المقصد السابع فی الاُصول العملیة

التمسّک بالاستصحاب لإثبات صحّة العمل مع الزیادة

التمسّک بالاستصحاب لإثبات صحّة العمل مع الزیادة

‏ ‏

‏ثمّ إنّه ربّما یتمسّک لصحة العمل مع الزیادة بالاستصحاب ، وقد قرّر بوجوه :‏

الأوّل : ما أفاده شیخنا العلاّمة‏ ـ أعلی الله مقامه ـ فی مقامات کثیرة ، منها هذا‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 367
‏المقام ، فیقال : باستصحاب عدم قاطعیة الزائد أو مانعیته بنحو العدم الأزلی ، فیشار‏‎ ‎‏إلی ماهیة الزائد ، ویقال : إنّها قبل تحقّقها لم تتّصف بالقاطعیة ، والآن کما کان .‏

وفیه :‏ ما عرفت سابقاً‏‎[1]‎‏ ؛ من عدم إمکان بقاء هذیتها ؛ لأنّ الشیء قبل‏‎ ‎‏تحقّقه لم یکن مشاراً إلیه ولا محکوماً بشیء إثباتاً أو نفیاً . فالماهیة قبل تحقّقها لا‏‎ ‎‏شیئیة لها حتّی یقال : إنّها قبل وجودها کانت کذا أو لم یکن کذا .‏

‏وإن شئت قلت : لابدّ فی الاستصحاب من وحدة القضیة المتیقّنة والمشکوک‏‎ ‎‏فیها ، ولیس فی السالبة بانتفاء الموضوع علی حذو سائر القضایا موضوع ومحمول‏‎ ‎‏ونسبة حاکیة عن الواقع بوجه . فاستصحاب العدم الأزلی لا أصل له .‏

‏مع أنّه علی فرض جریانه یمکن أن یدّعی : أنّه من الاُصول المثبتة ؛ لأنّ‏‎ ‎‏إثبات صحّة المأتی به باستصحاب عدم اتّصاف الزائد بالقاطعیة عقلی . بل لعلّ‏‎ ‎‏سلب قاطعیته للصلاة الموجودة بذلک الاستصحاب أیضاً عقلی .‏

‏وفیه أیضاً أنظار اُخر یطول المقام بذکره .‏

الثانی : استصحاب عدم وقوع القاطع فی الصلاة .

‏وتوضیحه علی نحو یتمیّز المثبت من غیره یتوقّف علی بیان أمر ، وهو : أنّ‏‎ ‎‏الأثر ربّما یترتّب علی کون الشیء متّصفة بصفة خاصّة ، کما إذا قال : «صلّ خلف‏‎ ‎‏الرجل العادل» ، فما هو موضوع للحکم کون الرجل عادلاً . وربّما یترتّب الحکم‏‎ ‎‏علی المحمول المتقیّد بالموضوع ، کعدالة زید ، کما لو نذر التصدّق عند قیام الدلیل‏‎ ‎‏علی عدالته . فلکلّ من الموضوعین أثر ومقام .‏

‏فلو أراد أن یأتمّ بزید وشکّ فی کونه عادلاً وقت الائتمام أولا ، مع کونه‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 368
‏عادلاً فیما سبق فلابدّ من أن یستصحب کون زید عادلاً . واستصحاب عدالة زید لا‏‎ ‎‏یثبت کون زید عادلاً .‏

‏وقد أوضحنا فی رسالة الدماء الثلاثة : أنّ ما هو المفید هو استصحاب کون‏‎ ‎‏المرأة حائضاً ، لا استصحاب حیضیة الدم ، فإنّه لایثبت کونها حائضاً‏‎[2]‎‏ .‏

‏إذا عرفت هذا فاعلم : أنّ المفید مـن الاستصحاب استصحاب ما هـو‏‎ ‎‏موضوع للأثر ؛ وهو کون الصلاة بلا مانع أو الهیئة الاتّصالیة بلا قاطع ، فیستصحب‏‎ ‎‏بقاؤها علی هذه الحالة عند الشکّ فی طروّهما . وأمّا استصحاب عدم وقوع المانع‏‎ ‎‏فیها أو عدم وقوع القاطع فی الهیئة الاتّصالیة لایثبت کون الصلاة بلا مانع أو کون‏‎ ‎‏الهیئة بلا قاطع .‏

