المقصد السابع فی الاُصول العملیة

حول کلام بعض الأعاظم فیتوضیح مفاد القاعدة

حول کلام بعض الأعاظم فیتوضیح مفاد القاعدة

‏ ‏

ثمّ‏ إنّ بعض أعاظم العصر قد أطال الکلام فی توضیح مفاد القاعدة وأتی‏‎ ‎‏بمقدّماتٍ غیر واضحة ، وزعم أنّ النفی محمول علی الحقیقة بلا ادّعاء ولا مجاز ،‏‎ ‎‏وأنّ ما أوضحه عین ما رامه الشیخ الأعظم .‏

‏فبما أنّ التعرّض لعامّة ما أفاد یورث الملال فی القرّاء الکرام فلأجله ننقل‏‎ ‎‏محصّل مرامه ، ومن أراد الوقوف علی توضیحه فعلیه بما حرّره مقرّر بحثه ‏‏رحمه الله‏‏ .‏

فقال :‏ إنّ حال ‏«لاضرر ولاضرار»‏ بعینه حال ‏«رفع عن اُمّتی تسعة»‏ فکما‏‎ ‎‏أنّ الرفع فی هذا الحدیث تعلّق بما یقبل الرفع بنفسه وما لا یقبله إلاّ بأثره ، فکذلک‏‎ ‎‏یمکن تعلّق نفی الضرر بکلتا الطائفتین ، من دون تجوّز أو ادّعاء ونحوهما من‏‎ ‎‏العنایات ؛ لأنّه لیس قوله ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ ‏«رفع»‏ أو ‏«لاضرر»‏ إخباراً حتّی یلزم تجوّز أو‏‎ ‎‏إضمار ؛ لئلاّ یلزم الکذب .‏

‏فإذا لم یکن لا ضرر إلاّ إنشاءً ونفیاً للضرر فی عالم التشریع فیختلف نتیجته‏‎ ‎‏باختلاف المنفی ، کاختلاف المرفوع .‏

إلی أن قال :‏ الأحکام الشرعیة من الاُمور الاعتباریة النفس الأمریة ،‏‎ ‎‏ووجودها التکوینی عین تشریعها ؛ فإذا کانت کذلک فإثباتها أو نفیها راجعة إلی‏‎ ‎‏إفاضتها حقیقتها وإیجاد هویتها أو إعدامها عن قابلیة التحقّق . فعلی هذا : یکون‏‎ ‎‏نفیها من السلب البسیط . وقوله ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ ‏«لاضرر»‏ من هذا القبیل .‏

‏وأمّا متعلّقات التکالیف فحیث إنّ قابلیتها للجعل ـ اختراعاً أو إمضاءً ـ عبارة‏‎ ‎‏عن ترکیب أنفسها أو محصّلاتها دون إفاضة هویاتها وإیجاد حقائقها فلا محیص من‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 506
‏أن یکون النفی من السلب الترکیبی ، ویکون المجعول نفس النفی دون المنفی .‏

إلی أن قال :‏ ولا تصل النوبة فیما إذا دار الأمر بین الحمل علی نفی الأحکام‏‎ ‎‏أو نفی الموضوعات إلی الثانی إذا کان الأوّل ممکناً .‏

إلی أن أفاد :‏ أنّ المنفی هو الحکم الضرری ، والضرر عنوان ثانوی للحکم ،‏‎ ‎‏ونفی العنوان الثانوی وإرادة العنوان الأوّلی لیس من باب المجاز ، وإنّما یستلزمه لو‏‎ ‎‏کان من قبیل المعدّ للضرر أو إذا کان سبباً له وکانا وجودین متعلّقین ؛ أحدهما‏‎ ‎‏مسبّب عن الآخر ، وأمّا مثل القتل أو الإیلام المترتّب علی الضرب فإطلاق أحدهما‏‎ ‎‏علی الآخر شائع متعارف .‏

‏وبالجملة : نفس ورود القضیة فی مقام التشریع وإنشاء نفی الضرر حقیقة‏‎ ‎‏یقتضی أن یکون المنفی هو الحکم الضرری ، لا أنّه استعمل الضرر واُرید منه الحکم‏‎ ‎‏الذی هو سببه‏‎[1]‎‏ ، انتهی ملخّصاً جدّاً .‏

وفیما أفاده غرائب نشیر إلی مهمّاتها :

‏منها :‏‏ أنّ البحث فی قوله ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ : ‏«لاضرر ولاضرار»‏ ، ومن الواضحات أنّ‏‎ ‎‏الأحکام اُمور ضرریة لانفس الضرر ، وأنّ الحکم له نحو مبدأیة للضرر ، کما‏‎ ‎‏سیوافیک بیانه . وعلیه : فإطلاق لفظ موضـوع لمعنی نعبّر عنـه بالضرر وإرادة‏‎ ‎‏أحکام هی اُمور ضرریة ، ویتّصف بوجه بالضرر ، لایکون علی سبیل الحقیقة‏‎ ‎‏جـدّاً ؛ وإن بالغ القائل فی إثباتـه ما بالغ ؛ فإنّ الضرر شـیء والحکم شیء آخـر .‏‎ ‎‏وما أفاد من أنّ الأحکام تشریعها عیـن تکوینها ، ونفیها بسیطاً عیـن إعدامها‏‎ ‎‏لایثبت ما رامه ، بل لاربط له .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 507
ومنها :‏ أنّ ما أفاده من أنّ إطلاق الضرب وإرادة القتل إطلاق شائع ، وکذلک‏‎ ‎‏العکس ، لو سلّم لکن الشیوع غیر مسألة الحقیقة ، والاستعمال أعمّ من الحقیقة . مع‏‎ ‎‏أن التأمّل والتردّد فی شیوعه غیر بعید .‏

