المقصد السابع فی الاُصول العملیة

النسبة بین «لا تعاد» وحدیث «من زاد»

النسبة بین «لا تعاد» وحدیث «من زاد»

‏ ‏

‏وأمّا توضیح نسبة القاعدة مع روایة أبی بصیر ، فنقول :‏

إمّا أن نقول‏ بأنّ کلّاً من المستثنی والمستثنی منه جملتان مستقلّتان یقاس کلّ‏‎ ‎‏منهما بالنسبة إلی غیره ، بعد ورود الاستثناء علی المستثنی منه ، ولکلّ واحد‏‎ ‎‏ظهوره .‏

أو نقول :‏ إنّهما جملة واحدة ولها ظهور واحد ؛ بأن یکون الحدیث کقضیة‏‎ ‎‏مردّدة المحمول ، فیکون الملحوظ فیها جمیع الأجزاء والشرائط ؛ وإن اختلف‏‎ ‎‏حکمها ، فتدبّر .‏

فعلی الأوّل :‏ فالنسبة بین مفاد القاعدة فی ناحیة المستثنی منه وحدیث‏‎ ‎‏أبی بصیر عموم وخصوص من وجه ؛ لأنّ القاعدة تشمل الزیادة والنقیصة ،‏‎ ‎‏ولا تشمل الأرکان ؛ لورود الاستثناء علیه ، ولا یشملها المستثنی منـه . وشمول‏‎ ‎‏المستثنی علیها أجنبی عـن المستثنی منه ؛ لأنّ المفروض لحاظ کـلّ واحـد مستقلّاً‏‎ ‎‏بعـد الاستثناء .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 380
‏وقوله ‏‏علیه السلام‏‏ فی روایة أبی بصیر : ‏«من زاد فی صلاته . . .»‏ إلی آخره یعمّ‏‎ ‎‏الأرکان وغیرها ، ویختصّ بالزیادة ، فیتعارضان فی زیادة ما عدا الخمسة ؛ أی فی‏‎ ‎‏زیادة ما لیس برکن .‏

وعلی الثانی :‏ فإن قلنا بأنّ روایة أبی بصیر عامّ یشمل العمد وغیره فالنسبة‏‎ ‎‏أیضاً عموم من وجه ؛ لأنّ القاعدة تشمل الزیادة والنقیصة ، ولا تشمل الزیادة‏‎ ‎‏العمدیة ، کما لا تشمل النقیصة العمدیة . والحدیث یختصّ بالزیادة ، ولکنّه أعمّ من‏‎ ‎‏العمد وغیره ، فیتعارضان فی الزیادة غیر العمدیة .‏

‏وإن قلنا بعدم شمول الحدیث للزیادة العمدیة ، کما هو المناسب لوضع‏‎ ‎‏المصلّی القاصد لإفراغ ذمّته ، بل یستحیل إتیانها بعنوان أنّها من الصلاة ، مع العلم‏‎ ‎‏بأنّها لیس منها فالنسبة عموم وخصوص مطلق ، فیختصّ الحدیث بالزیادة . ولکن‏‎ ‎‏القاعدة تعمّ الزیادة والنقیصة ، فتخصّص بالحدیث ، وینحصر موردها بالنقیصة ،‏‎ ‎‏ویکون الزیادة موجبة للبطلان بمقتضی الدلیل .‏

ثمّ‏ إنّه علی القول بأنّ النسبة بینهما عموم من وجه بأحد الطریقین فقد‏‎ ‎‏اختلف أنظارهم فی تقدیم أحدهما علی الآخر ؛ فربّما یقال بتقدیم القاعدة علی‏‎ ‎‏قوله ‏‏علیه السلام‏‏ : ‏«من زاد فی صلاته . . .»‏ إلی آخره ، وغیره ممّا یدلّ علی بطلان الصلاة‏‎ ‎‏بالزیادة ؛ لحکومتها علیه کحکومتها علی سائر أدلّة الأجزاء والشرائط . واختاره‏‎ ‎‏الشیخ الأعظم‏‎[1]‎‏ وغیره‏‎[2]‎‏ ؛ تبعاً له .‏

‏فقد قیل فی وجه حکومته علی أدلّة الأجزاء والشرائط والموانع ـ التی منها‏‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 381
‏هذه الأخبار الدالّة علی مانعیة الزیادة ـ بأنّ لسان القاعدة هو قصر الجزئیة‏‎ ‎‏والشرطیة والمانعیة بغیر صورة النسیان ، ومن المعلوم أنّه لا تلاحظ النسبة بین‏‎ ‎‏الحاکم والمحکوم‏‎[3]‎‏ .‏

‏وإن شئت قلت : إنّ قوله ‏‏علیه السلام‏‏ : ‏«من زاد فی صلاته»‏ إلی آخره بصدد بیان‏‎ ‎‏کون الصلاة متقیّدة بعدم الزیادة . فوزانه وزان سائر ما دلّ علی جزئیة شیء أو‏‎ ‎‏شرطیته أو مانعیته .‏

‏وأمّا القاعدة فهی ناظرة إلی تحدید دائرة الأجزاء والشرائط والموانع ؛ بأنّ‏‎ ‎‏الزیادة والنقیصة لاتوجب الإعادة إذا کان عن سهو ، فهی حاکمة علی کلّ ما دلّ‏‎ ‎‏علی الشرطیة والمانعیة والجزئیة .‏

