المقصد السابع فی الاُصول العملیة

المقام الأوّل‏: فی معنی الضرر والضرار

المقام الأوّل : فی معنی الضرر والضرار

‏ ‏

‏فنقول : أمّا الضرر فهو من الکلمات الشایعة الدارجة التی لایکاد یخفی معناه‏‎ ‎‏علی العرف الساذج . والمفهوم منه عندهم هو النقص علی المال والنفس ؛ یقال :‏‎ ‎‏البیع ضرری ، أو أضرّ به البیع ، أو ضرّه الدواء والغذاء ، ویقابله النفع .‏

‏ولایستعمل فی هتک الحرمة والإهانة ، کما لایستعمل النفع فی ضدّ الهتک ،‏‎ ‎‏فلو نال الرجل من عرض جاره بأن نظر إلی امرأته نظر الریبة ، أو هتکه وأهانه‏‎ ‎‏لایقال : إنّه أضرّ به ، کما لایقال عند تبجیله وتوقیره بین الناس أنّه نفعه ، وذلک‏‎ ‎‏واضح . وأمّا توصیف الضرر أحیاناً بالعرضی فهو أعمّ من الحقیقة والمجاز .‏

‏هذا هو المفهوم عرفاً .‏

وأمّا أئمّة اللغة :‏ فقد ذکر الجوهری فی «صحاحه» : أنّه یقال مکان‏‎ ‎‏ذو ضرار ؛ أی ضیِّق ، ویقال : لاضرر علیک ولا ضارورة وتَضِرَّة‏‎[1]‎‏ . وظاهـره : أنّ‏‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 488
‏فی هذه الاستعمالات یکون الضرر بمعنی الضیق .‏

‏وقال الفیروزآبادی فی «قاموسه» : الضرر الضیق‏‎[2]‎‏ .‏

‏وفی «المصباح» : الضرر بمعنی فعل المکروه ، یقال : ضرّه فعل به مکروهاً‏‎[3]‎‏ .‏

‏وفی «المنجد» : «الضَرّ والضُرّ والضرر ضدّ النفع ؛ الشدّة ، الضیق وسوء‏‎ ‎‏الحال ، والنقصان الذی یدخل فی الشیء ، ولعلّ منه الضرّاء ضدّ السرّاء ؛ بمعنی‏‎ ‎‏الشدّة والقحط ‏‎[4]‎‏»‏‎[5]‎‏ .‏

وبما ذکرنا یظهر :‏ أنّ معنی الضرر والضرار والمضارّ فی الروایات إنّما هو‏‎ ‎‏الضیق والشدّة وإیصال المکروه وإیجاد الضرر ، فلاحظ قوله ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ : ‏«ما أراک یا‎ ‎سمرة إلاّ مُضارّاً»‏ ؛ أی ما أراک إلاّ رجلاً موقعاً أخاک فی الحرج والشدّة ، ولا ترید‏‎ ‎‏بفعلک إلاّ التضییق علی الأنصاری .‏

وأمّا ما ربّما یقال :‏ إنّ استعمال الضرر بلحاظ الضرر العِرضی ، وأنّه بدخوله‏‎ ‎‏فجأة کان یورث الضرر العرضی ویوجب هتکه ، وأنّ معنی قوله : ‏«إلاّ مضارّاً»‏ أی‏‎ ‎‏هاتکاً للحرمة بدخوله منزل الأنصاری ونظره إلی أهله‏‎[6]‎‏ .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 489
فضعیف جدّاً ؛‏ إذ قد عرفت أنّ هذا المعنی غیر معهود ؛ لامن العرف ولا من‏‎ ‎‏اللغة ، وأنت إذا لاحظت مظانّ استعمال هذه المادّة فی الکتاب والسنّة لاتجد مورداً‏‎ ‎‏استعمل فیه هذه المادّة مکان هتک الحرمة والإهانة بالعرض ، وسیوافیک شطر منه‏‎ ‎‏فی توضیح معنی الضرار .‏

وبالجملة :‏ استعماله فی معنی الهتک والنیل من العرض وإیراد النقص فی‏‎ ‎‏العرض غیر معهود ، وإنّما استعماله فی الحدیث بالمعنی الذی عرفت .‏

وأمّا الضرار :‏ فالظاهر أنّه بمعنی الضرر ، لابمعنی المجازاة علی الضرر ،‏‎ ‎‏وعلیه کثیر من أئمّة اللغة‏‎[7]‎‏ ، وعلیه جری الذکر الحکیم فقد استعمل فیه بمعنی‏‎ ‎‏الإضرار لا المجازاة علی الضرر ، والیک الآیات :‏

‏1 ـ ‏‏«‏لا تُضارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ‏»‏‎[8]‎‏ .‏

