تتمّة : فیما إذا انجرّ ترک الفحص إلی ترک واجب مشروط
لو صار ترک الفحص موجباً لترک واجب مشروط أو موقّت فی زمان تحقّق الشرط والوقت ؛ بمعنی أنّه ترک الفحص قبل تحقّق الشرط والوقت ، مع احتمال کون ترکه موجباً لترک المشروط والموقّت فی زمان تحقّق الشرط والوقت ، فصار کذلک فهل یستحقّ العقوبة ، کما فی ترک الفحص عن الواجب المطلق أولا ؟
وقد فصّل بعض محقّقی العصر رحمه الله بینما إذا قلنا بکون الوجوب فعلیاً ـ وإن کان الواجب استقبالیاً ـ علی الوجهین اللذین أوضحهما فی کلامه ، فیستحقّ العقاب حینئذٍ ، مثل ترکه فی الواجب المطلق .
وأمّا إذا قلنا بعدم فعلیة الوجوب إلاّ عند حصول المعلّق علیه ؛ خصوصاً إذا قلنا بأنّ وجوب الفحص غیری مقدّمی ، ومن المعلوم تبعیة وجوب المقدّمة لذیها فکیف یجب الفحص مع عدم وجوب ذیها ؟
الظاهر : عدم صحّة التفصیل المذکور ؛ فإنّا لو قلنا بوجوب الفحص ـ وجوباً غیریاً ـ لکن لیس وجوب المقدّمة ناشئاً من وجوب ذیها ، أو إرادتها مترشّحة من إرادة ذیها ـ کما یوهمه ظواهر عبائرهم ـ فإنّ ترشّح إرادة من اُخری وتولّد حکم من آخر غیر صحیح جدّاً ، کما أوضحناه فی محلّه .
بل لکلّ من الوجوبین والإرادتین مبادٍ ومقدّمات ، بها یتکوّن وجوبها وإرادتها
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 439
علی القول بوجوبها ؛ بحیث لو وجدت تلک المبادئ فی المقدّمة لعرضها الوجوب ؛ سواء اتّصفت ذوها بالوجوب أم لا .
وعلی ما ذکر : یتّصف الفحص بالوجوب علی القول بوجوب المقدّمة ، وأنّ مناط وجوبه هو المقدّمیة لحصول ما یعدّ مبادئاً لوجوبه ؛ فإنّ المولی لمّا وقف علی توقّف الواجب المشروط الذی سیتحقّق شرطه بعد علی الفحص قبل حصول الشرط ، وأنّ ترکه یوجب سلب القدرة عنه فی حال تحقّق الشرط فلا محالة تنقدح فی نفسه إرادتها وإیجابها ؛ لحصول عامّة المبادئ فی نفسه ـ من التصوّر والتصدیق بالفائدة وغیرهما من المبادئ ـ فیتّصف بالوجوب لا محالة ؛ وإن لم یتّصف الواجب بعد بالوجوب . فحینئذٍ : یکون ترک الفحص الموجب لفوت الواجب فی محلّه بلا عذر موجباً لاستحقاق العقوبة . نعم لو قلنا بما هو الظاهر من کلامهم من نشوء إرادة من اُخری لکان لما ذکره مجال .
هذا کلّه لو قلنا بوجوب المقدّمة .
وأمّا إذا قلنا بعدم وجوبها ، أو قلنا بوجوب الفحص لکن لا من باب المقدّمیة ـ کما هو الحقّ فی المقامین ـ فلا ریب أیضاً فی استحقاقه للعقوبة ؛ لحکم العقل والعقلاء بأنّ تفویت الواجب المشروط الذی سیتحقّق شرطه تفویت بلاعذر وموجب لاستحقاق العقوبة .
ولا مجال لمن هو واقف علی حصول الشرط أن یتسامح فی الإتیان بما یفوت الواجب بترکه ؛ فإنّ العقل والعقلاء لا یفرّقون بین الواجب المشروط المعلوم تحقّق شرطه والواجب المطلق فی عدم معذوریة العبد .
وممّا ذکرنا یتّضح : أنّه لا حاجة فی إثبات العقاب فی هذه الصورة إلی
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 440
التمسّک بالقاعدة المعروفة من أنّ الامتناع بالاختیار لا ینافی الاختیار ؛ فإنّ القاعدة أجنبیة عن المقام ؛ فإنّها وردت عند أهلها ؛ ردّاً لأوهام بعض المتکلّمین ؛ حیث زعم ذلک البعض : أنّ قول الحکماء بـ «أنّ الشیء ما لم یجب لم یوجد» مستلزم لأن یکون الواجب فاعلاً موجباً ـ بالفتح ـ فردّ الحکماء علیه بالقاعدة المعروفة من أنّ الامتناع بالاختیار لا ینافی الاختیار .
أضف إلی ذلک : أنّ الامتناع بالاختیار ینافی الاختیار فی المقام ؛ لأنّ من ترک السیر حتّی ضاق الوقت خرج الإتیان بالحجّ عن اختیاره بلا شکّ . نعم لا یصیر الامتناع فی المقام عذراً عند العقل والعقلاء ، ولکنّه قاعدة اُخری غیر القاعدة الدارجة ، فکم فرق بین أن نقول بعدم کون هذا الامتناع عذراً ـ کما هو المختار ـ وبین أن نقول باتّصاف هذا الترک فی حاله بالاختیار ؟
ثمّ إنّ بعض محقّقی العصر أجاب عن الاستدلال بالقاعدة بقوله : بأنّ مورد القاعدة ما إذا کان الامتناع ناشئاً عن سوء اختیار المکلّف ، ولایکون ذلک إلاّ إذا تحقّق التکلیف الفعلی بالواجب فی حقّه ، وقد تساهل فی تحصیل مقدّماته . وأمّا إذا لم یتحقّق التکلیف الفعلی فی حقّه ـ کما هو المفروض ـ فلا .
وفیه : ما عرفت من أنّ العقل والعقلاء لایفرّقون بین المطلق والمشروط الذی سیتحقّق شرطه فی عدم جواز المساهلة فیما ینجرّ إلی ترک المطلوب ، فراجع إلی المتعارف بینهم .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 441