‏وفیه : أنّ ما دلّ من الأدلّة علی لزوم الإعادة بالزیادة وإن کان یدلّ علی تقیّد‏‎ ‎‏الصلاة بعدم الزیادة أو مانعیة الزیادة بوجودها ـ علی اختلاف فی معنی المانعیة ـ‏‎ ‎‏إلاّ أنّ الحکومة قائمة باللسان ، ولسان الدلیلین واحد ؛ فإنّ میزان الحکومة تعرّض‏‎ ‎‏أحد الدلیلین لما لم یتعرّض له الآخر ، کما سیوافیک شرحه‏‎[4]‎‏ .‏

‏ومن الواضح : أنّ لسان «لاتعاد» ولسان «علیه الإعادة» واحد ، ولیس‏‎ ‎‏أحدهما متعرّضاً لما لم یتعرّض له الآخر .‏

‏وإن شئت فلاحظ قول القائل فی بیان عدّ أجزاء المأمور به من أنّ الفاتحة‏‎ ‎‏جزء والسورة جزء ، مع قوله  ‏‏علیه السلام‏‏ : ‏«من زاد فی صلاته»‏ ؛ فإنّ الأوّل بصدد بیان‏‎ ‎‏أصل الجزئیة ، من غیر تعرّض لحال ترکها أو زیادتها ، بخلاف الثانی فإنّه متعرّض‏‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 382
‏لحال زیادة الجزء ، فهو حاکم علیه ، کما أنّ لاتعاد متعرّض لحال الزیادة والنقیصة .‏

‏فلسان الدلیلین واحد ، والدلیلان قد تعرّض کلّ منهما لما تعرّض الآخر له ،‏‎ ‎‏وینفی أحدهما ما یثبته الآخر ، مع وحدة الموضوع والمحمول ، ولابدّ من العلاج من‏‎ ‎‏ناحیة اُخری .‏

‏ویمکن أن یقال : إنّ الوجه لتقدیم القاعدة اشتمالها علی الحصر المستفاد من‏‎ ‎‏الاستثناء ، وهو موجب لقوّة الدلالة ، ولاشتمالها علی تعلیل الحکم بقوله ‏‏علیه السلام‏‏ :‏‎ ‎«القراءة سنّة ، والتشهّد سنّة ، ولاینقض السنّة الفریضة»‏ .‏

‏وإن شئت قلت : إنّ التعلیل مشتمل علی ملاک الحکومة ؛ وهو تعرّض أحد‏‎ ‎‏الدلیلین لسلسلة علل الحکم ؛ أعنی الإعادة ، فإنّ الإعادة بالزیادة إنّما هو لورود‏‎ ‎‏نقص علی الصلاة لأجل الزیادة ، فإذا قیل : «لاتنقض الصلاة لأجل الزیادة» ینهدم‏‎ ‎‏علّة الإعادة ، فهی هادمة لما یوجب الإعادة ، ومعدمة لموجبها ؛ أعنی النقص .‏

فإن قلت :‏ تقدیم القاعدة علی قوله ‏‏علیه السلام‏‏ : ‏«من زاد . . .»‏ إلی آخره یستلزم‏‎ ‎‏إشکالاً آخر ؛ وهو أنّ الحدیث ‏«من زاد»‏ حینئذٍ یختصّ بالزیادة فی الخمسة ، ومن‏‎ ‎‏المعلوم أنّ الزیادة لاتتصوّر فی غیر السجود والرکوع ، والزیادة العمدیة فیهما ـ علی‏‎ ‎‏تقدیر شمول الحدیث لها ـ نادر جدّاً .‏

‏ومن البعید تأسیس قاعدة کلّیة بقوله : ‏«من زاد فی صلاته . . .»‏ إلی آخره‏‎ ‎‏لأجل الزیادة فی الرکوع والسجود ؛ لاسیّما للزیادة السهویة منهما ، وهذا عین‏‎ ‎‏تخصیص الأکثر . فالأولی أن یقال : إنّ قاعدة لاتعاد شموله للزیادة ضعیف جدّاً ؛‏‎ ‎‏حتّی أنکره بعض الفحول ، وادّعی ظهوره فی النقیصة‏‎[5]‎‏ . فتحمل القاعدة علی‏‎ ‎‏النقیصـة حملاً للظاهـر علی الأظهر ، فتبقی الزیادة موجبـة للبطلان مطلقاً ؛ فی‏‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 383
‏الرکـن وغیره ، عمداً کان أو سهواً .‏

قلت :‏ ما ذکـر أخیراً مـن الحمل مخالف لفتاوی الأصحاب‏‎[6]‎‏ ، ولا مناص‏‎ ‎‏فی حلّ العقدة عن الالتجاء إمّا إلی حمل الحدیث ‏«من زاد»‏ علی زیادة الرکن أو‏‎ ‎‏إلی مـا ذکـره شیخنا العلاّمـة مـن حمل الحدیث ‏«من زاد»‏ علی زیادة الرکعـة‏‎[7]‎‏ ؛‏‎ ‎‏وإن ضعّفناه فی حدّ نفسه سابقاً‏‎[8]‎‏ ، فراجع .‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 384

  • )) فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشیخ الأعظم 25 : 385 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 4 : 238 ـ 239 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 4 : 239 .
  • )) الاستصحاب ، الإمام الخمینی قدس سره : 234 .
  • )) الصلاة ، المحقّق الحائری : 319 .
  • )) راجع مستند الشیعة 7 : 126 ، جواهر الکلام 12 : 250 .
  • )) الصلاة ، المحقّق الحائری : 312 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 375 .