‏نعم ، قد احتملنا فی الدورة السابقة جریان الاستصحاب فی نفس التقیید‏‎ ‎‏ـ أی الکـون الرابط ـ وقلنا : إنّ استصحاب عدم تحقّق المانـع فی الصلاة عبارة‏‎ ‎‏اُخـری عـن کونها بلا مانع‏‎[3]‎‏ ، إلاّ أنّـه مـورد تأمّل ونظر کما عرفت ، ومـا قوّیناه‏‎ ‎‏أخیراً أوضح .‏

‏ولیعلم : أنّ جریان هذا الاستصحاب فی المانع والقاطع لایحتاج إلی إثبات‏‎ ‎‏الهیئة الاتّصالیة للصلاة . نعم لایجری هذا الاستصحاب فیما یقارن للصلاة من أوّل‏‎ ‎‏وجودها ، کاللباس المشکوک فیه ، وإنّما یجری فی الطارئ المحتمل أثناء الصلاة .‏

‏واعلم : أنّ هذا الاستصحاب مبنی علی أنّ معنی مانعیة الشیء وقاطعیته‏‎ ‎‏راجع إلی أخذ عدمهما فی الصلاة ؛ بحیث یکون المأمور به هو الصلاة المتقیّد‏‎ ‎‏بعدمهما ، کما هو المعروف فی معنی الموانع والقواطع‏‎[4]‎‏ ، فیجری هذا الاستصحاب ،‏‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 369
‏وقد میزت الأصل النافع عن عدمه .‏

‏وأمّا إذا قلنا : بأنّ کون الشیء مانعاً أو قاطعاً لیس إلاّ کون وجوده مخرّباً‏‎ ‎‏للصلاة ، من دون أن یقع العدم مورداً للأمر ، ومن دون أن یکون مؤثّراً فی حصول‏‎ ‎‏الغرض ، کما هو الحال فی الموانع التکوینیة ؛ فإنّ المؤثّر هو النار ، لا النار مع عدم‏‎ ‎‏الرطوبة ، وإنّما الرطوبة مخرّبة وهادمة لأثرها .‏

‏فلا مجال لهذا الاستصحاب ؛ لأنّ المأمور به لیس الصلاة المتّصفة بـ «لا‏‎ ‎‏مانع» و «لا قاطع» ، بل ذات الصلاة التی لایجتمع فی نفس الأمر مع هذه القواطع‏‎ ‎‏والموانع ؛ وهو لایحرز بالأصل ؛ لأنّ نفی أحد الضدّین لایلازم شرعاً ثبوت الآخر ،‏‎ ‎‏وهذا مثل إثبات السکون بنفی الحرکة .‏

‏وأمّا الکلام فی تحقیق معنی المانعیة والقاطعیة ، وأنّ مرجعهما إلی أخذ العدم‏‎ ‎‏أو إلی مخرّبیة وجودهما ، من دون أخذه فله مجال آخر ، فلیکن هذا علی ذکر منک .‏

الثالث : استصحاب الهیئة الاتّصالیة .

‏وهی أمر اعتباری وراء نفس الأجزاء ، یکون تحقّقها من أوّل وجود المرکّب‏‎ ‎‏إلی آخره . فصار المرکّب بهذا الاعتبار أمراً وحدانیاً متّصلاً ، کالموجودات غیر‏‎ ‎‏القارّة ، کالزمان والحرکة ؛ فإنّ کلّ واحد منهما أمر واحد ممتدّ متّصل یوجد بأوّل‏‎ ‎‏جزئه وینعدم بآخر جزء منه ، بلا تخلّل عدم بینهما ، غیر أنّ الاتّصال هناک حقیقی‏‎ ‎‏وفی المقام اعتباری ، کما لا یخفی .‏

‏والمراد من الهیئة الاتّصالیة غیر الوحدة المعتبرة فی کلّ مرکّب یقع تحت‏‎ ‎‏دائرة الطلب أو فی اُفق الإرادة ، کما ذکرنا فی باب الأقلّ والأکثر‏‎[5]‎‏ ؛ لأنّ الوحدة‏‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 370
‏تجعل تلک الاُمور المختلفة شیئاً واحداً یتعلّق به أمر واحد ، وأمّا السکنات المتخلّلة‏‎ ‎‏فتکون خارجة عن المرکّب .‏

‏وأمّا الهیئة الاتّصالیة فتجعل تلک السکونات داخلة فیه ، لا علی حذو سائر‏‎ ‎‏الأجزاء حتّی تکون فی عرضها ، بل هی کخیط ینضمّ شتات الأجزاء ویوصل بعضها‏‎ ‎‏ببعض ، فیکون الآتی بالمرکّب داخلاً فیه من أوّله إلی آخره ؛ حتّی فی السکونات‏‎ ‎‏المتخلّلة .‏

