المقصد السابع فی الاُصول العملیة

تذییل القاعدة بکلمتی «فی الإسلام» أو «علی مؤمن»

تذییل القاعدة بکلمتی «فی الإسلام» أو «علی مؤمن»

‏ ‏

أمّا الأوّل :‏ فلم نجده فی کتبنا إلاّ فی مرسلة الصدوق والعلاّمة ، ولعلّه اتّبع فی‏‎ ‎‏نقله لروایة الصدوق ، وهی ما نقلناها سابقاً عنه من أنّه قال النبی : ‏«الإسلام یزید‎ ‎ولاینقص» ‏قال : ‏«وقال لاضرر ولا ضرار فی الإسلام ، فالإسلام یزید المسلم‎ ‎خیراً ولا یزیده شرّاً»‎[1]‎‏ .‏

‏ویمکن أن یقال : إنّ الزیادة من ناحیة النسّاخ لامن الصدوق ، وهو ‏‏رحمه الله‏‏ نقله‏‎ ‎‏عاریاً من هذه الکلمة ، غیر أنّ الباعث لاشتباه الناسخ هو کلمة «فالإسلام» فی‏‎ ‎‏قوله : ‏«فالإسلام یزید المسلم خیراً»‏ ، وهو متّصل بقوله : ‏«لاضرر ولاضرار»‏ ، فوقع‏‎ ‎‏الکاتب فی الاشتباه وزاغ بصره ، فکتب تلک الکلمة «فالإسلام» مرّتین والتکرار فی‏‎ ‎‏الکتابة ؛ خصوصاً بالنسبة إلی کلمة واحدة ممّا یتّفق للکاتب المستنسخ .‏

‏ثمّ جاء الآخرون ، فرأوا الزیادة والتکرار وصاروا بصدد إصلاحه ، بزعم أنّ‏‎ ‎‏الاُولی تصحیف والصحیح «فی الإسلام» وأنّه جزء من الجملة ، فالمتقدّمة ـ أعنی‏‎ ‎‏قوله «لاضرر ولاضرار» ـ فجاءت القاعدة مذیلة من ناحیة الناسخ والقارئ لا من‏‎ ‎‏المحدّث ، ثمّ تتابعت النسخ علیه .‏

نعم ،‏ أورد الطریحی حدیث الشفعة مذیّلاً بهذه الکلمة‏‎[2]‎‏ ، وهو اشتباه قطعاً ؛‏‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 483
‏لأنّ الحدیث مروی فی «الکافی»‏‎[3]‎‏ ـ الذی أخذ هو منه ـ بلا هذه الزیادة ، ولعلّ‏‎ ‎‏قلمه الشریف سبق إلی کتابة هذه الکلمة لما ارتکزت فی ذهنه .‏

‏وبذلک یمکن توجیه الزیادة الواقعة فی کلام ابن الأثیر‏‎[4]‎‏؛ فإنّه نقل الروایة‏‎ ‎‏مذیّلاً بهذه الکلمة‏‎[5]‎‏ مع أنّ الروایة فی کتب العامّة عاریة من هذه الکلمة .‏

‏فقد نقل العلاّمة شیخ الشریعة : إنّه تتبّع صحاحهم ومسانیدهم ومعاجمهم‏‎ ‎‏وغیرها فحصاً أکیداً ، فلم یجد روایته فی طرقهم إلاّ عن ابن عبّاس وعُبادة بن‏‎ ‎‏الصامت ، وکلاهما رویا من غیر هذه الزیادة .‏

‏ثمّ قال : ولا أدری من أین جاء ابن الأثیر فی «النهایة» بهذه الزیادة‏‎[6]‎‏ ؟‏

وعلی أیّ حال :‏ فالمرسلتان لم یثبت حجّیتهما حتّی تتقدّم أصالة عدم الزیادة‏‎ ‎‏علی النقیصة فی مقام الدوران .‏

أمّا الثانی‏ ـ أعنی کلمة «علی مؤمن» ـ فقد وردت فی مرسلة أبی عبدالله عن‏‎ ‎‏أبیه عن بعض أصحابنا عن عبدالله بن مسکان عن زرارة عن أبی جعفر ‏‏علیه السلام‏‎[7]‎‏ .‏

‏وقد أوضحنا علیک فیما تقدّم‏‎[8]‎‏ : أنّ هذه المرسلة اشتملت علی أمرین ، لم‏‎ ‎‏تشتمل علیهما موثّقة زرارة ، ولا روایة الحذّاء ـ أعنی قوله : ‏«علی مؤمن»‏ وقوله :‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 484
«فانطلق فاغرسها حیث شئت»‏ ـ ولکن شارکت الروایتین فی عامّة المطالب ، وهذا‏‎ ‎‏ممّا یورث الوثوق بصدقها وصدورها .‏

