏‎ ‎‏الصغری . لکن لو اُرید غیره ممّا یقولون صار معناه : أنّک رجل مضارّ ، والحکم‏‎ ‎‏الموجب للضرر منفی أو الحکم المجعول منفی فی صورة الضرر . ولا أظنّ بالأذهان‏‎ ‎‏المستقیمة ارتضاءه .‏

‏‏إلی أن قال : وهو موافق لکلمات أئمّة اللغة ومَهَرة أهل اللسان وقد نقل ‏‏قدس سره‏‎ ‎‏کثیراً من عبائرهم التی قدّمنا ذکرها عند البحث عن مفردات الحدیث‏‎[17]‎‏ .‏

‏‏ثمّ قال : ولیعلم أنّ المدّعی أنّ حدیث الضرر یراد به إفادة النهی عنه ؛ سواء‏‎ ‎‏کان هذا باستعمال الترکیب فی النهی ابتداءً أو أنّه استعمل فی معناه الحقیقی ـ وهو‏‎ ‎‏النفی ـ ولکن لینتقل منه إلی إرادة النهی .‏

‏‏إلی أن قال : فالمدّعی : أنّ الحـدیث یراد بـه إفادة النهی لانفی الحکم‏‎ ‎‏الضرری ولا نفی الحکم المجعول للموضوعات عنه . ولا یتفاوت فی هذا المدّعی‏‎ ‎‏أنّ استعمال النفی فی النهی بأیّ وجه ، وربّما کانت دعوی الاستعمال فـی معنی‏‎ ‎‏النفی ـ مقدّمـةً للانتقال إلی طلب الترک ـ أدخـل فـی إثبات المدّعـی ؛ حیث‏
‏‎

‏‏وما ذکرناه نزر من کثیر من کلامه ، وهو ‏‏قدس سره‏‏ بالغ فی إثبات مرامه ، وحاصل ما‏‎ ‎‏أفاد : أنّ النفی إمّا مستعمل فی النهی ابتداءً ، وإمّا باقٍ علی حاله . لکن التعبیر‏‎ ‎‏بالجملة الخبریة فی مقام الإنشاء طلباً لإفهام شدّة التنفّر والانزجار عنه ؛ حتّی یقف‏‎ ‎‏المخاطب إلی الزجر الأکید ، وأنّ المولی لایرضی بأیّ وجه بوقوعه وصدوره .‏

‏‏کما أنّ المولی إذا أراد أن یطّلع المخاطب علی مطلوبیة أمر ومحبوبیته ربّما‏‎ ‎‏أتی بالجملة الخبریة مخبراً عن وجوده ؛ حتّی ینتقل المخاطب إلی البعث الشدید‏‎ ‎‏والإرادة المؤکّدة ؛ بحیث نزّله منزلة الموجود .‏

‏‏والإنصاف :‏‏ أنّ ما ذکره أظهر ممّا احتمله القوم ؛ بحیث لودار الأمر بین‏‎ ‎‏المحتملات المزبورة فالترجیح معه ، ولکن ما ذکره لا یتعیّن إلاّ بإبطال ما ذکروه من‏‎ ‎‏المحتملات علی حذو ما أبطلناه .‏

‏‏ومجـرّد کثرة الاستعمال لایوجب التعیّن مع کونـه مجـازاً ؛ سواء اُریـد منه‏‎ ‎‏النهی أو اُرید منه النفی ؛ کنایـة عـن النهی علی النحو الـذی عرفت ؛ فإنّـه أیضاً‏‎ ‎‏مجـاز . فإنّ المعنی الحقیقی قـد صار عبرة إلی معنی آخـر ؛ وهـو إنشاء النهی عـن‏‎ ‎‏الإضـرار . ولو صحّ مـا ذکـره لما صحّ إلاّ مـن هـذا الطریق ، وهـو أیضاً مجـاز‏‎ ‎‏کمالایخفی .‏

‏‏والحاصل :‏‏ أنّ شیوعه لیس موجباً لظهوره فیه ابتداءً أو مع تعذّر الحقیقة مع‏‎ ‎‏انفتاح باب المحتملات التی أفادها الأعلام ، إلاّ أن تدفع بما أوضحناه .‏

