المقصد السابع فی الاُصول العملیة

حلّ العقدة

حلّ العقدة

‏ ‏

‏قد عرفت : أنّ ما ذکره ممّا لا تفکّ به العقدة ، وأنّ السیاق یقتضی تذیّل‏‎ ‎‏الحدیثین بالقاعدة ، فیجب الأخذ به حتّی یمنع عنه مانع ؛ بأن یمتنع جعله کبری‏‎ ‎‏کلّیة أو نکتة للتشریع ، فحینئذٍ یرفع الید عن الظهور ؛ تخلّصاً من الإشکال .‏

نعم ، یمکن أن یقال :‏ إنّ قوله : ‏«لاضرر ولاضرار»‏ لایصلح أن یکون کبری‏‎ ‎‏کلّیة للموردین ، ونکتة تشریع للحکم الموجود فیهما :‏

أمّا الأوّل :‏ فلأنّ الکبری الکلّیة لابدّ وأن یندرج فی موضوعها الأصغر ،‏‎ ‎‏ویحمل علیه حملاً شائعاً ، کما فی قولنا : «الخمر مسکر ، وکلّ مسکر حرام ؛ فالخمر‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 478
‏حرام» فالحکم بحرمتها لیس بما هی خمر ، بل بما أنّها من مصادیق المسکر ،‏‎ ‎‏واندراجها فی الکبری المذکورة .‏

‏وأمّا المقام فلیس من هذا القبیل ؛ فإنّ أخذ ملک الشریک شفعة ـ الذی‏‎ ‎‏لایترتّب علیه دفـع الضرر فی مورد مـن الموارد ؛ لأنّـه علی فرض تحقّق الضرر‏‎ ‎‏یکون مرفـوعاً دائماً بأمـر متقدّم طبعاً علی الأخـذ بالشفعـة ؛ وهـو عـدم لزوم‏‎ ‎‏بیـع الشریک ـ ومنـع فضول الماء ، لایندرجان موضوعاً وحکماً فی قولـه :‏‎ ‎«لاضرر ولاضرار»‏ .‏

‏أضف إلیه : أنّ نفی الضرر لایصلح أن یکون علّة لجواز الأخذ بالشفعة ،‏‎ ‎‏ولالحرمة منع فضول الماء ؛ لعدم التناسب بینهما .‏

وأمّا الثانی :‏ ـ وهـو عـدم کونـه نکتـة للتشریع ـ فإنّ نکتـة التشریع عبارة‏‎ ‎‏عمّا یکون لأجله التشریع ممّا لایترتّب علی مورد التشریع علی وجه الکلّیة ،‏‎ ‎‏کالأمر بالغُسل فی یوم الجمعـة لإزالـة أرواح الآباط‏‎[1]‎‏ ، والعـدّة لعدم اختـلاط‏‎ ‎‏المیاه‏‎[2]‎‏ ، والحجّ للتفقّه فی الدین ومعرفة الإمام‏‎[3]‎‏ ، والصوم لذوق الأغنیاء ألم‏‎ ‎‏الجـوع‏‎[4]‎‏ ، والـزکاة لاختبارهم وتحصین أمـوالهم‏‎[5]‎‏ ، إلی غیر ذلک مـن الموارد ،‏‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 479
‏وأمّا المقام فلیس من هذا القبیل .‏

وأمّا‏ منع فضول الماء فلیس إلاّ فقد المنفعة ، لا الضرر کما لایخفی .‏

اللهمّ إلاّ أن یقال :‏ إنّه یکفی فی نکتة التشریع أدنی مناسبة لذکرها ، أو یقال :‏‎ ‎‏إنّ سلطنة الشریک علی الفسخ وإن کان یرفع الضرر عن الشریک إلاّ أنّه ربّما یکون‏‎ ‎‏موجباً لضرر آخر ؛ وهو کون مال الشریک مالاً بلا مشتری ، وهو ربّما یورث الضرر‏‎ ‎‏والضیق . فنکتة التشریع لیس سلب الضرر عن الشریک ، بل عنه وعن صاحب‏‎ ‎‏المال ، فلأجل دفع الضرر عنهما شرعت الشفعة بشرائطها .‏

‏وبعد ما عرفت من عدم تناسب هذا الذیل لصدر روایتی ثبوت الشفعة‏‎ ‎‏وکراهة منع فضول الماء ـ إلاّ بتکلّفٍ ـ فلا یبعد الالتزام بعدم کونهما مذیّلین به .‏

ویؤیّده :‏ خلوّ سائر روایات الباب عن هذا التذییل ، فراجع إلی کتاب الشفعة‏‎ ‎‏فلا تجد فیه روایة مشتملة علیه‏‎[6]‎‏ ، ومثله روایات منع فضل الماء .‏

‏وإلیک ما رواه الصدوق ، قال : ‏«قضی رسول الله  ‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ فی أهل البوادی أن‏‎ ‎‏لایمنعوا فضل ماء ولا یبیعوا فضل کلاء»‏‎[7]‎‏ .‏