‏وبما أنّ الاختلاف صوری لا جوهری ، والباعث هو نقل الحدیث بالمعنی‏‎ ‎‏والاختلاف فی الأغراض فربّما یتعلّق الغرض بنقل مفاد عامّة الخصوصیات ، وربّما‏‎ ‎‏یتعلّق بنقل ما هو المهمّ منها .‏

وعلیه فیمکن أن یقال :‏ إنّه قد سمع زرارة ، وأبو عبیدة الحذّاء واحتملا الروایة‏‎ ‎‏من أبی جعفر ‏‏علیه السلام‏‏ بعامّة خصوصیاتها ، ثمّ جاء الاختلاف عند نقلها بالمعنی منهما‏‎ ‎‏أو من ناحیة غیرهما ممّن رووا عنهما .‏

‏وهذا الاختلاف الغیر الجوهری موجود فی نفس الروایتین أیضاً ؛ فقد‏‎ ‎‏اشتملت الموثّقة علی قوله : ‏«لاضرر ولاضرار»‏ دون روایة الحذّاء ، کما اشتملت‏‎ ‎‏الثانیة علی قوله : ‏«أنت رجل مضارّ»‏ دون الموثّقة . والسبب هو النقل بالمعنی‏‎ ‎‏واختلاف المرمی .‏

فظهر :‏ أنّه لامانع من القول باشتمال الحدیث علی کلمة «علی مؤمن» ؛ لما‏‎ ‎‏عرفت من القرائن علی صدور المرسلة ، وصدقها علی أنّ الأصل المعتمد علیها هو‏‎ ‎‏تقدیم أصالة عدم الزیادة علی أصالة عدم النقیصة عند العقلاء .‏

فإن قلت :‏ إنّ تقدیم أصالة عدم الزیادة علی الاُخری لأجل أبعدیة إحدی‏‎ ‎‏الغفلتین عن الاُخری ؛ فإنّ الغفلة بالنسبة إلی النقیصة لیس بغریب ونادر ، وأمّا‏‎ ‎‏بالنسبة إلی الزیادة فلیس بهذه المثابة ، إلاّ أنّه فیما إذا لم یثبت النقیصة من جانبین‏‎ ‎‏والزیادة من جانب واحد ، کما فی المقام ؛ فإنّ الزیادة إنّما أتی بها المرسلة ،‏‎ ‎‏والموثّقة وروایة الحذّاء عاریتان منها وکذا سائر الروایات ، ومن البعید غفلة المتعدّد‏‎ ‎‏وتوجّه الواحد .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 485
أضف إلی ذلک :‏ أنّ هذه الزیادة من الکلمات المرتکزة المأنوسة ، فیحتمل أن‏‎ ‎‏یکون منشأها نفس الراوی ؛ لمناسبة بین الحکم وموضوعه ، وأنّ المؤمن الذی لابدّ‏‎ ‎‏أن تحفّه العنایات الربّانیة ، وینفی عنه الضرر‏‎[9]‎‏ .‏

قلت :‏ تقدیم أحد الأصلین علی الآخر لیس لأجل دوران الأمر بین الغفلتین‏‎ ‎‏وأبعدیة إحداهما بالنسبة إلی الاُخری ـ کما ذکرفی الإشکال ـ حتّی یقال : بأنّ هذا‏‎ ‎‏فیما إذا لم یتوافق الروات علی النقیصة ، وتفرّد واحد منهم علی الزیادة .‏

‏بل لأنّ الزیادة لاتقع إلاّ غفلة أو کذباً وافتراءً ، وأمّا النقیصة فهی مشارکة‏‎ ‎‏معها فی ذلک ، وتختصّ بأنّها ربّما تقع لداعی الاختصار أو توهّم أنّ وجود الکلمة‏‎ ‎‏وعدمها سواء فی إفادة المقصود ، وأنّ الکلمة ممّا لادخالة لها فی الغرض ، أو لعدم‏‎ ‎‏کونه بصدد بیان عامّة الخصوصیات .‏

فحینئذٍ :‏ یرجّح الأصل فی جانب الزیادة علی الآخر ؛ وإن تفرّد ناقلها‏‎ ‎‏وتوافق الرواة فی جانب النقیصة . ‏هذا أوّلاً .