‏
‏‎

‏‏وإلیک ما یلی من الروایات والکلمات ممّا ورد علی حذو هذا الترکیب ،‏‎ ‎‏وقد اُرید منه النفی بلا إشکال ، ونحن نذکر قلیلاً من کثیر ممّا ربّما یطّلع علیه المتتبّع‏‎ ‎‏فی طیات الأبواب والکتب ، وإلیک بیانها :‏

‏‏«لا طلاق إلاّ علی طهر»‏‎[19]‎‏ ‏‏، «لا طلاق إلاّ بخمس : شهادة شاهدین . . .»‏‎[20]‎‏ ،‏‎ ‎‏«لا طلاق فیما لا تملک ، ولا عتق فیما لا تملک ، ولا بیع فیما لاتملک»‏‎[21]‎‏ ‏‏،‏‎ ‎‏«لا‏‏ ‏‏طلاق السکران الذی لایعقل»‏‎[22]‎‏ ‏‏، «لا ظهار إلاّ فی طهر»‏‎[23]‎‏ ‏‏، «لا طلاق إلاّ ما‏‎ ‎‏اُرید به الطلاق ولا ظهار إلاّ ما اُرید به الظهار»‏‎[24]‎‏ ‏‏، «لا إیلاء حتّی یدخل بها»‏‎[25]‎‏ ‏‏،‏‎ ‎
‏‎

‏‏وبذلک یظهر :‏‏ أنّ استعمال النفی فی النهی لیس علی حدّ یوجب انصرافه‏‎ ‎‏إلیه ، وعدم ظهوره فی غیره . نعم لو دار الأمر بینه وبین ما ذکره القوم فما اختاره‏‎ ‎‏أرجح ، لخلوّه عن کثیر ممّا ذکرناه من الإشکال .‏

‏‏وقد حان البحث عمّا أشرنا إلیه فی مقدّمة البحث‏‎[42]‎‏ ؛ من المختار فی معنی‏‎ ‎‏هذه القاعدة ، ولم أعثر علیه فی کلام القوم ، وهو أقرب الاحتمالات بملاحظة اللفظ‏‎ ‎‏الوارد من طرق العامّة ، وما روی فی شأنها من طرق الخاصّة .‏