‏وما رواه ابن أبی جمهور فی «عوالی اللآلی» عن النبی ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ قال : ‏«من منع‎ ‎فضل الماء لیمنع به الکلاء منعه الله فضل رحمته یوم القیامة»‎[8]‎‏ .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 480
‏ویؤیّده أیضاً ما رواه أحمد بن حنبل فی مسنده ، فقد نقلناه سابقاً بطوله‏‎[9]‎‏ ؛‏‎ ‎‏فإنّه قد نقل القضیتین غیر مذیّلتین بالقاعدة ، بل نقل أوّلاً قضائه بالشفعة بین‏‎ ‎‏الشرکاء فی المساکن والـدور ، ثمّ بعد ما أورد عـدّة أقضیـة منـه ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ قال :‏‎ ‎‏وقضی أن لاضرر ولاضرار ، وقضی أنّـه لیس لعرق ظالم حـقّ ، وقضی بین أهـل‏‎ ‎‏المدینة فی النخـل : أنّـه لایمنع نقع بئر ، وقضی بین أهـل البادیـة أنّـه لایمنع فضل‏‎ ‎‏ماء لیمنع به فضـل الکلاء .‏

أضف إلی ذلک :‏ أنّه یمکن أن یقال : إنّ مقتضی السیاق هو کونه قضیة‏‎ ‎‏مستقلّة ؛ إذ لو کان علّة للحکم أو نکتة للتشریع لکان الأنسب عدم تخلّل کلمة‏‎ ‎‏«وقال» بین الصدر والذیل .‏

‏وهذا التخلّل یمکن أن یکون مؤیّداً لظهور الروایتین فی کون لاضرر‏‎ ‎‏ولاضرار قضیة مستقلّة .‏

‏وأمّا ما فی بعض النسخ من قوله : «فقال»‏‎[10]‎‏ علی وجه یشعر بالتفریع‏‎ ‎‏والتذییل فتصحیف ، فقد نقل العلاّمة شیخ الشریعة ‏‏قدس سره‏‏ : إنّ النسخ المعتمدة علیها‏‎ ‎‏متّفقـة علی الـواو‏‎[11]‎‏ ، وقـد لاحظنا بعض نسخ «الکافـی» الـذی یحضرنی ،‏‎ ‎‏فوجدناه بالواو أیضاً .‏

فتلخّص ممّا ذکرناه :‏ أنّ ما ذکره العلاّمة المزبور من دعوی الوثوق من‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 481
‏اجتماع تلک الأقضیة فی روایة عقبة ، وأنّ أئمّة الحدیث فرّقها‏‎[12]‎‏ وإن کان غیر‏‎ ‎‏مرضی عندنا ، إلاّ أنّ الحقّ معه فی عدم تذیّل الحدیثین به ؛ لما عرفت من عدم‏‎ ‎‏المناسبة ، وخلوّ باقی الروایات عنه ، وما عرفته من مسند أحمد وما فی التذییل من‏‎ ‎‏إشکالات غامضة .‏

وعلیه :‏ فلابدّ أن یقال : إنّ عقبة قد سمع من أبی عبدالله أقضیة النبی ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‎ ‎‏فی محالّ مختلفة ، ولکنّه ذیّل حدیثی الشفعة ومنع فضل الماء بهذا الذیل ؛ زعماً منه‏‎ ‎‏أنّه سمع من الإمام کذلک‏‎[13]‎‏ .‏

هذا کلّه :‏ مع ضعف الروایتین بمحمّد بن عبدالله بن هلال المجهول ، وعقبة بن‏‎ ‎‏خالد الذی لم یرد فیه توثیق ، فلا تصلحان لإثبات حکم .‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 482

  • )) وسائـل الشیعـة 3 : 315 ، کتاب الطهارة ، أبـواب الأغسـال المسنونـة ، الباب 6 ، الحـدیث 15 .
  • )) وسائل الشیعة 22 : 235 ، کتاب الطلاق ، أبواب العدد ، الباب 30 ، الحدیث 2 .
  • )) وسائل الشیعة 11 : 12 ، کتاب الحجّ ، أبواب وجوبه وشرائطه ، الباب 1 ، الحدیث 15 .
  • )) وسائل الشیعة 10 : 7 ، کتاب الصوم ، أبواب وجوب الصوم ونیته ، الباب 1 .
  • )) وسائل الشیعة 9 : 11 ، کتاب الزکاة ، أبواب ما تجب فیه الزکاة وما تستحبّ فیه ، الباب 1 ، الحدیث 5 و 6 و 7 و 11 و 14 و 16 .
  • )) وسائل الشیعة 25 : 395 ، کتاب الشفعة، الباب 1 ـ 12 .
  • )) الفقیه 3 : 150 / 661 ، وسائل الشیعة 25 : 420 ، کتاب إحیاء الموات ، الباب 7 ، الحدیث 3 .
  • )) درر اللآلی 2 : 96 (مخطوط) ، مستدرک الوسائل 17 : 116 ، کتاب إحیاء الموات ، الباب 6 ، الحدیث 5 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 467 .
  • )) راجـع وسائـل الشیعـة 17 : 333 ، کتاب إحیـاء المـوات ، الباب 7 ، الحـدیث 2 (ط ـ الإسلامیة) .
  • )) قاعدة لا ضرر ، شیخ الشریعة الأصفهانی : 16 .
  • )) قاعدة لا ضرر ، شیخ الشریعة الأصفهانی : 20 .
  • )) أو أراد الاستئناس من قضاء لقضاء آخر ، فوجد قوله : «لاضرر ولاضرار» مناسباً لأن یکون علّة للتشریع أو نکتة له ، فأضافه إلیه ، وفصّل بینهما بقوله : وقال : «لاضرر ولاضرار» . [المؤلّف]