بیان مفاد قاعدة «لا تعاد»
وقبل بیان النسبة لابدّ من توضیح مفاد القاعدة ، فنقول :
لا إشکال فی أنّها منصرفة عن العمد ؛ وإن لا مانع عقلاً من شموله ؛ لإمکان أن یکون الإتیان بالخمسة موجباً لاستیفاء مرتبة من المصلحة ممّا لایبقی معها
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 376
مجال لاستیفائها مع الإعادة مع سائر الأجزاء ، ولا یلزم منه محذور کما توهّم .
کما أنّه لا إشکال فی شموله لنسیان الموضوع والجهل به جهلاً مرکّباً .
وأمّا شمولها للموضوع المجهول ـ جهلاً بسیطاً ـ أو الحکم المجهول مطلقاً أو لنسیانه ففیه خلاف :
وادّعی شیخنا العلاّمة : عدم الشمول ، وأوضح مرامه بمقدّمتین :
الاُولی : أنّ ظاهر قوله علیه السلام : «لا تعاد» هو الصحّة الواقعیة ، وکون الناقص مصداقاً واقعیاً لامتثال أمر الصلاة . ویؤیّده الأخبار الواردة فی نسیان الحمد إلی أن رکع ؛ فإنّها دالّة علی تمامیة الصلاة ، وقد قرّر فی محلّه إمکان تخصیص الساهی بتکلیف خاصّ .
الثانیة : أنّ الظاهر من الصحیحة أنّ الحکم إنّما یکون بعد الفراغ من الصلاة .
وإن أبیت من ذلک : فلابدّ من اختصاصها بصورةٍ لا یمکن تدارک المتروک ، کمن نسی القراءة ولم یذکر حتّی رکع ، فتختصّ بمن یجوز له الدخول فی الصلاة ثمّ تبیّن الخلل فی شیء من الأجزاء والشرائط .
فالعامد الملتفت خارج من مصبّ الروایة ، کالشاکّ فی وجوب الشیء ، وکذلک الشاکّ فی وجود الشرط بعد الفراغ عن شرطیته . فلا یجوز للشاکّ فی وجوب الحمد ـ مثلاً ـ الدخول فی الصلاة ؛ تارکاً للحمد بقصد الامتثال ؛ مستدلّاً بالروایة .
نعم ، لو اعتقد عدم وجوب الشیء أو کان ناسیاً لحکم شیء من الجزئیة یمکن توهّم شمول الصحیحة .
لکن یدفعه : ما فی المقدّمة الاُولی من أنّ ظاهرها الحکم بصحّة العمل واقعاً ، ومقتضاها عدم کون المتروک جزءً أو شرطاً . ولا یمکن تقیید الجزئیة أو الشرطیة
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 377
بالعلم بهما ؛ بحیث لو صار عالماً بعدمهما بالجهل المرکّب لما کان الجزء جزءً . نعم یمکن علی نحو التصویب الذی ادّعی الإجماع علی خلافه .
فظهر : أنّ الأقسام المتوهّم وقوعها فی الصحیحة بعضها خارج من مصبّ الروایة وبعضها خارج من جهة اُخری :
الأوّل : مثل الجاهل البسیط بالحکم أو الموضوع ؛ فإنّ الأوّل یجب علیه التعلّم ، والثانی مرجعه إلی القواعد المقرّرة للشاکّ .
والثانی : مثل الجاهل المرکّب بالنسبة إلی الحکم الشرعی ، مثل الجزئیة والشرطیة ؛ فإنّ الحکم بعدم الجزئیة ـ حینئذٍ ـ یستلزم التصویب ، والقدر المتیقّن هو السهو والنسیان والجهل المرکّب بالموضوع ، انتهی کلامه .
