الإشکال فی مطلق الاحتیاط
أمّا الإشکال علی مطلق الاحتیاط : فربّما یقال إنّ الإطاعة عبارة عن انبعاث العبد ببعث المولی ؛ لعدم صدق الإطاعة علی غیر ذلک . وإن شئت قلت : الإطاعة عبارة عن کون أمره داعیاً إلی الإتیان بالمأمور به ، وصیرورة العبد متحرّکاً بتحریکه .
والمحرّک فی الشبهة البدویة لیس أمره وبعثه ، بل احتمال أمره وبعثه ؛ سواء کان فی الواقع أمر أم لا . وما هو الموضوع لانبعاثه لیس إلاّ نفس الاحتمال ، من غیر دخالة لمحتمله فی البعث . والشاهد علیه : انبعاثه ؛ وإن لم یکن فی نفس الأمر بعث .
وبعبارة اُخری : أنّ الباعث إنّما هو الصورة الذهنیة من الأمر القائم بالنفس ، من غیر دخالة لوجودها الواقعی فی الانبعاث ، وهذا لایکفی فی تحقّق الإطاعة .
أقول : مرّ الإیعاز إلی هذا الإشکال فی مبحث القطع ، وأوضحنا حاله هناک ، وقد فصّلنا الکلام فی دفعه فی الدورة السابقة ، ولأجل ذلک نکتفی فی المقام بما یلی :
إنّ الإطاعة والعصیان من الاُمور العقلائیة ، ولایتوقّف تحقّق الإطاعة علی کون انبعاثه عن أمره وبعثه ، بل یکفی فی ذلک أن یکون العبد آتیاً بالشیء لأجله تعالی ؛ متقرّباً بعمله راجیاً الوصول إلی أغراضه ، وهو محقّق مطلقاً ؛ سواء کان عالماً بالأمر أو محتملاً .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 418
والحاصل : أنّ عبادیة العبادة لایتوقّف علی ما ذکره ، بل یکفی ما ذکرنا .
علی أنّ الانبعاث مطلقاً لیس من أمره ؛ فإنّ علّة الانبعاث إنّما هو المبادئ الموجودة فی نفس المطیع ـ من الطمع فی رضوانه والخوف من ناره وعقابه ـ وأمّا الأمر فلیس له شأن سوی أنّه محقّق لموضوع الإطاعة .
علی أنّ المنبعث عن احتمال الأمر أولی بکونه مطیعاً ممّن لاینبعث إلاّ عن الأمر القطعی ؛ فإنّ الانبعاث عن احتماله کاشف عن قوّة المبادئ الباعثة إلی الإطاعة فی نفس المطیع ؛ من الإقرار بعظمته والخضوع لدیه .
هذا ، ولا أظنّ أنّ المقام یحتاج إلی أزید من هذا .
علی أنّ مساق الإشکال کونه وارداً علی مطلق الاحتیاط ؛ بحیث یعمّ أطراف العلم الإجمالی ، ولکنّک عرفت فی مبحث القطع : أنّ الباعث إلی الإتیان بالأطراف إنّما هو البعث القطعی التفصیلی المردّد بین تعلّقه لهذا أو ذاک ، والإجمال إنّما هو فی المتعلّق ، فراجع .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 419