‏‏ ‏

‏‎ ‎

‏‎

• )) البقرة (2) : 197 .
• )) طـه (20) : 97 .
• )) الکافی 5 : 361 / 2 ، وسائل الشیعة 20 : 303 ، کتاب النکاح ، أبواب عقد النکاح وأولیاء العقد ، الباب 27 ، الحدیث 2 .
• )) المعجم الکبیر ، الطبرانی 17 : 17 ، سنن الدارقطنی 3 : 75 / 284 ، کنز العمّال 6 : 335 / 15919 .
• )) السنن الکبری ، البیهقی 10 : 24 ، کنز العمّال 16 : 273 / 44417 .
• )) المعجم الکبیر ، الطبرانی 17 : 178 ، کنز العمّال 4 : 383 / 11025 .
• )) سنن أبی داود 2 : 191 / 3066 ، المعجم الکبیر ، الطبرانی 1 : 278 / 808 ، کنز العمّال 4 : 383 / 11026 .
• )) صحیح البخاری 3 : 238 / 595 ، کنز العمّال 3 : 901 / 9107 .
• )) کنز العمّال 4 : 345 / 10818 ، سنن أبی داود 2 : 34 / 2574 ، السنن الکبری ، البیهقی 10 : 16 .
• )) سنن أبی داود 2 : 128 / 2873 ، السنن الکبری ، البیهقی 6 : 57 .
• )) المسند ، الإمام أحمد بن محمّد بن حنبل 3 : 260 / 2845 ، سنن أبی داود 1 : 540 / 1729 ، السنن الکبری ، البیهقی 5 : 164 .
• )) الفقیه 4 : 273 / 828 ، وسائل الشیعة 16 : 154 ، کتاب الأمر والنهی ، أبواب الأمر والنهی ، الباب 11 ، الحدیث 7 .
• )) کنز العمّال 9 : 47 / 14870 ، موسوعة أطراف الحدیث النبوی الشریف 7 : 293 .
• )) سنن الدارمی 2 : 248 .
• )) یرید به المحقّق الخراسانی . [المؤلّف]
• )) کفایة الاُصول : 433 .
• )) تقدّم فی الصفحة 497 .
• )) قاعدة لا ضرر ، شیخ الشریعة الأصفهانی : 24 ـ 28 .
• )) الکافی 1 : 350 / 6 ، وسائل الشیعة 22 : 62 ، کتاب الطلاق ، أبواب مقدّماته وشرائطه ، الباب 29 ، الحدیث 5 .
• )) المناقب 4 : 383 ، مستدرک الوسائل 15 : 291 ، کتاب الطلاق ، أبواب مقدّماته وشرائطه ، الباب 11 ، الحدیث 5 .
• )) عوالی اللآلی 1 : 233 / 136 ، مستدرک الوسائل 15 : 293 ، کتاب الطلاق ، أبواب مقدّماته وشرائطه ، الباب 12 ، الحدیث 5 .
• )) دعائم الإسلام 2 : 268 / 1010 ، مستدرک الوسائل 15 : 307 ، کتاب الطلاق ، أبواب مقدّماته وشرائطه ، الباب 28 ، الحدیث 2 .
• )) دعائم الإسلام 2 : 276 / 1043 ، مستدرک الوسائل 15 : 390 ، کتاب الظهار ، الباب 2 ، الحدیث 4 .
• )) الکافی 6 : 153 / 2 ، وسائل الشیعة 22 : 308 ، کتاب الظهار ، الباب 3 ، الحدیث 1 .
• )) الکافی 6 : 134 / 4 ، وسائل الشیعة 22 : 345 ، کتاب الإیلاء والکفّارات ، أبواب الإیلاء ، الباب 6 ، الحدیث 3 .
• )) دعائم الإسلام 2 : 299 / 1125 ، مستدرک الوسائل 15 : 36 ، کتاب النکاح ، أبواب نکاح العبید والإماء ، الباب 43 ، الحدیث 2 .
• 2 ـ  )) الکافی 5 : 443 / 5 ، وسائل الشیعة 20 : 384 ، کتاب النکاح ، أبواب ما یحرم بالرضاع ، الباب 5 ، الحدیث 1 .
• )) الکافی 7 : 440 / 6 ، وسائل الشیعة 23 : 217 ، کتاب الأیمان ، الباب 10 ، الحدیث 2 .
• )) تهذیب الأحکام 8 : 288 / 1060 ، وسائل الشیعة 23 : 222 ، کتاب الأیمان ، الباب 11 ، الحدیث 13 .
• )) الجعفریات ، ضمن قرب الإسناد : 113 ، مستدرک الوسائل 16 : 42 ، کتاب الأیمان ، الباب 7 ، الحدیث 1 .
• )) الفقه المنسوب للإمام الرضا علیه السلام : 305 ، مستدرک الوسائل 16 : 45 ، کتاب الأیمان ، الباب 7 ، الحدیث 17 .
• )) دعائم الإسلام 2 : 521 / 1860 ، مستدرک الوسائل 16 : 66 ، کتاب الأیمان ، الباب 24 ، الحدیث 11 .
• )) تفسیر أبی الفتوح الرازی 1 : 718 ، مستدرک الوسائل 16 : 83 ، کتاب الأیمان ، أبواب النذر والعهد ، الباب 1 ، الحدیث 11 ، سنن ابن ماجة 1 : 686 / 2124 .
• )) السرائر 3 : 614 ، وسائل الشیعة 8 : 229 ، کتاب الصلاة ، أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ، الباب 16 ، الحدیث 8 .
• )) الکافی 3 : 360 / 9 ، وسائل الشیعة 8 : 241 ، کتاب الصلاة ، أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ، الباب 24 ، الحدیث 8 .
• )) الفقیه 3 : 227 / 1070 ، وسائل الشیعة 23 : 317 ، کتاب النذر والعهد ، الباب 17 ، الحدیث 2 .
• )) دعائم الإسلام 2 : 95 / 297 ، مستدرک الوسائل 16 : 51 ، کتاب الأیمان ، الباب 12 ، الحدیث 1 .
• )) تقدّم فی الصفحة 500 .