المقصد السابع فی الاُصول العملیة

الإشکالات المشترکة

الإشکالات المشترکة

‏ ‏

‏فنذکر منها إشکالین :‏

الأوّل :‏ استلزام کثرة التخصیص ، ولا شکّ فی استهجانها .‏

وتوضیحه :‏ أنّ الأحکام ـ کما عرفت ـ لیست عللاً تامّة للضرر ، ولا عللاً‏‎ ‎‏تولیدیة له ، وإنّما یسند إلیها الضرر إسناد الشیء إلی معدّه ، وإلی ما له دخل فی‏‎ ‎‏وجوده بنحو من الإعداد . ولیس للأحکام شأن غیر أنّها محقّقة لموضوع الطاعة .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 510
‏وأمّا احتمال کونها مبادئ للانبعاث فلیس له من الحقّ مسحة ، بل الانبعاث‏‎ ‎‏دائماً من المبادئ الموجودة فی نفوس المکلّفین ؛ من الخوف والطمع وغیرهما ؛ فإنّ‏‎ ‎‏الانبعاث خارجاً مستند إلیها أخیراً بعد ما تحقّق المبادئ الاُخر المقرّرة فی محلّه ؛‏‎ ‎‏من التصوّر والتصدیق . . . إلی آخر ما ذکروه .‏

‏فعندئذٍ : لا یتصوّر للحکم الاعتباری والإیجاب والزجر التشریعی شأن غیر‏‎ ‎‏أنّه محقّق لمرکز الخوف والطمع وغیرهما ، وموضح لموضوع الطاعة والعصیان .‏

‏وأمّا الضرر الخارجی فهو مستند إلی نفس المتعلّق الذی یباشر به المکلّف .‏

‏وکونه مبدءً له علی أقسام :‏

‏فتارة : یکون نفسه ضرریاً ؛ بأن یکون علّة له وسبباً تولیدیاً له .‏

‏واُخری : یکون معدّاً وممّا ینتهی إلیه الضرر ، ویکون ذا دخالة فیه بنحو من‏‎ ‎‏الدخالة .‏

‏وإن شئت فلاحظ العقد اللازم الضرری ؛ فإنّ الحکم الشرعی المتصوّر فی‏‎ ‎‏المقام إنّما هو اللزوم ، وهو لیس ضرریاً ، بل البیع الخارجی ضرری .‏

‏فربّما یکون بذاته ضرریاً ، وقد یتّصف به لکون الضرر یترتّب علیه ؛ ترتّباً‏‎ ‎‏ثانویاً ، أو یترتّب علیه بوسائط کثیرة .‏

‏بل ربّما یکون البیع مبدءً لورود الضرر علی غیر المکلّف ، کما فی بیع الشیء‏‎ ‎‏بأرخص من قیمته السوقیة ؛ فإنّه یوجب نزول السوق وورود الضرر علی الباقین‏‎ ‎‏الواجدین له ، أو بیعه بأغلی من قیمته الفعلیة ؛ فإنّه یستعقب الغلاء والقحط ونزول‏‎ ‎‏الضرر علی فاقدیه ، وربّما یتضرّر به الأهل والعیال والجار والشریک .‏

‏ففی هذه الأقسام لایتّصف البیع بالضرر بنفسه ، ولا یترتّب علیه ترتّباً ثانویاً ،‏‎ ‎‏بل البیع له نحو دخالة فی ورود الضرر علی غیر مباشره .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 511
إذا وقفت علی ما ذکرنا فنقول :‏ لو کانت الأحکام الشرعیة کمتعلّقاتها تارة‏‎ ‎‏عللاً تامّة للضرر ، واُخری معدّات له ، أو کانت تارة ممّا یترتّب علیه الضرر ترتّباً‏‎ ‎‏أوّلیاً ، واُخری ممّا یترتّب علیها ترتّباً ثانویاً ، أو غیر ذلک من الأقسام لصحّ للقائل‏‎ ‎‏أن یدّعی : أنّ قوله ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ : ‏«لاضرر»‏ یختصّ بنفی الأحکام التی لها العلّیة والسببیة‏‎ ‎‏التامّة للضرر ، وأمّا إذا کانت الأحکام من الاُمور التی لها نحو إعداد للضرر ، أو ممّا‏‎ ‎‏ینتهی إلیه بوسائط کثیرة فلا .‏

‏وقد عرفت عدم کونها عللاً للضرر فی مورد من الموارد ، بل لها نحو دخالة‏‎ ‎‏فی وروده ، کدخالة المعدّ وأشباهه .‏

وعلی ما ذکرنا :‏ فلا مجوّز لهذا القول ، ولا مساغ لاختصاص قوله ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‎ ‎‏بحکم دون حکم ؛ فإنّ دخالة الوجوب فی الوضوء الضرری فی الضرر کدخالة لزوم‏‎ ‎‏الرهن المفروض کونها غیر ضرری ؛ فإنّ الحکم الشرعی فیهما دائماً معدّ للضرر ؛‏‎ ‎‏سواء کان المتعلّق ضرریاً أولا .‏

