الإشکال المختصّ بالاحتیاط فی أطراف العلم الإجمالی
أمّا ما یختصّ بالاحتیاط فی أطراف العلم الإجمالی : فمنه ما یختصّ بصورة التکرار ، ومنه ما یعمّ .
أمّا الأوّل : وهو الاحتیاط بتکرار العبادة مع التمکّن عن العلم التفصیلی فهو لعب بأمر المولی وتلاعب بتکالیفه ودستوراته ، ومعه کیف یتحقّق الإطاعة والعبادة ؟ !
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 419
أقول : مرّ البحث حول هذا الإشکال فی مبحث القطع ، ونعید الجواب فی المقام : إنّ غرض المکلّف من الاحتیاط بالتکرار : إن کان سخریة المولی والتلاعب بأمره ـ دون الجمع بین المحتملات ـ فهو خارج عن محلّ البحث ؛ فإنّ عمله ـ حینئذٍ ـ باطل ، من غیر فرق بین العلم التفصیلی والإجمالی .
وأمّا إذا فرضنا أنّ غرضه الامتثال وإطاعة مولاه ، غیر أنّه یترتّب علی تکرار العبادة غرض عقلائی فنمنع کونه موجباً للبطلان .
بل قد قلنا فی محلّه : إنّه لو کان قاصداً للإطاعة فی الإتیان بأصل العمل ولاعباً فی کیفیته فیصحّ عبادته .
فلو صلّی فی رأس المنارة أو فی مکان عالٍ ؛ قاصداً الإطاعـة فی أصل العمل ولاعباً فی کیفیته فهو محکوم بالصحّة ؛ لکونه من الضمائم المباحة غیر المضرّة . فلو کانت الضمائم المباحة موجباً للبطلان یلزم بطلان أکثر العبادات ؛ إذ قلّما یتّفق أن یکون العبد آتیاً بجمیع الخصوصیات لأجل مولاه .
والحاصل : أنّه یکفی فی الصحّة أن یکون المحرّک فی الإتیان بأصل العمل الداعی الإلهی ، وأمّا الخصوصیات والضمائم الخارجة عن مصبّ الأحکام فلا یجب أن یکون آتیاً بها لأجله . ولایضرّ إذا کان آتیاً بها لأغراض عقلائیة أو غیر عقلائیة . علی أنّ التکرار لیس من الضمائم ، کما هو واضح لمن تدبّر .
وأمّا الضمائم المحرّمة فالبحث عنها وعن بیان حکمها فی محلّ آخر .
وأمّا الثانی : وهو ما یعمّ صورة التکرار وعدمه : فهو أنّه یعتبر فی صحّة
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 420
العبادة قصد الوجه والجزم فی النیة ، وهو لا یحصل إلاّ مع العلم التفصیلی .
وفیه : أنّه لادلیل عقلاً ولا شرعاً علی اعتبار قصد الوجه أو الجزم فی النیة :
أمّا الأوّل : فلأنّ الأمر لا یدعو المکلّف إلاّ إلی ما تعلّق به ؛ أعنی ما وقع تحت دائرة الطلب ، فلو أتی المکلّف به کالصلاة بعامّة أجزائها من التکبیر إلی التسلیم یسقط الأمر بها ، والمفروض أنّ قصد الوجه أو الجزم فی النیة لیسا ممّا تعلّق بهما الأمر . نعم قام الإجماع علی لزوم قصد التقرّب والإخلاص ، فلابدّ من مراعاته ، وأمّا غیره فلا .
وأوضح دلیل علی عدم اعتباره عقلاً : أنّ العقلاء لایفرّقون بین من ینبعث بالأمر القطعی ومن ینبعث باحتماله .
وأمّا الثانی : فالمتتبّع فی مظانّ الأدلّة لایجد أثراً منها فی محالّها .
والإجماع المدّعی من أهل المعقول والمنقول ، المؤیّد بالشهرة المحقّقة ، المعتضدة بما عن الرضی من أنّه اتّفقت الإمامیة علی بطلان صلاة من لایعلم أحکامها ، لایرجع إلی شیء ؛ لأنّ من المحتمل جدّاً أن یکون الإجماع مستنداً إلی حکم العقل الواضح عندهم من لزوم اعتبار قصد الوجه والجزم فی النیة ؛ لأنّ تحصیل الإجماع فی هذه المسألة ممّا للعقل إلیها سبیل صعب ؛ لولم یکن بمستحیل .
ویؤیّده : المحکی عن المحقّق الطوسی من الإجماع علی أنّ استحقاق الثواب
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 421
فی العبادة موقوف علی نیة الوجه ، مع وضوح أنّ کون استحقاق الثواب مسألة عقلیة لا شرعیة .
أضف إلی ذلک : أنّه یمکن قصد الوجه فی الشکّ البدوی والمقرون بالعلم الإجمالی . نعم الجزم فی النیة غیر ممکن إلاّ مع العلم التفصیلی .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 422