‏ویدلّ علیه ـ مضافاً إلی الروایات المستفیضة فی باب القواطع المعبّرة عن‏‎ ‎‏کثیر من المفسدات بالقواطع‏‎[6]‎‏ ؛ إذ لولاها لما کان لاستعماله وجه ـ ارتکاز‏‎ ‎‏المتشرّعة ، الکاشفة عن الحکم الشرعی ، فتری کلّ متشرّع یصلّی یری نفسه فی‏‎ ‎‏الصلاة ؛ من تکبیرها إلی سلامها ـ حتّی فی السکونات ـ وهذا أوضح دلیل علی‏‎ ‎‏اعتبارها .‏

‏وما عن بعض أعاظم العصر من الإشکال فی ثبوتها فی الصلاة لأجل وجوه‏‎ ‎‏ذکرها‏‎[7]‎‏ لیس فی محلّه ، وقد أوضحنا حال تلک الوجوه فی الدورة السابقة وأطلنا‏‎ ‎‏المقال ؛ حتّی بحثنا عن صحّة شرطیة أحد الضدّین ومانعیة الآخر وعدم صحّتها‏‎[8]‎‏ ،‏‎ ‎‏غیر أنّا نکتفی بما عرفت ، والتفصیل موکول إلی محلّه .‏

‏واعلم : أنّه لو قلنا بأنّ مآل المانعیة أو القاطعیة إلی شرطیة عدمهما فی‏‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 371
‏المأمور به فلا ینفع بقاء الهیئة الاتّصالیة ؛ لأنّ بقائها لایثبت تحقّق هذا العدم فی‏‎ ‎‏المأمور به .‏

‏فظهر : أنّ هذا الاستصحاب وما سبقه متعاکسان فی الجریان وعدمه ، فتدبّر .‏

الرابع : استصحاب الصحّة التأهّلیة للأجزاء‏ بعد وقوع ما یشکّ فی قاطعیته أو‏‎ ‎‏مانعیته . ومعنی الصحّة التأهّلیة هو أنّ الأجزاء السالفة قبل حدوث ما یشکّ فی‏‎ ‎‏قاطعیته ومانعیته کانت مستعدّة للحوق الأجزاء الباقیة علیها ، والأصل بقاء ذلک‏‎ ‎‏الاستعداد وعدم بطلانه لأجل تخلّل ما یشکّ فی قاطعیته .‏

‏وما أفاده بعض أعاظم العصر من أنّه استصحاب تعلیقی ، وأنّ معنی الصحّة‏‎ ‎‏التأهّلیة هو أنّه لو انضمّ إلیها البقیة تکون الصلاة صحیحة ، وهذا المعنی فرع وقوع‏‎ ‎‏الأجزاء السالفة صحیحة ، وهذا ممّا یقطع به ، فلا شکّ حتّی یجری الاستصحاب‏‎[9]‎‏ ،‏‎ ‎‏غیر تامّ ؛ إذ أیّ تعلیق فیما ذکرناه ؟‏

‏وما أفاده من أنّ صحّة الأجزاء السالفة مقطوعة لیس بشیء ؛ لأنّه لیس معنی‏‎ ‎‏الصحّة التأهّلیة ، بل معناه هو الحیثیة الاستعدادیة المعتبرة فی الأجزاء السابقة‏‎ ‎‏لتأهّل لحوق البقیة ، وهذا أمر مشکوک فیه .‏

‏نعم ، یرد علی هذا الاستصحاب : أنّه لایثبت الصحّة الفعلیة ، وأنّ بقاء‏‎ ‎‏الاستعداد فی الأجزاء السابقة لایثبت ربط الأجزاء اللاحقة بها ، إلاّ علی القول‏‎ ‎‏بالأصل المثبت .‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 372

  • )) تقدّم فی الصفحة 134 .
  • )) الطهارة ، الإمام الخمینی قدس سره 1 : 98 ـ 99 .
  • )) أنوار الهدایة 2 : 352 ـ 353 .
  • )) راجع فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشیخ الأعظم 25 : 359 ، أجود التقریرات 2 : 437 ـ 438 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 292 ـ 293 .
  • )) راجع وسائل الشیعة 7 : 233 ، کتاب الصلاة ، أبواب قواطع الصلاة ، الباب 1 ، الحدیث 2 ، والباب 2 ، الحدیث 14 و17 ، والباب 3 ، الحدیث 3 و 7 و 8 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 4 : 235 ـ 237 .
  • )) راجع أنوار الهدایة 2 : 355 ـ 358 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 4 : 232 ـ 233 .