وفی کلتا المقدّمتین نظر :
أمّا الاُولی : فلأنّ قوله علیه السلام فی ذیل الروایة : «القراءة سنّة والتشهّـد سنّة ، ولا تنقض السنّة الفریضة» ظاهر فی أنّ الوجه فی عدم الإعادة هو أنّ الفرائض لاتنقضها السنن ، وأنّ الصلاة مع کونها ناقصة الأجزاء والشرائط مسقط للأمر ؛ لاشتمالها علی الفرائض ، فهی لاتدلّ علی تمامیة الصلاة حتّی یستلزم التمامیة التصویب فی بعض الموارد ، بل یدلّ علی الاکتفاء بالناقص وتقبله عن الکاملة . نعم ، لا مضایقة بهذا المعنی ، لکنّه لا یفیده ولا ینتج له .
وأمّا الثانیة : فلخروج العامد والشاکّ الملتفت وجه ؛ لعدم مجوّز لدخولهما فی الصلاة ، وأمّا غیرهما فلا وجه لخروجه مع وجود المجوّز لدخوله .
وأمّا التمسّک بالتصویب ـ علی تقدیر الشمول ـ فغیر تامّ ؛ فإنّ التصویب بهذا
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 378
المعنی ؛ بأن یختصّ فعلیة حکم الجزء والشرط بالعالم دون من لم یقم عنده أمارة علی الجزئیة والشرطیة ، أو قامت وحصل له عذر من نسیان حکمه وغیر ذلک ، مع اشتراک الکلّ فی الأحکام الواقعیة ممّا لم یقم دلیل علی بطلانه ، والتصویب الباطل غیر هذا ؛ إذ هو نفی الحکم فی حقّ الناسی والجاهل من رأس .
فظهر : أنّ الظاهر شمولها لعامّة الأقسام إلاّ العامد والجاهل الملتفت ، کما أنّ الظاهر شمولها للزیادة والنقیصة ؛ بمعنی أنّه لایختلّ أمر الصلاة من جهة الزیادة أو النقیصة ، إلاّ من قبل الخمسة ؛ زیادة ونقیصة .
وعدم تصوّر الزیادة فی بعض الأقسام لایضرّ بالظهور ، فالزیادة داخلة فی النفی والإثبات .
وأمّا ما احتمله شیخنا العلاّمة رحمه الله من اختصاص القاعدة بالنقیصة أو بالنقیصة فی المستثنی دون المستثنی منه حتّی تصیر الزیادة فی الخمسة داخلة فی المستثنی منه ، ولا یجب الإعادة فی زیادتها ـ وإن کانت یجب فی نقصها ـ بتقریب أنّ الزیادة بما هی هی لیست مبطلة ، بل لأجل شرطیة عدمها فی الصلاة .
فلو زاد فی صلاته بتکرار الرکوع فقد نقص من صلاته شیئاً ، وقد عرفت أنّ الصلاة لاتبطل من جهة النقیصة إلاّ من خمسة ، وهذه النقیصة ـ أعنی فقدان العدم المشترط ـ لیس من تلک الخمس ، فلا تجب الإعادة من زیادة الخمس .
فمدفوع : بأنّه خلط بین حکم العرف والعقل ؛ فإنّ الزیادة فی الماهیة بشرط لا مضرّة عرفاً بما أنّها زیادة فیها ؛ وإن کانت راجعة إلی النقیصة عقلاً . فإذا قیل : «إنّ الصلاة أوّلها التکبیر وآخرها التسلیم ، من غیر زیادة ونقیصة» تکون
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 379
الزیادة مخلّة بها عرفاً ، من غیر توجّه إلی أنّ العقل بحسب الدقّة یحکم بأنّ عدم الزیادة من قیود المأمور به ، وترجح الزیادة إلی النقصان ، کما یشهد بذلک التعبیر فی الروایات بالزیادة فی المکتوبة .
فإذا قیل : «لاتعاد الصلاة إلاّ من خمسة» یکون ظهوره العرفی أنّ الزیادة والنقیصة الواردتین علیها من قِبل غیر الخمسة لاتوجبان الإعادة ، بخلاف الخمسة ؛ فإنّ زیادتها أو نقیصتها مخلّة ، من غیر توجّه إلی الحکم العقلی المذکور .
هذا مفاد القاعدة .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 380