‏کما لامساغ لاختصاصها بالأحکام ؛ فإنّ المتعلّقات مثلها حرفاً بحرف .‏

‏فلا مناص للقائل إلاّ الالتزام بتخصیصات کثیرة مستهجنة ؛ حتّی یختصّ‏‎ ‎‏قوله ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏بعدها بحکم دون حکم ، وضرر دون ضرر ، ومعدّ دون معدّ ؛ حتّی‏‎ ‎‏لایلزم تأسیس فقه جدید .‏

‏والقول باختصاصها بالأحکام التی یکون متعلّقاتها عللاً تامّة للضرر لامعدّاً‏‎ ‎‏له قول بلا برهان .‏

وقد صار الشیخ الأعظم إلی الجواب عنه :‏ بأنّ الجمیع خرج بعنوان واحد لا‏‎ ‎‏بعناوین ، ولا استهجان فیه‏‎[1]‎‏ .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 512
وفیه‏ ـ مضافاً إلی أنّ قبح کثرة التخصیص لا یدور مدار کون الخروج بعنوان‏‎ ‎‏واحد أو بعناوین إذا کان المخصّص منفصلاً ؛ فلو قال «أکرم کلّ إنسان» ثمّ أخرج‏‎ ‎‏عن العموم «کلّ من له رأس واحد» ، وصار العموم مختصّة بمن له رأسان لصار‏‎ ‎‏کلاماً بشیعاً ؛ إذ التعبیر عن إکرام من له رأسان بما ذکر من الکبری قبیح جدّاً ـ أنّ‏‎ ‎‏إخراج هذه الموارد بعنوان واحد یحتاج إلی جامع عرفی یقف علیه المخاطب عند‏‎ ‎‏التخصیص ، ولا أظنّ وجوده .‏

‏ولو فرض وجوده الواقعی ، وفرض غفلة المخاطب عنه ، وکان التخصیص‏‎ ‎‏بغیر هذا الجامع عنده فلا یخرج الکلام من الاستهجان .‏

الثانی من الإشکالات المشترکة :‏ أنّ المعروف عندهم هو أنّ قاعدة لاضرر‏‎ ‎‏دلیل امتنانی اُرید من وضعه الامتنان علی العباد ، کحدیث الرفع ، ودلیل رفع الحرج‏‎ ‎‏وما هو شأنه هذا لیکون آبیاً عن التخصیص ؛ قلّ أو کثر .‏

‏مع أنّ هنا أحکاماً کثیرة إلهیة ضرریة مجعولة علی العباد فی الشرع ؛ من‏‎ ‎‏زکاتـه وخمسـه وحجّـه وجهاده وکفّارتـه وحـدوده واسترقاقـه ، وغیر ذلک ممّا‏‎ ‎‏نجـده فی أبواب المکاسب ؛ من سلبه مالیة اُمـور لها مالیة عند العقلاء ، کالخمر‏‎ ‎‏وآلات الطرب والأغانـی ، والأعیان النجسـة ، وما یجیء منه الفساد محضاً فی‏‎ ‎‏نظـر الشارع .‏

‏فإنّ هذه وأشباهها أحکام ضرریة علی العباد فی عاجلهم ، ومع تشریعها‏‎ ‎‏کیف یمکن له أن یدّعی بأنّه لم یجعل حکماً ضرریاً أصلاً مع کون معظمها أو‏‎ ‎‏اُصولها أو کثیراً منها ضـرریاً ؟ سواء بلغ التخصیص حـدّ الاستهجـان أم لم یبلـغ .‏

‏وما ربّما یقال : من أنّه ناظر إلی الأحکام التی یلزم من إطلاقها الضرر ، دون‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 513
‏ما یکون مبناه علی الضرر‏‎[2]‎‏ غیر مفید جدّاً ؛ فإنّ قوله : ‏«لاضرر»‏ عامّ یشمل کلا‏‎ ‎‏القسمین ، ناظر إلی أنّ الشارع لم یجعل حکماً ضرریاً مطلقاً ، فلو خرج ما کان‏‎ ‎‏طبعه علی الضرر لکان ذلک بنحو من التخصیص .‏

‏أضف إلیـه : أنّ دخـول مـا یکون طبعـه ضرریاً أولی بأن یکون مشمولاً لـه‏‎ ‎‏مـن قرینه .‏

‏وما ربّما یقال : من أنّ التخمیس وتطهیر الأموال بإخراج الزکاة لیس ضرر‏‎ ‎‏عـرفاً‏‎[3]‎‏ قول بلا برهـان ؛ فإنّ سلب مالکیـة المالک عـن خمس مالـه أوعُشره‏‎ ‎‏ضرر جـدّاً . اللهمّ إلاّ أن یتمسّک بذیل الانصراف ، وأنّه منصرف عن هذه العناوین .‏‎ ‎‏وهو لیس ببعید ، لکن هذا لا یدفع أصل الإشکال ؛ لورود تخصیصات غیرها علیه ؛‏‎ ‎‏خصوصاً علی ما قرّرناه .‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 514

  • )) فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشیخ الأعظم 25 : 465 .
  • )) منیة الطالب 3 : 402 .
  • )) نفس المصدر .