المقصد السابع فی الاُصول العملیة

بحث وتنقیح

بحث وتنقیح

‏ ‏

‏لو ترک الفحص فهل یستحقّ العقاب عند المخالفة مطلقاً ـ سواء کان بیان ؛‏‎ ‎‏بحیث لو تفحّص عنه لوقف علیه ، أم لم یکن ـ بل ولو کان هنا طریق علی ضدّ‏‎ ‎‏الواقع ؛ بحیث لو تفحّص لوصل إلی هذا الطریق المضادّ للواقع ، أو أنّه یستحقّ‏‎ ‎‏العقاب إذا ترک الفحص وخالف الواقع ، ولکنّه لو کان باحثاً عنه لوصل إلی البیان ؟‏

‏یحتمل الأوّل ؛ إمّا لأنّه خالف الواقع بلا عذر وحجّة ، ومجرّد وجود الطریق‏‎ ‎‏الموصل إلی ضدّ الواقع لایصیر عذراً إذا لم یستند العبد إلیه فی مقام العمل .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 435
‏وإمّا لأنّ العقل یحکم بلزوم الاحتیاط عند ترک الفحص ، فهذا الحکم منه‏‎ ‎‏یمکن أن یکون بیاناً وحجّة .‏

‏وإن شئت قلت : إنّ العقل یحکم علی سبیل التخییر بین الفحص والاحتیاط‏‎ ‎‏عند ترکه ، فلو فحص عن مظانّ البیان یجری البراءة العقلیة ؛ لتحقّق موضوعها‏‎ ‎‏ـ أعنی عدم البیان ـ ومع ترک الفحص یحکم بالاحتیاط فی المقام ؛ للتحفّظ علی‏‎ ‎‏الواقع ، فمخالفته مع حکمه بالاحتیاط یوجب صحّة العقوبة .‏

‏ویحتمل الثانی ؛ بأن یقال : إنّ حکم العقل بلزوم الاحتیاط قبل الفحص لیس‏‎ ‎‏لأجل التحفّظ علی الواقع مستقلّاً، بل لأجل احتمال ورود البیان فی الکتاب‏‎ ‎‏والسنّة ، والمفروض أنّه لم یرد بیان فیهما .‏

‏فترک الاحتیاط فی هذه الموارد لایوجب استحقاق العقاب ؛ لأنّ المفروض‏‎ ‎‏عدم البیان فی مظانّ وجوده الذی لأجله کان العقل یحکم بالاحتیاط ؛ فضلاً عن‏‎ ‎‏وجود الطریق المضادّ للواقع . فاستحقاقه للعقوبة مع ترک الفحص وحکم العقل‏‎ ‎‏بلزوم الاحتیاط تابع لوجود بیان واصل من المولی ؛ بحیث لو تفحّص لوصل إلیه .‏

‏وأمّا ما ذکرناه من أنّه ترک الواقع بلا حجّة فیمکن أن یدفع : بأنّه إنّما ترک‏‎ ‎‏الواقع مع وجود عذر واقعی مغفول عنه ، ومعه لایکون عاصیاً ؛ وإن کان متجرّیاً .‏

‏اللهمّ إلاّ أن یقال : إنّ العذر الواقعی المغفول عنه غیر الملتفت إلیه لیس بعذر .‏

‏والشاهد علیه : أنّه لو فرضنا أنّ شرب التتن کان حراماً واقعاً ، وقام به‏‎ ‎‏طریق ، لکنّه لو تفحّص عنه لوقف علی دلیل أرجح منه یدلّ علی حلّیته ؛ بحیث کان‏‎ ‎‏له الأخذ بالأرجح حسب القواعد الاجتهادیة ، ومعه لم یتفحّص وشربه وخالفه‏‎ ‎‏فلایمکن أن یعدّ وجود الدلیل الراجح عذراً .‏

‏والمسألة یحتاج إلی التأمّل وإمعان النظر فی مجال واسع .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 436
‏ثمّ إنّه یظهر ممّا ذکرنا من حکم العقل علی استحقاق العقاب علی ترک الواقع‏‎ ‎‏الذی ورد البیان له ؛ بحیث لو تفحّص لظفر به : أنّ المنجّز ـ بالکسر ـ هو الاحتمال ،‏‎ ‎‏والمنجّز هو الواقع . ومعنی تنجیز الواقع هو صحّة العقوبة علیه عند المخالفة .‏

‏وما اُفید فی المقام من أنّ المنجّز ـ بالفتح ـ إنّما هو الطریق ؛ قائلاً بأنّ الواقع‏‎ ‎‏غیر فعلی مع عدم وصوله ، وإنّما یصیر فعلیاً بوصوله حقیقة قد تقدّم جوابه ؛ حیث‏‎ ‎‏قلنا : إنّ الفعلیة لاتتوقّف علی علم المکلّف وقدرته ، فالواقع منجّز باحتماله‏‎[1]‎‏ .‏

‏وأمّا منجّزیة البیان ـ بالفتح ـ فممّا لا محصّل له ؛ لعدم العقاب علی التکالیف‏‎ ‎‏الطریقیة .‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 437

  • )) تقدّم فی الصفحة 426 ـ 427 .