النسبة بین «لا تعاد» وحدیث «من زاد»
وأمّا توضیح نسبة القاعدة مع روایة أبی بصیر ، فنقول :
إمّا أن نقول بأنّ کلّاً من المستثنی والمستثنی منه جملتان مستقلّتان یقاس کلّ منهما بالنسبة إلی غیره ، بعد ورود الاستثناء علی المستثنی منه ، ولکلّ واحد ظهوره .
أو نقول : إنّهما جملة واحدة ولها ظهور واحد ؛ بأن یکون الحدیث کقضیة مردّدة المحمول ، فیکون الملحوظ فیها جمیع الأجزاء والشرائط ؛ وإن اختلف حکمها ، فتدبّر .
فعلی الأوّل : فالنسبة بین مفاد القاعدة فی ناحیة المستثنی منه وحدیث أبی بصیر عموم وخصوص من وجه ؛ لأنّ القاعدة تشمل الزیادة والنقیصة ، ولا تشمل الأرکان ؛ لورود الاستثناء علیه ، ولا یشملها المستثنی منـه . وشمول المستثنی علیها أجنبی عـن المستثنی منه ؛ لأنّ المفروض لحاظ کـلّ واحـد مستقلّاً بعـد الاستثناء .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 380
وقوله علیه السلام فی روایة أبی بصیر : «من زاد فی صلاته . . .» إلی آخره یعمّ الأرکان وغیرها ، ویختصّ بالزیادة ، فیتعارضان فی زیادة ما عدا الخمسة ؛ أی فی زیادة ما لیس برکن .
وعلی الثانی : فإن قلنا بأنّ روایة أبی بصیر عامّ یشمل العمد وغیره فالنسبة أیضاً عموم من وجه ؛ لأنّ القاعدة تشمل الزیادة والنقیصة ، ولا تشمل الزیادة العمدیة ، کما لا تشمل النقیصة العمدیة . والحدیث یختصّ بالزیادة ، ولکنّه أعمّ من العمد وغیره ، فیتعارضان فی الزیادة غیر العمدیة .
وإن قلنا بعدم شمول الحدیث للزیادة العمدیة ، کما هو المناسب لوضع المصلّی القاصد لإفراغ ذمّته ، بل یستحیل إتیانها بعنوان أنّها من الصلاة ، مع العلم بأنّها لیس منها فالنسبة عموم وخصوص مطلق ، فیختصّ الحدیث بالزیادة . ولکن القاعدة تعمّ الزیادة والنقیصة ، فتخصّص بالحدیث ، وینحصر موردها بالنقیصة ، ویکون الزیادة موجبة للبطلان بمقتضی الدلیل .
ثمّ إنّه علی القول بأنّ النسبة بینهما عموم من وجه بأحد الطریقین فقد اختلف أنظارهم فی تقدیم أحدهما علی الآخر ؛ فربّما یقال بتقدیم القاعدة علی قوله علیه السلام : «من زاد فی صلاته . . .» إلی آخره ، وغیره ممّا یدلّ علی بطلان الصلاة بالزیادة ؛ لحکومتها علیه کحکومتها علی سائر أدلّة الأجزاء والشرائط . واختاره الشیخ الأعظم وغیره ؛ تبعاً له .
فقد قیل فی وجه حکومته علی أدلّة الأجزاء والشرائط والموانع ـ التی منها
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 381
هذه الأخبار الدالّة علی مانعیة الزیادة ـ بأنّ لسان القاعدة هو قصر الجزئیة والشرطیة والمانعیة بغیر صورة النسیان ، ومن المعلوم أنّه لا تلاحظ النسبة بین الحاکم والمحکوم .
وإن شئت قلت : إنّ قوله علیه السلام : «من زاد فی صلاته» إلی آخره بصدد بیان کون الصلاة متقیّدة بعدم الزیادة . فوزانه وزان سائر ما دلّ علی جزئیة شیء أو شرطیته أو مانعیته .
وأمّا القاعدة فهی ناظرة إلی تحدید دائرة الأجزاء والشرائط والموانع ؛ بأنّ الزیادة والنقیصة لاتوجب الإعادة إذا کان عن سهو ، فهی حاکمة علی کلّ ما دلّ علی الشرطیة والمانعیة والجزئیة .
