المقصد السابع فی الاُصول العملیة

بیان مفاد قاعدة «لا تعاد»

بیان مفاد قاعدة «لا تعاد»

‏ ‏

‏وقبل بیان النسبة لابدّ من توضیح مفاد القاعدة ، فنقول :‏

لا إشکال‏ فی أنّها منصرفة عن العمد ؛ وإن لا مانع عقلاً من شموله ؛ لإمکان‏‎ ‎‏أن یکون الإتیان بالخمسة موجباً لاستیفاء مرتبة من المصلحة ممّا لایبقی معها‏‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 376
‏مجال لاستیفائها مع الإعادة مع سائر الأجزاء ، ولا یلزم منه محذور کما توهّم .‏

کما أنّه لا إشکال‏ فی شموله لنسیان الموضوع والجهل به جهلاً مرکّباً .‏

وأمّا شمولها‏ للموضوع المجهول ـ جهلاً بسیطاً ـ أو الحکم المجهول مطلقاً‏‎ ‎‏أو لنسیانه ‏ففیه خلاف :

‏وادّعی شیخنا العلاّمة :‏‏ عدم الشمول ، وأوضح مرامه بمقدّمتین :‏

‏الاُولی : أنّ ظاهر قوله ‏‏علیه السلام‏‏ : ‏«لا تعاد»‏ هو الصحّة الواقعیة ، وکون الناقص‏‎ ‎‏مصداقاً واقعیاً لامتثال أمر الصلاة . ویؤیّده الأخبار الواردة فی نسیان الحمد إلی أن‏‎ ‎‏رکع ؛ فإنّها دالّة علی تمامیة الصلاة ، وقد قرّر فی محلّه إمکان تخصیص الساهی‏‎ ‎‏بتکلیف خاصّ .‏

‏الثانیة : أنّ الظاهر من الصحیحة أنّ الحکم إنّما یکون بعد الفراغ من الصلاة .‏

‏وإن أبیت من ذلک : فلابدّ من اختصاصها بصورةٍ لا یمکن تدارک المتروک ،‏‎ ‎‏کمن نسی القراءة ولم یذکر حتّی رکع ، فتختصّ بمن یجوز له الدخول فی الصلاة ثمّ‏‎ ‎‏تبیّن الخلل فی شیء من الأجزاء والشرائط .‏

‏فالعامد الملتفت خارج من مصبّ الروایة ، کالشاکّ فی وجوب الشیء ،‏‎ ‎‏وکذلک الشاکّ فی وجود الشرط بعد الفراغ عن شرطیته . فلا یجوز للشاکّ فی‏‎ ‎‏وجوب الحمد ـ مثلاً ـ الدخول فی الصلاة ؛ تارکاً للحمد بقصد الامتثال ؛ مستدلّاً‏‎ ‎‏بالروایة .‏

‏نعم ، لو اعتقد عدم وجوب الشیء أو کان ناسیاً لحکم شیء من الجزئیة‏‎ ‎‏یمکن توهّم شمول الصحیحة .‏

‏لکن یدفعه : ما فی المقدّمة الاُولی من أنّ ظاهرها الحکم بصحّة العمل واقعاً ،‏‎ ‎‏ومقتضاها عدم کون المتروک جزءً أو شرطاً . ولا یمکن تقیید الجزئیة أو الشرطیة‏‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 377
‏بالعلم بهما ؛ بحیث لو صار عالماً بعدمهما بالجهل المرکّب لما کان الجزء جزءً . نعم‏‎ ‎‏یمکن علی نحو التصویب الذی ادّعی الإجماع علی خلافه .‏

‏فظهر : أنّ الأقسام المتوهّم وقوعها فی الصحیحة بعضها خارج من مصبّ‏‎ ‎‏الروایة وبعضها خارج من جهة اُخری :‏

‏الأوّل : مثل الجاهل البسیط بالحکم أو الموضوع ؛ فإنّ الأوّل یجب علیه‏‎ ‎‏التعلّم ، والثانی مرجعه إلی القواعد المقرّرة للشاکّ .‏

‏والثانی : مثل الجاهل المرکّب بالنسبة إلی الحکم الشرعی ، مثل الجزئیة‏‎ ‎‏والشرطیة ؛ فإنّ الحکم بعدم الجزئیة ـ حینئذٍ ـ یستلزم التصویب ، والقدر المتیقّن هو‏‎ ‎‏السهو والنسیان والجهل المرکّب بالموضوع‏‎[1]‎‏ ، انتهی کلامه .‏

وفی کلتا المقدّمتین نظر :

