المقصد السابع فی الاُصول العملیة

تتمّة‏: فیما إذا انجرّ ترک الفحص إلی ترک واجب مشروط

تتمّة : فیما إذا انجرّ ترک الفحص إلی ترک واجب مشروط

‏ ‏

‏لو صار ترک الفحص موجباً لترک واجب مشروط أو موقّت فی زمان تحقّق‏‎ ‎‏الشرط والوقت ؛ بمعنی أنّه ترک الفحص قبل تحقّق الشرط والوقت ، مع احتمال‏‎ ‎‏کون ترکه موجباً لترک المشروط والموقّت فی زمان تحقّق الشرط والوقت ، فصار‏‎ ‎‏کذلک فهل یستحقّ العقوبة ، کما فی ترک الفحص عن الواجب المطلق أولا ؟‏

وقد فصّل بعض محقّقی العصر  ‏رحمه الله‏‏ بینما إذا قلنا بکون الوجوب فعلیاً ـ وإن‏‎ ‎‏کان الواجب استقبالیاً ـ علی الوجهین اللذین أوضحهما فی کلامه ، فیستحقّ العقاب‏‎ ‎‏حینئذٍ ، مثل ترکه فی الواجب المطلق .‏

‏وأمّا إذا قلنا بعدم فعلیة الوجوب إلاّ عند حصول المعلّق علیه ؛ خصوصاً إذا‏‎ ‎‏قلنا بأنّ وجوب الفحص غیری مقدّمی ، ومن المعلوم تبعیة وجوب المقدّمة لذیها‏‎ ‎‏فکیف یجب الفحص مع عدم وجوب ذیها‏‎[1]‎‏ ؟‏

الظاهر :‏ عدم صحّة التفصیل المذکور ؛ فإنّا لو قلنا بوجوب الفحص ـ وجوباً‏‎ ‎‏غیریاً ـ لکن لیس وجوب المقدّمة ناشئاً من وجوب ذیها ، أو إرادتها مترشّحة من‏‎ ‎‏إرادة ذیها ـ کما یوهمه ظواهر عبائرهم ـ فإنّ ترشّح إرادة من اُخری وتولّد حکم‏‎ ‎‏من آخر غیر صحیح جدّاً ، کما أوضحناه فی محلّه‏‎[2]‎‏ .‏

‏بل لکلّ من الوجوبین والإرادتین مبادٍ ومقدّمات ، بها یتکوّن وجوبها وإرادتها‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 439
‏علی القول بوجوبها ؛ بحیث لو وجدت تلک المبادئ فی المقدّمة لعرضها الوجوب ؛‏‎ ‎‏سواء اتّصفت ذوها بالوجوب أم لا .‏

وعلی ما ذکر :‏ یتّصف الفحص بالوجوب علی القول بوجوب المقدّمة ، وأنّ‏‎ ‎‏مناط وجوبه هو المقدّمیة لحصول ما یعدّ مبادئاً لوجوبه ؛ فإنّ المولی لمّا وقف علی‏‎ ‎‏توقّف الواجب المشروط الذی سیتحقّق شرطه بعد علی الفحص قبل حصول‏‎ ‎‏الشرط ، وأنّ ترکه یوجب سلب القدرة عنه فی حال تحقّق الشرط فلا محالة تنقدح‏‎ ‎‏فی نفسه إرادتها وإیجابها ؛ لحصول عامّة المبادئ فی نفسه ـ من التصوّر والتصدیق‏‎ ‎‏بالفائدة وغیرهما من المبادئ ـ فیتّصف بالوجوب لا محالة ؛ وإن لم یتّصف الواجب‏‎ ‎‏بعد بالوجوب . فحینئذٍ : یکون ترک الفحص الموجب لفوت الواجب فی محلّه بلا‏‎ ‎‏عذر موجباً لاستحقاق العقوبة . نعم لو قلنا بما هو الظاهر من کلامهم من نشوء إرادة‏‎ ‎‏من اُخری لکان لما ذکره مجال .‏

هذا کلّه لو قلنا بوجوب المقدّمة .