‏نعم ، إطلاق القاتل علی الضارب المنتهی ضربه إلی القتل شائع ، لا إطلاق‏‎ ‎‏القتل علی الضرب ، وبینهما فرق .‏

ومنها :‏ أنّ الحکم لیس سبباً للضرر ، وإنّما السبب له هو نفس العمل‏‎ ‎‏الخارجی .‏

‏وتوهّم : أنّ السبب وإن کان نفس الوضوء الضرری إلاّ أنّ المکلّف منبعث من‏‎ ‎‏بعثه وإیجابه ، فکأنّه هو السبب الوحید لورود الضرر علیه ، مدفوع بما أوضحناه غیر‏‎ ‎‏مرّة سابقاً ؛ من أنّ الانبعاث التکوینی مستند إلی المبادئ الموجودة فی نفس‏‎ ‎‏المکلّف علی اختلافها ـ من الطمع فی الجنّة والخوف من النار أو علمه بکمال‏‎ ‎‏المحبوب وأنّه أهل للعبادة إلی غیر ذلک ـ وعلیه فالأمر المتعلّق بالموضوع یکون‏‎ ‎‏دخیلاً فی انبعاث العبد بنحو من الدخالة ، لامن باب السببیة والمسبّبیة ، بل بما أنّه‏‎ ‎‏محقّق موضوع الطاعة .‏

‏فلا یمکن أن یقال : إنّ الحکم بالنسبة إلی الضرر من العلل التولیدیة ، کما فی‏‎ ‎‏حرکة الید وحرکة المفتاح والقتل والإیلام ، بل الأحکام لها وجودات اعتباریة‏‎ ‎‏مستقلّة ؛ فإذا وقف المکلّف علیها فقد وقف علی موضوع الطاعة . فالمبادئ‏‎ ‎‏الموجودة فی نفسه یحرّکه نحوه ، فیأتی به ویترتّب علیه الضرر أحیاناً .‏

‏وما هذا حاله لایمکن أن یقال : إنّ إطلاق اللفظ الموضوع لأحدهما علی‏‎ ‎‏الآخر حقیقة .‏

‏وما ذکره من أنّ ورود القضیة فی مقام التشریع قرینة علی أنّ المنفی هو‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 508
‏الحکم الضرری علی وجه الحقیقة ضعیف جدّاً ؛ إذ ما ذکره قرینة علی کون المراد‏‎ ‎‏من الضرر هو الحکم الضرری لا أنّه موجب لکون الجری علی وجه الحقیقة .‏

ومنها :‏ أنّ ما ذکره من أنّ حدیث الرفع أو قوله ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ : ‏«لاضرر . . . »‏ لیس‏‎ ‎‏إخباراً . . . إلی آخر ما أفاده ، ضعیف غایته ؛ فإنّ هیئة الجملة ـ المصدّر بلا النافیة‏‎ ‎‏للجنس ـ موضوعة للحکایة عن الواقع ونفی ما یلیه ـ نفیاً إخباریاً ـ کما فی قوله :‏‎ ‎‏«لا رجل فی الدار» ونظائره . فإطلاق هذه الهیئة الموضوعة للحکایة وإرادة إنشاء‏‎ ‎‏النفی مجاز قطعاً ، بل لافرق بینه وبین سائر الموارد .‏

‏ویلیه فی الضعف قوله الآخر : إنّ الإخبار والإنشاء من المدالیل السیاقیة لا‏‎ ‎‏ممّا وضع له اللفظ ؛ لما عرفت من أنّ هذه الهیئة موضوعة للحکایة عن الواقع ؛‏‎ ‎‏حکایةً تصدیقیة بحکم قضاء العرف والتبادر .‏

‏وعلیه : فلو قلنا : إنّ الإنشاء وقرینه من المدالیل السیاقیة فإمّا أن نقول بأنّ‏‎ ‎‏الهیئة غیر موضوعة لشیء أصلاً فیکون مهملة ، فهو کما تری ، وإمّا أن نقول بکونها‏‎ ‎‏موضوعة لأمر آخر غیر الإنشاء والإخبار ، بل مباین لهما فهو أسوأ حالاً من‏‎ ‎‏مقدّمه ، أو نقول بأنّه أمر جامع بینهما فهو أضعف ؛ لعدم الجامع بین الإخبار‏‎ ‎‏والإنشاء ، بل أوضحنا الحال فی الجزء الأوّل : أنّه لا جامع بین المعانی الحرفیة ، إلاّ‏‎ ‎‏الجامع الاسمی‏‎[2]‎‏ ، فراجع‏‎[3]‎‏ .‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 509

  • )) منیة الطالب 3 : 383 ـ 397 .
  • )) تقدّم فی الجزء الأوّل : 45 ـ 46 و 198 .
  • )) وأمّا ما ذکره المحقّق الخراسانی فی «تعلیقته علی الرسائل» وجعله من أظهر الاحتمالات فسوف نرجع إلیه عند نقد الأحوال ، فانتظر . [المؤلّف]