وفیه : أنّ ما دلّ من الأدلّة علی لزوم الإعادة بالزیادة وإن کان یدلّ علی تقیّد الصلاة بعدم الزیادة أو مانعیة الزیادة بوجودها ـ علی اختلاف فی معنی المانعیة ـ إلاّ أنّ الحکومة قائمة باللسان ، ولسان الدلیلین واحد ؛ فإنّ میزان الحکومة تعرّض أحد الدلیلین لما لم یتعرّض له الآخر ، کما سیوافیک شرحه .
ومن الواضح : أنّ لسان «لاتعاد» ولسان «علیه الإعادة» واحد ، ولیس أحدهما متعرّضاً لما لم یتعرّض له الآخر .
وإن شئت فلاحظ قول القائل فی بیان عدّ أجزاء المأمور به من أنّ الفاتحة جزء والسورة جزء ، مع قوله علیه السلام : «من زاد فی صلاته» ؛ فإنّ الأوّل بصدد بیان أصل الجزئیة ، من غیر تعرّض لحال ترکها أو زیادتها ، بخلاف الثانی فإنّه متعرّض
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 382
لحال زیادة الجزء ، فهو حاکم علیه ، کما أنّ لاتعاد متعرّض لحال الزیادة والنقیصة .
فلسان الدلیلین واحد ، والدلیلان قد تعرّض کلّ منهما لما تعرّض الآخر له ، وینفی أحدهما ما یثبته الآخر ، مع وحدة الموضوع والمحمول ، ولابدّ من العلاج من ناحیة اُخری .
ویمکن أن یقال : إنّ الوجه لتقدیم القاعدة اشتمالها علی الحصر المستفاد من الاستثناء ، وهو موجب لقوّة الدلالة ، ولاشتمالها علی تعلیل الحکم بقوله علیه السلام : «القراءة سنّة ، والتشهّد سنّة ، ولاینقض السنّة الفریضة» .
وإن شئت قلت : إنّ التعلیل مشتمل علی ملاک الحکومة ؛ وهو تعرّض أحد الدلیلین لسلسلة علل الحکم ؛ أعنی الإعادة ، فإنّ الإعادة بالزیادة إنّما هو لورود نقص علی الصلاة لأجل الزیادة ، فإذا قیل : «لاتنقض الصلاة لأجل الزیادة» ینهدم علّة الإعادة ، فهی هادمة لما یوجب الإعادة ، ومعدمة لموجبها ؛ أعنی النقص .
فإن قلت : تقدیم القاعدة علی قوله علیه السلام : «من زاد . . .» إلی آخره یستلزم إشکالاً آخر ؛ وهو أنّ الحدیث «من زاد» حینئذٍ یختصّ بالزیادة فی الخمسة ، ومن المعلوم أنّ الزیادة لاتتصوّر فی غیر السجود والرکوع ، والزیادة العمدیة فیهما ـ علی تقدیر شمول الحدیث لها ـ نادر جدّاً .
ومن البعید تأسیس قاعدة کلّیة بقوله : «من زاد فی صلاته . . .» إلی آخره لأجل الزیادة فی الرکوع والسجود ؛ لاسیّما للزیادة السهویة منهما ، وهذا عین تخصیص الأکثر . فالأولی أن یقال : إنّ قاعدة لاتعاد شموله للزیادة ضعیف جدّاً ؛ حتّی أنکره بعض الفحول ، وادّعی ظهوره فی النقیصة . فتحمل القاعدة علی النقیصـة حملاً للظاهـر علی الأظهر ، فتبقی الزیادة موجبـة للبطلان مطلقاً ؛ فی
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 383
الرکـن وغیره ، عمداً کان أو سهواً .
قلت : ما ذکـر أخیراً مـن الحمل مخالف لفتاوی الأصحاب ، ولا مناص فی حلّ العقدة عن الالتجاء إمّا إلی حمل الحدیث «من زاد» علی زیادة الرکن أو إلی مـا ذکـره شیخنا العلاّمـة مـن حمل الحدیث «من زاد» علی زیادة الرکعـة ؛ وإن ضعّفناه فی حدّ نفسه سابقاً ، فراجع .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 384