‏2 ـ ‏‏«‏وَلا تُضارُّوهُنَّ لِتُضَیِّقُوا عَلَیْهِنَّ‏»‏‎[9]‎‏ .‏

‏3 ـ ‏‏«‏وَلا تُمْسِکُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا‏»‏‎[10]‎‏ .‏

‏4 ـ ‏‏«‏وَالَّذِیْنَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَکُفْراً وَتَفْرِیْقاً بَیْنَ الْمُؤْمِنِیْنَ‏»‏‎[11]‎‏ .‏

‏5 ـ ‏‏«‏وَلا یُضارَّ کاتِبٌ وَلا شَهِیْدٌ‏»‏‎[12]‎‏ .‏

‏6 ـ ‏‏«‏مِنْ بَعْدِ وَصِیَّةٍ یُوصی بِها أَوْ دَیْنٍ غَیْرَ مُضارٍّ‏»‏‎[13]‎‏ .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 490
‏وإلیک شطر من الروایات التی استعملت فیه الضرار بمعنی الضرر لا المجازاة‏‎ ‎‏الذی هو مفاد باب المفاعلة ، فلاحظ روایات الباب :‏

‏فإنّ قوله : ‏«إلاّ مضارّاً»‎[14]‎‏ لیس إلاّ بمعنی الضرر لا المجازاة ؛ إذ لم یسبق من‏‎ ‎‏الأنصاری ضرر حتّی یجازیه .‏

ومنه :‏ روایة هارون بن حمزة التی أوردناه عند سرد الروایات ؛ فإنّ قوله :‏‎ ‎«فلیس له ذلک ، هذا الضرار ، وقد أعطی حقّه . . .»‎[15]‎‏ إلی آخره بمعنی أنّ طلب‏‎ ‎‏الرأس والجلد یورث الضرر علی الشریک .‏

ومنه :‏ روایة طلحة بن یزید فی باب إعطاء الأمان : ‏«إنّ الجار کالنفس غیر‎ ‎مضارّ ولا آثم»‎[16]‎‏ .‏

ومنه :‏ ما رواه الصدوق فی باب کراهة الرجعة بغیر قصد الإمساک عن‏‎ ‎‏أبی عبدالله  ‏‏علیه السلام‏‏ قال : ‏«لاینبغی للرجل أن یطلّق امرأته ثمّ یراجعها ، ولیس فیه‎ ‎حاجة ، ثمّ یطلّقها فهذا الضرار الذی نهی الله عزّ وجلّ عنه»‎[17]‎‏ .‏

ومنه :‏ ما ورد فی ولایة الجدّ قال : ‏«الجدّ أولی بذلک ما لم یکن مضارّاً»‎[18]‎‏ .‏

ومنه :‏ ما فی «عقاب الأعمال» : ‏«من ضارّ مسلماً فلیس منّا»‎[19]‎‏ .‏

ومنه :‏ ما فی کتاب الوصیـة فی روایـة قال علی : ‏«مـن أوصی ولم یحف

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 491
ولم یضارّ کان کمـن تصـدّق فی حیاتـه»‎[20]‎‏ . . . إلی غیر ذلک مـن الـروایات .‏

وبالجملة :‏ لم نجد مورداً فی الکتاب والسنّة استعمل فیه الضرار بمعنی باب‏‎ ‎‏المفاعلة والمجازاة‏‎[21]‎‏ .‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 492

  • )) الصحاح 2 : 720 .
  • )) القاموس المحیط 2 : 77 .
  • )) المصباح المنیر : 360 .
  • )) المنجد : 447 .
  • )) لا یخفی تقارب هذه المعانی الکثیرة التی ذکرها أئمّة اللغة ؛ بحیث یمکن إرجاعها إلی معنی واحد ، کما لایخفی تقارب ما یفهم منه عرفاً مع هذه المعانی .     وإن شئت فراجع إلی «المخصّص» لأبی علی الفارسی ؛ فإنّ کتابه موضوع لتشخیص المعانی الأوّلیة وإرجاع بعضها إلی بعض . [المؤلّف]
  • )) منیة الطالب 3 : 378 .
  • )) الصحاح 2 : 720 ، لسان العرب 8 : 45 ، مصباح المنیر : 360 ، المنجد : 447 .
  • )) البقرة (2) : 233 .
  • )) الطلاق (65) : 6 .
  • )) البقرة (2) : 231 .
  • )) التوبة (9) : 107 .
  • )) البقرة (2) : 282 .
  • )) النساء (4) : 12 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 464 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 468 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 470 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 471 ، الهامش .
  • )) تقدّم فی الصفحة 471 ، الهامش .
  • )) تقدّم فی الصفحة 470 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 472 ، الهامش .
  • )) ویؤیّده ما استدرکناه من الروایات فی الصفحة 471 . [المؤلّف]