المقصد السابع فی الاُصول العملیة

الإشکال المختصّ بالاحتیاط فی أطراف العلم الإجمالی

الإشکال المختصّ بالاحتیاط فی أطراف العلم الإجمالی

‏ ‏

‏أمّا ما یختصّ بالاحتیاط فی أطراف العلم الإجمالی : فمنه ما یختصّ بصورة‏‎ ‎‏التکرار ، ومنه ما یعمّ .‏

أمّا الأوّل :‏ وهو الاحتیاط بتکرار العبادة مع التمکّن عن العلم التفصیلی فهو‏‎ ‎‏لعب بأمر المولی وتلاعب بتکالیفه ودستوراته ، ومعه کیف یتحقّق الإطاعة‏‎ ‎‏والعبادة ؟ !‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 419
أقول :‏ مرّ البحث حول هذا الإشکال فی مبحث القطع‏‎[1]‎‏ ، ونعید الجواب فی‏‎ ‎‏المقام : إنّ غرض المکلّف من الاحتیاط بالتکرار : إن کان سخریة المولی والتلاعب‏‎ ‎‏بأمره ـ دون الجمع بین المحتملات ـ فهو خارج عن محلّ البحث ؛ فإنّ عمله‏‎ ‎‏ـ حینئذٍ ـ باطل ، من غیر فرق بین العلم التفصیلی والإجمالی .‏

‏وأمّا إذا فرضنا أنّ غرضه الامتثال وإطاعة مولاه ، غیر أنّه یترتّب علی تکرار‏‎ ‎‏العبادة غرض عقلائی فنمنع کونه موجباً للبطلان .‏

‏بل قد قلنا فی محلّه‏‎[2]‎‏ : إنّه لو کان قاصداً للإطاعة فی الإتیان بأصل العمل‏‎ ‎‏ولاعباً فی کیفیته فیصحّ عبادته .‏

‏فلو صلّی فی رأس المنارة أو فی مکان عالٍ ؛ قاصداً الإطاعـة فی أصل‏‎ ‎‏العمل ولاعباً فی کیفیته فهو محکوم بالصحّة ؛ لکونه من الضمائم المباحة غیر‏‎ ‎‏المضرّة . فلو کانت الضمائم المباحة موجباً للبطلان یلزم بطلان أکثر العبادات ؛ إذ‏‎ ‎‏قلّما یتّفق أن یکون العبد آتیاً بجمیع الخصوصیات لأجل مولاه .‏

‏والحاصل : أنّه یکفی فی الصحّة أن یکون المحرّک فی الإتیان بأصل العمل‏‎ ‎‏الداعی الإلهی ، وأمّا الخصوصیات والضمائم الخارجة عن مصبّ الأحکام فلا یجب‏‎ ‎‏أن یکون آتیاً بها لأجله . ولایضرّ إذا کان آتیاً بها لأغراض عقلائیة أو غیر عقلائیة .‏‎ ‎‏علی أنّ التکرار لیس من الضمائم ، کما هو واضح لمن تدبّر .‏

‏وأمّا الضمائم المحرّمة فالبحث عنها وعن بیان حکمها فی محلّ آخر‏‎[3]‎‏ .‏

وأمّا الثانی : وهو ما یعمّ صورة التکرار وعدمه :‏ فهو أنّه یعتبر فی صحّة‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 420
‏العبادة قصد الوجه والجزم فی النیة ، وهو لا یحصل إلاّ مع العلم التفصیلی .‏

وفیه :‏ أنّه لادلیل عقلاً ولا شرعاً علی اعتبار قصد الوجه أو الجزم فی النیة :‏

‏أمّا الأوّل : فلأنّ الأمر لا یدعو المکلّف إلاّ إلی ما تعلّق به ؛ أعنی ما وقع‏‎ ‎‏تحت دائرة الطلب ، فلو أتی المکلّف به کالصلاة بعامّة أجزائها من التکبیر إلی‏‎ ‎‏التسلیم یسقط الأمر بها ، والمفروض أنّ قصد الوجه أو الجزم فی النیة لیسا ممّا‏‎ ‎‏تعلّق بهما الأمر . نعم قام الإجماع علی لزوم قصد التقرّب والإخلاص‏‎[4]‎‏ ، فلابدّ من‏‎ ‎‏مراعاته ، وأمّا غیره فلا .‏

‏وأوضح دلیل علی عدم اعتباره عقلاً : أنّ العقلاء لایفرّقون بین من ینبعث‏‎ ‎‏بالأمر القطعی ومن ینبعث باحتماله .‏

‏وأمّا الثانی : فالمتتبّع فی مظانّ الأدلّة لایجد أثراً منها فی محالّها .‏

‏والإجماع المدّعی من أهل المعقول والمنقول‏‎[5]‎‏ ، المؤیّد بالشهرة المحقّقة ،‏‎ ‎‏المعتضدة بما عن الرضی من أنّه اتّفقت الإمامیة علی بطلان صلاة من لایعلم‏‎ ‎‏أحکامها‏‎[6]‎‏ ، لایرجع إلی شیء ؛ لأنّ من المحتمل جدّاً أن یکون الإجماع مستنداً‏‎ ‎‏إلی حکم العقل الواضح عندهم من لزوم اعتبار قصد الوجه والجزم فی النیة ؛ لأنّ‏‎ ‎‏تحصیل الإجماع فی هذه المسألة ممّا للعقل إلیها سبیل صعب ؛ لولم یکن‏‎ ‎‏بمستحیل .‏

‏ویؤیّده : المحکی عن المحقّق الطوسی من الإجماع علی أنّ استحقاق الثواب‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 421
‏فی العبادة موقوف علی نیة الوجه‏‎[7]‎‏ ، مع وضوح أنّ کون استحقاق الثواب مسألة‏‎ ‎‏عقلیة لا شرعیة .‏

‏أضف إلی ذلک : أنّه یمکن قصد الوجه فی الشکّ البدوی والمقرون بالعلم‏‎ ‎‏الإجمالی . نعم الجزم فی النیة غیر ممکن إلاّ مع العلم التفصیلی .‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 422

  • )) تقدّم فی الجزء الثانی : 359 .
  • )) تقدّم فی الجزء الثانی : 359 .
  • )) الطهارة (تقریرات الإمام الخمینی قدس سره) الفاضل اللنکرانی : 375 .
  • )) إیضاح الفوائد 1 : 104 ، مدارک الأحکام 3 : 310 ، جواهر الکلام 9 : 156 .
  • )) اُنظر جامع المقاصد 1 : 202 ، ذخیرة المعاد : 23 / السطر 33 ، ریاض المسائل 3 : 353 ، فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشیخ الأعظم 25 : 408 .
  • )) اُنظر ذکری الشیعة 4 : 325 .
  • )) اُنظر تجرید الاعتقاد : 301 .