المقصد السابع فی الاُصول العملیة

الإشکال فی الاحتیاط فیما قامت الأمارة علی خلافه

الإشکال فی الاحتیاط فیما قامت الأمارة علی خلافه

‏ ‏

‏ربّما یقال : إنّه یعتبر فی الاحتیاط فیما إذا قامت الحجّة الشرعیة علی أحد‏‎ ‎‏الطرفین أن یعمل المکلّف بمؤدّی الحجّة ، ثمّ یعقّبه بالعمل علی خلاف مقتضاه ؛‏‎ ‎‏إحرازاً للواقع . نعم فیما إذا لم یستلزم التکرار له أن یأتی بالواجب بعامّة أجزائه‏‎ ‎‏الواجبة والمحتملة .‏

‏والسرّ فیه : أنّ معنی حجّیة الطریق هو إلغاء احتمال کون مؤدّاه مخالفاً‏‎ ‎‏للواقع ، فلو قدّم فی مقام العمل علی ما قامت الحجّة علی خلافه فهو اعتناء‏‎ ‎‏لاحتمال المخالفة لا إلغاء .‏

‏وأیضاً أنّه یعتبر فی حسن الإطاعة الاحتمالیة عدم التمکّن من الإطاعة‏‎ ‎‏التفصیلیة ؛ فإنّ للإطاعة مراتب عقلاً :‏

‏الأوّل : الامتثال التفصیلی . الثانی : الامتثال الإجمالی . الثالث : الامتثال‏‎ ‎‏الظنّی . الرابع : الامتثال الاحتمالی .‏

‏ولا یجوز الانتقال من المرتبـة السابقـة إلی اللاحقـة إلاّ بعد التعذّر عن‏‎ ‎‏السابقة ؛ لأنّ حقیقة الإطاعة هی أن تکون إرادة العبد تبعاً لإرادة المولی ؛ بانبعاثه‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 422
‏عن بعثه وتحرّکه عن تحریکه ، وهذا یتوقّف علی العلم بالبعث ، ولایمکن الانبعاث‏‎ ‎‏بلا بعث واصل .‏

‏والانبعاث عن البعث المحتمل لیس فی الحقیقة انبعاثاً ، فلا تتحقّق معه‏‎ ‎‏الإطاعة ، إلاّ أنّه یتوقّف حسن ذلک علی عدم التمکّن من الانبعاث عن البعث‏‎ ‎‏المعلوم الذی هو حقیقة العبادة والطاعة‏‎[1]‎‏ .‏

وفیما ذکر مواقع للنظر :

‏منها :‏‏ أنّه إن اُرید من إلغاء احتمال الخلاف عدم جواز العمل علی الاحتمال‏‎ ‎‏المخالف ـ ولو من باب الاحتیاط ـ فهو أوّل الکلام ، وإن اُرید لزوم العمل علی‏‎ ‎‏طبقها وفرض مؤدّاه مؤدّی الواقع فهو أمر مسلّم ، ولکن لایفید ما استنتج منه القائل ،‏‎ ‎‏کما لایخفی .‏

‏وأمّا عدم جواز الاکتفاء بالاحتمال المخالف فلیس ذلک لأجل عدم جواز‏‎ ‎‏العمل بالاحتمال المخالف ، بل لأجل کونه طرداً للأمارة المعتبرة شرعاً .‏

منها :‏ لو سلّمنا أنّ معنی إلغاء احتمال الخلاف عدم جواز العمل علی طبق‏‎ ‎‏الاحتمال المخالف فالعمل علی طبقه عین الاعتناء بهذا الاحتمال ؛ سواء عمل به‏‎ ‎‏قبل العمل بمؤدّی الأمارة أم بعده ، لزم منه التکرار أولا . فلاوجه للتفصیل بینهما‏‎ ‎‏ـ کما لایخفی ـ إلاّ أن یدّعی أنّ الأدلّة الدالّة علی لزوم إلغاء احتمال الخلاف‏‎ ‎‏منصرف عن الموردین ، وهو کما تری .‏

‏وما ذکر : من أنّ العقل یستقلّ بحسن الاحتیاط بعد العمل بالوظیفة‏‎[2]‎‏ حسن ،‏‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 423
‏لکنّه مستقلّ مطلقاً لأجل إحراز الواقع ، من غیر فرق بین الصور .‏

منها :‏ أنّ ما ذکره من حدیث المراتب فی الإطاعة ممّا لا دلیل علیه ؛ فإنّ‏‎ ‎‏العقل إنّما یستقلّ بوجوب الإتیان بتمام ما وقع تحت دائرة الطلب ، مع جمیع قیوده‏‎ ‎‏وشروطه ؛ سواء أتی به بالأمر القطعی أو باحتماله . فلو احتمل وجوب الجمعة مع‏‎ ‎‏التمکّن عن العلم التفصیلی وأتی بها باحتمال الأمر صـحّ لو وافق المأتی مـع‏‎ ‎‏المأمور به .‏

وما أفاده :‏ من أنّ الإطاعة هو انبعاث العبد عن بعث المولی ، وهو لایحصل‏‎ ‎‏إلاّ بالعلم التفصیلی .‏

ممنوع ؛ إذ فیه أوّلاً :‏ ما قدّمناه‏‎[3]‎‏ من أنّ الباعث حقیقة هو المبادئ الموجودة‏‎ ‎‏فی نفس المکلّف ؛ من الخوف والرجاء ، وأمّا الأمر فلیس له شأن سوی کونه محقّقاً‏‎ ‎‏لموضوع الطاعة .‏

وثانیاً :‏ لایتوقّف عبادیة الشیء علی الأمر ؛ فضلاً عن باعثیته ؛ إذ لیست الغایة‏‎ ‎‏إطاعة أمر المولی حتّی یتوقّف علی ما ذکر ، بل الغایة کون المأتی به موافقاً لغرضه‏‎ ‎‏بما له من القیود والشروط ؛ سواء أمر به أم لم یأمر . کما إذا لم یأمر لغفلة لکن لو‏‎ ‎‏توجّه لأمر به ، کإنقاذ ولده الغریق ؛ فإنّ القیام بهذا الأمر مقرّب ومستوجب للثواب .‏‎ ‎‏ونظیره لو سقط أمر الضدّ لابتلائه بالمزاحم الأقوی ، علی القول بامتناع الترتّب .‏

وثالثاً :‏ یمکن أن یقال : إنّ الآتی بالشیء لاحتمال أمره یصدق علیه الإطاعة‏‎ ‎‏عرفاً ؛ لأنّ الباعث ـ علی أیّ حال ـ لیس هو الأمر کما تقدّم ، والمبادئ الباعثة‏‎ ‎‏موجودة فی عامّة الصور . فالمسألة واضحة .‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 424

  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 4 : 265 ـ 269 .
  • )) نفس المصدر 4 : 265 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 419 .