‏وأمّا إذا قلنا بعدم وجوبها ، أو قلنا بوجوب الفحص لکن لا من باب المقدّمیة‏‎ ‎‏ـ کما هو الحقّ فی المقامین ـ فلا ریب أیضاً فی استحقاقه للعقوبة ؛ لحکم العقل‏‎ ‎‏والعقلاء بأنّ تفویت الواجب المشروط الذی سیتحقّق شرطه تفویت بلاعذر‏‎ ‎‏وموجب لاستحقاق العقوبة .‏

‏ولا مجال لمن هو واقف علی حصول الشرط أن یتسامح فی الإتیان بما‏‎ ‎‏یفوت الواجب بترکه ؛ فإنّ العقل والعقلاء لا یفرّقون بین الواجب المشروط المعلوم‏‎ ‎‏تحقّق شرطه والواجب المطلق فی عدم معذوریة العبد .‏

وممّا ذکرنا یتّضح :‏ أنّه لا حاجة فی إثبات العقاب فی هذه الصورة إلی‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 440
‏التمسّک بالقاعدة المعروفة من أنّ الامتناع بالاختیار لا ینافی الاختیار‏‎[3]‎‏ ؛ فإنّ‏‎ ‎‏القاعدة أجنبیة عن المقام ؛ فإنّها وردت عند أهلها ؛ ردّاً لأوهام بعض المتکلّمین ؛‏‎ ‎‏حیث زعم ذلک البعض : أنّ قول الحکماء بـ «أنّ الشیء ما لم یجب لم یوجد»‏‎ ‎‏مستلزم لأن یکون الواجب فاعلاً موجباً‏‎[4]‎‏ ـ بالفتح ـ فردّ الحکماء علیه بالقاعدة‏‎ ‎‏المعروفة من أنّ الامتناع بالاختیار لا ینافی الاختیار‏‎[5]‎‏ .‏

أضف إلی ذلک :‏ أنّ الامتناع بالاختیار ینافی الاختیار فی المقام ؛ لأنّ من‏‎ ‎‏ترک السیر حتّی ضاق الوقت خرج الإتیان بالحجّ عن اختیاره بلا شکّ . نعم لا یصیر‏‎ ‎‏الامتناع فی المقام عذراً عند العقل والعقلاء ، ولکنّه قاعدة اُخری غیر القاعدة‏‎ ‎‏الدارجة ، فکم فرق بین أن نقول بعدم کون هذا الامتناع عذراً ـ کما هو المختار ـ‏‎ ‎‏وبین أن نقول باتّصاف هذا الترک فی حاله بالاختیار ؟‏

ثمّ إنّ بعض محقّقی العصر أجاب‏ عن الاستدلال بالقاعدة بقوله : بأنّ مورد‏‎ ‎‏القاعدة ما إذا کان الامتناع ناشئاً عن سوء اختیار المکلّف ، ولایکون ذلک إلاّ إذا‏‎ ‎‏تحقّق التکلیف الفعلی بالواجب فی حقّه ، وقد تساهل فی تحصیل مقدّماته . وأمّا إذا‏‎ ‎‏لم یتحقّق التکلیف الفعلی فی حقّه ـ کما هو المفروض ـ فلا‏‎[6]‎‏ .‏

وفیه :‏ ما عرفت من أنّ العقل والعقلاء لایفرّقون بین المطلق والمشروط الذی‏‎ ‎‏سیتحقّق شرطه فی عدم جواز المساهلة فیما ینجرّ إلی ترک المطلوب ، فراجع إلی‏‎ ‎‏المتعارف بینهم .‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 441

  • )) نهایة الأفکار 3 : 479 ـ 480 .
  • )) تقدّم فی الجزء الأوّل : 283 ـ 284 و 323 ـ 324 .
  • )) کفایة الاُصول : 425 .
  • )) شرح المواقف 3 : 178 ، شرح المقاصد 2 : 10 .
  • )) القبسات : 309 ، الحکمة المتعالیة 6 : 307 و 349 ، شوارق الإلهام : 94 / السطر16 .
  • )) نهایة الأفکار 3 : 481 .