المقصد السابع فی الاُصول العملیة

الإشکالات غیر المشترکة

الإشکالات غیر المشترکة

‏ ‏

‏أمّا القولان الأوّلان ـ أعنی جعل المقام من قبیل المجاز فی الحذف أو فی‏‎ ‎‏الکلمة علی النهج المصطلح عندهم ، من دون ادّعاء ـ فقد عرفت ضعفهما فیما‏‎ ‎‏سبق ، وأنّ تنزیل کلام البُلغاء علی هذه المنزلة یوجب سلب أیّ مزیة منها ، وأنّ‏‎ ‎‏جمال المحاورة لیس فی حذف المضاف ، کما تخیّل فی قوله تعالی : ‏‏«‏وَسْئَلِ‎ ‎الْقَرْیَةَ‏»‏‎[1]‎‏ أو فی استعمال لفظ فی معنی آخر لعلاقة المجاورة فقط ، کما قیل فی‏‎ ‎‏«جری المیزاب» .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 514
‏بل جمال المحاورة وحسنها فی ادّعاء أنّ الأمر قد بلغ فی وضوحه حتّی‏‎ ‎‏وقف علیه القریة ، وأنّها کأهلها شاعرة بذلک وواقفة به ، وأنّ الماء لغزارته وکثرته‏‎ ‎‏صار إلی حدٍّ کأنّ المیزاب جاریاً بنفسه ، فیعطی للمحلّ حکم الحالّ ادّعاءً ، وقد‏‎ ‎‏أوضحنا فی الجزء الأوّل : أنّ المجازاة ـ مرسلها واستعارتها ـ کلّها حقائق‏‎ ‎‏ادّعائیة‏‎[2]‎‏ ، فلا نعید .‏

‏وأمّـا الحقیقـة الادّعائیـة التی أشار إلیها الأعـلام : فلا یصـحّ شـیء منها‏‎ ‎‏فـی المقام :‏

أمّا‏ ما أفاده المحقّق الخراسانی من نفی الآثار بلسان نفی موضوعها‏‎[3]‎‏ ففیها :‏‎ ‎‏أنّ الضرر لیس موضوعاً لهذه الأحکام حتّی تنفی بنفیه ؛ فإنّ ما هو الموضوع للزوم‏‎ ‎‏إنّما هو نفس العقد ، لا الضرر ولا العقد الضرری .‏

‏نعم ، لو کان لنفس الضرر أثر بارز غیر مرتّب علیه ، أو کان الضرر قلیل‏‎ ‎‏الوجود وعدیمه أمکن دعوی أنّه لاضرر ولاضرار ، وهو غیر ما هو بصدده .‏

‏وأمّا قیاس المقام بقوله : «یا أشباه الرجال ولا رجال» فغیر صحیح ؛ لأنّ‏‎ ‎‏القائل یدّعی أنّ تمام الحقیقة للرجال إنّما هو المروّة والشجاعة والمصارعة مع‏‎ ‎‏الأبطال فی معارک القتال ، فمن تقاعد عنها جبناً لا یصحّ أن یعدّ رجلاً ؛ لکونه‏‎ ‎‏فاقـداً لما هو الملاک . وأمّـا الأحکـام فلیس تمام الحقیقـة للضـرر حتّی تنفی‏‎ ‎‏بنفیـه ، فالقیاس مـع الفارق .‏

وأمّا‏ ما أفاده فی «تعلیقته علی الرسائل» واستنهض أنّه أظهر الاحتمالات ؛‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 515
‏من أنّ المراد : أنّ الشارع لم یشرّع جواز الإضرار بالغیر أو وجوب تحمّل الضرر‏‎ ‎‏عنه‏‎[4]‎‏ ، فإن کان الضمیر فی قوله : تحمّل الضرر عنه عائداً إلی الشارع أو إلی الغیر‏‎ ‎‏المقصود منه الشارع علی طریق الاستخدام فهو یرجع إلی مختار الشیخ الأعظم .‏

‏وإن کان المقصود منه المکلّفین ؛ بمعنی عدم وجوب تحمّل الضرر عن الناس‏‎ ‎‏وجواز الدفاع عنه وجواز تدارکه علی نحو التقاصّ فهو ضعیف غایته لایقصر عمّا‏‎ ‎‏احتمله بعض الفحول‏‎[5]‎‏ ، کما سیجیء الإشارة إلیه .‏