‏أمّا الاُولی :‏‏ فلأنّ قوله ‏‏علیه السلام‏‏ فی ذیل الروایة : ‏«القراءة سنّة والتشهّـد سنّة‏ ‏،‎ ‎ولا تنقض السنّة الفریضة»‏ ظاهر فی أنّ الوجه فی عدم الإعادة هو أنّ الفرائض‏‎ ‎‏لاتنقضها السنن ، وأنّ الصلاة مع کونها ناقصة الأجزاء والشرائط مسقط للأمر ؛‏‎ ‎‏لاشتمالها علی الفرائض ، فهی لاتدلّ علی تمامیة الصلاة حتّی یستلزم التمامیة‏‎ ‎‏التصویب فی بعض الموارد ، بل یدلّ علی الاکتفاء بالناقص وتقبله عن الکاملة . نعم ،‏‎ ‎‏لا مضایقة بهذا المعنی ، لکنّه لا یفیده ولا ینتج له .‏

وأمّا الثانیة :‏ فلخروج العامد والشاکّ الملتفت وجه ؛ لعدم مجوّز لدخولهما‏‎ ‎‏فی الصلاة ، وأمّا غیرهما فلا وجه لخروجه مع وجود المجوّز لدخوله .‏

‏وأمّا التمسّک بالتصویب ـ علی تقدیر الشمول ـ فغیر تامّ ؛ فإنّ التصویب بهذا‏‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 378
‏المعنی ؛ بأن یختصّ فعلیة حکم الجزء والشرط بالعالم دون من لم یقم عنده أمارة‏‎ ‎‏علی الجزئیة والشرطیة ، أو قامت وحصل له عذر من نسیان حکمه وغیر ذلک ، مع‏‎ ‎‏اشتراک الکلّ فی الأحکام الواقعیة ممّا لم یقم دلیل علی بطلانه ، والتصویب الباطل‏‎ ‎‏غیر هذا ؛ إذ هو نفی الحکم فی حقّ الناسی والجاهل من رأس .‏

فظهر :‏ أنّ الظاهر شمولها لعامّة الأقسام إلاّ العامد والجاهل الملتفت ، کما أنّ‏‎ ‎‏الظاهر شمولها للزیادة والنقیصة ؛ بمعنی أنّه لایختلّ أمر الصلاة من جهة الزیادة أو‏‎ ‎‏النقیصة ، إلاّ من قبل الخمسة ؛ زیادة ونقیصة .‏

‏وعدم تصوّر الزیادة فی بعض الأقسام لایضرّ بالظهور ، فالزیادة داخلة فی‏‎ ‎‏النفی والإثبات .‏

وأمّا ما احتمله شیخنا العلاّمة ‏رحمه الله‏‏ من اختصاص القاعدة بالنقیصة أو بالنقیصة‏‎ ‎‏فی المستثنی دون المستثنی منه حتّی تصیر الزیادة فی الخمسة داخلة فی المستثنی‏‎ ‎‏منه ، ولا یجب الإعادة فی زیادتها ـ وإن کانت یجب فی نقصها ـ بتقریب أنّ الزیادة‏‎ ‎‏بما هی هی لیست مبطلة ، بل لأجل شرطیة عدمها فی الصلاة .‏

‏فلو زاد فی صلاته بتکرار الرکوع فقد نقص من صلاته شیئاً ، وقد عرفت أنّ‏‎ ‎‏الصلاة لاتبطل من جهة النقیصة إلاّ من خمسة ، وهذه النقیصة ـ أعنی فقدان العدم‏‎ ‎‏المشترط ـ لیس من تلک الخمس ، فلا تجب الإعادة من زیادة الخمس‏‎[2]‎‏ .‏

فمدفوع :‏ بأنّه خلط بین حکم العرف والعقل ؛ فإنّ الزیادة فی الماهیة‏‎ ‎‏بشرط لا مضرّة عرفاً بما أنّها زیادة فیها ؛ وإن کانت راجعة إلی النقیصة عقلاً . فإذا‏‎ ‎‏قیل : «إنّ الصلاة أوّلها التکبیر وآخرها التسلیم ، من غیر زیادة ونقیصة» تکون‏‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 379
‏الزیادة مخلّة بها عرفاً ، من غیر توجّه إلی أنّ العقل بحسب الدقّة یحکم بأنّ عدم‏‎ ‎‏الزیادة من قیود المأمور به ، وترجح الزیادة إلی النقصان ، کما یشهد بذلک التعبیر فی‏‎ ‎‏الروایات بالزیادة فی المکتوبة .‏

‏فإذا قیل : ‏«لاتعاد الصلاة إلاّ من خمسة»‏ یکون ظهوره العرفی أنّ الزیادة‏‎ ‎‏والنقیصة الواردتین علیها من قِبل غیر الخمسة لاتوجبان الإعادة ، بخلاف الخمسة ؛‏‎ ‎‏فإنّ زیادتها أو نقیصتها مخلّة ، من غیر توجّه إلی الحکم العقلی المذکور .‏

هذا مفاد القاعدة‏ .‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 380

  • )) الصلاة ، المحقّق الحائری : 315 ـ 317 .
  • )) الصلاة ، المحقّق الحائری : 319 .