‏وثانیاً :‏‏ أنّ ما ذکرت إنّما یکون مرجّحـاً إذا کان الراویان ـ مثلاً ـ متوافقین‏‎ ‎‏فی سائر الجهات ، وأمّا مع اختلافهما فی بعض الجهات ـ ولو مع اتّفاقهما فی جهة‏‎ ‎‏واحدة ـ فلا ، وقـد عرفت الاختلاف بین الموثّقة وروایة الحذّاء ، وأنّ الاُولی‏‎ ‎‏مشتملة علی قوله : ‏«لا ضرر ولاضرار»‏ متعقّباً بالأمر بالقلع ، دون الثانیة ؛ وهی‏‎ ‎‏تتضمّن قولـه : ‏«ما أراک یا سمرة إلاّ مُضارّاً»‏ ، مقـدّماً علی الأمـر بالقلع ،‏‎ ‎‏والمرسلـة مشتملة علی الجمیع ، وهذه قرینة علی کونها بصدد نقل عامّة‏‎ ‎‏الخصوصیات دون الروایتین .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 486
‏ویؤیّد ذلک : ما تشتمل المرسلة علیه من التفصیل والإسهاب فیما دار بین‏‎ ‎‏الرجل والأنصاری من الکلام ، وما تردّدت بینهما وبین رسول الله من المقاولة .‏

‏وما تلوناه یؤیّد کون المرسلة بصدد نقل تمام القضیة دونهما ، ویؤکّد اشتمال‏‎ ‎‏الروایة فی الأصل علی لفظة «علی مؤمن» ، ویوجب تقدّم أصالة عدم الزیادة علی‏‎ ‎‏الاُخری .‏

وثالثاً :‏ أنّ ما ذکر من أنّه یمکن أن یکون منشأ الزیادة نفس الراوی لمناسبة‏‎ ‎‏بین الحکم والقید ضعیف جدّاً ؛ لأنّه إن اُرید منه : أنّ الراوی قد أضاف القید عمداً ؛‏‎ ‎‏لمناسبة أدرکها بین القید والحکم فهو أمر باطل ؛ لأنّه یمسّ بعدالته وکرامته ، ولم‏‎ ‎‏یبق الطمأنینة علی أمثال هذه القیود .‏

‏وإن اُرید : أنّ لسان الراوی أوقلمه سبق إلی الزیادة لأجل المناسبة بین المزید‏‎ ‎‏والمزید فیه ففیه : أنّه فرع أن یکون الفرع من الاُمور المرتکزة التی لاینفکّ تصوّر‏‎ ‎‏المزید فیه عن تصوّر المزید ، ویکون کاللازم البیّن ؛ حتّی یکون ملاکاً لسبق اللسان‏‎ ‎‏أو القلم ، والمورد لیس من هذا القبیل جدّاً ؛ ضرورة أنّه لاتسبق علی الذهن کلمة‏‎ ‎‏«علی مؤمن» عند تصوّر «لاضرر ولاضرار» حتّی یجری علی طبقه اللسان أو القلم .‏

وبالجملة :‏ لو قلنا بحجّیة المرسلة لما عرفت من قرائن الصدق والصدور‏‎ ‎‏أمکن إثبات الزیادة بها ، ولا یضرّ عدم ورودها فی الموثّقة وقرینها‏‎[10]‎‏ .‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 487

  • )) تقدّم فی الصفحة 465 .
  • )) مجمع البحرین 3 : 373 .
  • )) الکافی 5 : 293 / 6 .
  • )) النهایة ، ابن الأثیر 3 : 81 .
  • )) بل یمکن أن یقال : إنّ الزیادة الواقعة فی مرسلة الصدوق من هذا القبیل أیضاً ؛ لارتکاز هذه الکلمة فی ذهنه ، وأنّ الحکم حکم إسلامی . [المؤلّف]
  • )) قاعدة لا ضرر ، شیخ الشریعة الأصفهانی : 12 .
  • )) تقدّمت فی الصفحة 463 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 472 ـ 473 .
  • )) منیة الطالب 3 : 365 .
  • )) غیر أنّه یمکن أن یقال بالوجه الأوّل ، ولا یرد علیه ما ذکره ؛ بمعنی أنّ الراوی اعتقد أنّ مصبّ الحکم هو نفی الضرر عن المؤمن دون الکافر ، فأضاف ما ذکر ؛ زعماً أنّه المراد من الحدیث ، والزیادة والنقیصة فی الحدیث عند نقله بالمعنی شائع إذا لم یخلّ بالغرض عند القائل . وقد سأل محمّد بن مسلم عن أبی جعفر علیه السلام عن الزیادة وضدّها عند نقل الحدیث . فقال : «إذا أردت معناه فلا بأس» . [المؤلّف]