وأمّا الوجوه الاُخر‏ لتوضیح الحقیقة الادّعائیة‏‎[6]‎‏ فیرد علی الجمیع ـ مع‏‎ ‎‏الاعتراف باختلافها فی التقریر ـ أنّ نفی الحقیقة من رأس وادّعاء انتفائها فی‏‎ ‎‏الخارج مع وجودها فیه إنّما یصحّ إذا نزّل الموجود منزلة المعدوم ؛ إمّا لندرة‏‎ ‎‏وجودها ، وإمّا لقلعها لأجل قطع أسبابها وعللها حتّی یندر وجودها . وکلا الشقّین‏‎ ‎‏غیر صحیح ؛ لکثرة وجود الضرر فی الخارج وشیوعه . ومجرّد نهی الشارع عن‏‎ ‎‏الإضرار أو أمره بالتدارک لایوجب ولا یصحّح نفی الضرر .‏

‏وأمّا حدیث قلع أسباب الضرر تشریعاً فیبطله کثرة الأحکام الضرریة ، وکون‏‎ ‎‏اُصول أحکامه وأساس دینه أحکاماً ضرریة علی العباد فی عاجلهم فی نظر‏‎ ‎‏العقلاء . ومعه کیف یدّعی أنّه لاحکم ضرری فی الإسلام ، وأنّه قلع أسباب الضرر‏‎ ‎‏بعدم تشریع حکم ضرری ؟ فهل هذا إلاّ کادّعاء السلطان بأنّه لاسرقة فی حوزة‏‎ ‎‏سلطنتی وحمی قدرتی ، مع کون مقرّبی حضرته من السَرَقة .‏

‏وبذلک یمکن أن یقال : بأنّه أردأ الوجوه بعامّة تقریراته ، وأنّه لایقصر عمّا‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 516
‏أفاده بعض الفحول الذی قال بعض الأعلام بأنّه أردأ الوجوه‏‎[7]‎‏ .‏

‏وما تمسّک به الأعلام فی تصحیح الدعوی : من أنّه ناظر إلی الأحکام التی‏‎ ‎‏ینشأ من إطلاقها الضرر لا إلی ما طبعه علی الضرر‏‎[8]‎‏ ، کدعوی : أنّ الأحکام‏‎ ‎‏المذکورة لیست ضرریة‏‎[9]‎‏ ، غیر صحیح جدّاً ؛ إذ کما لا یصحّ نفی الضرر عن‏‎ ‎‏صحیفة التکوین مع شیوعه فیها ، فهکذا لا یصحّ أن ینفی مع کون اُصول فروعه‏‎ ‎‏أحکاماً ضرریة عند العقلاء ؛ من جهاده وزکاته وحجّه وخمسه وسلبه المالیة عن‏‎ ‎‏أشیاء هی أحبّ الأمتعة عند الناس .‏

وبالجملة :‏ أنّ الکلام فی مصحّح الادّعاء ، وقد عرفت أنّه لایصحّ نفی هویة‏‎ ‎‏الضرر تکویناً أو تشریعاً إلاّ بتنزیل الموجود منه منزلة المعدوم ؛ لندرته فی الخارج‏‎ ‎‏أو لإعدام علله التشریعیة . ولکن صحیفة التکوین مملوّة منه ، کما هو ظاهر .‏

‏والأمر بالتدارک أو النهی عن الإضرار لایصحّح دعوی نفی هویة الضرر عن‏‎ ‎‏الخارج . وصحیفة التشریع مشتملة علی أحکام تعدّ اُصولاً لفروع الدین ، وهی‏‎ ‎‏بعامّتها ضرریة عند العقلاء ، ومع هذا الشیوع فی التکوین والتشریع لایصحّ أن‏‎ ‎‏یدّعی ندرة وجوده ، ولا قلع أسبابه فی التشریع . وما عرفت من حدیث الانصراف‏‎ ‎‏ـ فلو صحّ ـ لا یدفع الإشکال ، کما أشرنا إلیه .‏

هذا حال الاحتمال الأوّل‏ الذی اختاره الشیخ الأعظم ، وتبعه المشایخ‏‎ ‎‏والمعاصرون ، وقد عرفت ضعفه .‏

ویتلوه فی الضعف ما نقله عن بعض الفحول‏ ، وبما أنّ الأساتذة والأعلام قد‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 517
‏أوضحوه حقّـه وضعّفوه غایته فیلزم علینا أن نضرب عنـه صفحاً ، ونعطف عنان‏‎ ‎‏الکلام إلی ما أوضحـه فرید عصره شیخ الشریعـة الأصفهانی ؛ آخـذاً خلاصـة‏‎ ‎‏مرماه من رسالته :‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 518

  • )) یوسف (12) : 82 .
  • )) تقدّم فی الجزء الأوّل : 61 .
  • )) کفایة الاُصول : 432 .
  • )) درر الفوائد ، المحقّق الخراسانی : 282 .
  • )) الوافیة فی اُصول الفقه : 194 .
  • )) تقدّم بعضها فی الصفحة 503 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 499 .
  • )) منیة الطالب 3 : 402 .
  • )) نفس المصدر .