المقصد السابع فی الاُصول العملیة

تصویر الزیادة فی الجزئیة والشرطیة

تصویر الزیادة فی الجزئیة والشرطیة

‏ ‏

‏وقبل الخوض فی بیانه لابدّ من التنبیه علی أمر ، وهو : أنّ الزیادة فی المأمور‏‎ ‎‏به أو المکتوبة لایتصوّر عقلاً ؛ سواء اُخذ المرکّب والجزء لابشرط أو اُخذ کلاهما‏‎ ‎‏بشرط لا ، أو اُخذا مختلفین . نعم تتحقّق الزیادة فی المأمور به عرفاً ، وأمّا النقیصة‏‎ ‎‏فهی تتحقّق فیه عقلاً وعرفاً :‏

أمّا النقیصة :‏ فلو کان المرکّب ذات أجزاء وشرائط دخیلاً فی حصول الغرض‏‎ ‎‏فلا ریب أنّ المکلّف إذا أخلّ بواحد منهما یصدق أنّه نقص فی المأمور به .‏

وأمّا الزیادة فی الجزئیة أو الشرطیة :‏ فغیر متحقّقة عقلاً ؛ لأنّ عنوانی الکلّیة‏‎ ‎‏والجزئیة إنّما تنتزعان من تعلّق الأمر بالمرکّب ، فینتزع الکلّیة من تعلّقه بالأجزاء‏‎ ‎‏ـ مثلاً ـ فی لحاظ الوحدة ، کما ینتزع من کلّ واحدٍ الجزئیة للمأمور به . فالجزئیة‏‎ ‎‏من الاُمور الانتزاعیة التابعة لتعلّق الأمر بالکلّ .‏

‏فحینئذٍ : فالزیادة فی الجزء بالمعنی الذی عرفت لایتصوّر ؛ لأنّ الزیادة تنافی‏‎ ‎‏الجزئیة ، فلا یعقل الإتیان بشیء معتبر فی المرکّب لیصحّ انتزاع الجزئیة ، ومع ذلک‏‎ ‎‏یکون زائداً .‏

وبالجملة :‏ إنّ قول زیادة الجزء أشبه شیء بالمتنافیین فی نظر العقل ؛ لأنّ‏‎ ‎‏کون الشیء جزءً بالفعل منتزعاً منه الجزئیة فرع تعلّق الأمر به ، ومعنی الزیادة عدم‏‎ ‎‏تعلّق الأمر به ، فکیف یجتمعان ؟‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 362
‏وإن شئت قلت : إنّ الزیادة فی المکتوبة أو المأمور به لا تصدق إلاّ إذا کان‏‎ ‎‏ظرف الزیادة هو المأمور به والمکتوبة ، ولا یصدق ذلک إلاّ إذا کان الجزء الزائد‏‎ ‎‏متعلّقاً للأمر حتّی یصدق أنّه زیادة فی المأمور به ، وإلاّ فهو شیء أجنبی واقع بین‏‎ ‎‏الجزئین للمأمور به .‏

‏نعم ، الزیادة فی الجزء ممکنة بالمعنی العرفی ، فإذا تکرّر الجزء یصدق علی‏‎ ‎‏الثانی منه أنّه زیادة فی المرکّب غیر محتاج إلیه .‏

‏وأمّا ما أفاده المحقّق الخراسانی من التفصیل فی تحقّق الزیادة بین ما إذا اُخذ‏‎ ‎‏الجزء لا بشرط ؛ فیتحقّق الزیادة مع أخذ المرکّب بشرط لا ، وما إذا اُخذ بشرط لا ؛‏‎ ‎‏فإنّ مآله إلی النقیصة‏‎[1]‎‏ .‏

‏فلیس بشیء ؛ لأنّ ما هو الجزء إنّما هو ذات الرکوع ، وکونه مأخوذاً بشرط‏‎ ‎‏لا شرط أو وصف له . فلو أتی بالجزء ـ الرکوع ـ یصدق أنّه زاد فی الجزء ؛ وإن کان‏‎ ‎‏الزیادة یوجب ورود النقص لمکان الشرط أیضاً .‏

‏والحاصل : أنّه وقع الخلط بین زیادة الجزء ونقصان الشرط ، فالتکرار بذاته‏‎ ‎‏زیادة وباعتبار آخر منشأ للإخلال بقید الجزء وشرطه ، ولا مانع من کون شیء‏‎ ‎‏زیادةً ومنشأ للنقصان .‏

‏وتوهّم : أنّ ما هو الجزء هو مجموع الشرط والمشروط ، فذات الرکوع لیس‏‎ ‎‏بجزء ، فلا یصیر تکراره زیادة فیه ، مدفوع بأنّ جعل المجموع جزءً لایقتضی‏‎ ‎‏خروج ذات الرکوع عن الجزئیة ؛ لأنّ جزء الجزء جزء .‏

ثمّ إنّ بعض محقّقی العصر ‏رحمه الله‏‏ أراد تصویر الزیادة الحقیقیة ، وأوضحه‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 363
‏بمقدّماتٍ ، ولا بأس بنقل کلامه وتوضیح ما فیه من الخلط ، قال :‏

‏الاُولی : یشترط کون الزیادة من سنخ المزید علیه ، ولاتصدق علی الکلام‏‎ ‎‏الأجنبی من الصلاة .‏

‏الثانیة : یعتبر کون المزید فیه محدوداً بحدّ خاصّ ؛ ولو اعتباراً .‏

‏الثالثة : أنّ أخذ شیء جزءً أو شرطاً یتصوّر علی وجوه ثلاثة :‏

‏أحدها : أخذه جزءً أو شرطاً بشرط لا من الزیادة فی مقام التحقّق .‏

‏ثانیها : اعتباره لابشرط من طرف الزیادة ؛ بحیث لوزید علیه لکان الزائد‏‎ ‎‏خارجاً عن ماهیة المرکّب ؛ لعدم تعلّق اللحاظ بالزائد عند اعتباره جزءً ، کما لو‏‎ ‎‏اعتبر فی الصلاة ذات الرکوع الواحد لا مقیّداً بشرط عدم الزیادة ولا طبیعة الرکوع ،‏‎ ‎‏فیکون الرکوع الثانی خارجاً من حقیقة الصلاة ؛ لعدم تعلّق اللحاظ به .‏

‏ثالثها : اعتبار کونه جزءً لا بشرط ، لکن بنحو لو زید علیه لکان الزائد من‏‎ ‎‏المرکّب ، کما لو اعتبر طبیعة الرکوع الجامعة بین الواحد والمتعدّد ، لا الرکوع‏‎ ‎‏الواحد . فحینئذٍ : لامجال لتصویر الزیادة علی الأوّل ؛ لرجوعها إلی النقیصة . وکذا‏‎ ‎‏علی الثانی ؛ لأنّ الزائد علیه لیس من سنخ المزید علیه ؛ لخروج الوجود الثانی عن‏‎ ‎‏دائرة اللحاظ ، فیستحیل اتّصافه بالصلاتیة .‏

‏وأمّا علی الثالث فیتصوّر الزیادة الحقیقیة ؛ سواء اُخذ الجزء فی مقام الأمر‏‎ ‎‏بشرط لا أو لا بشرط بالمعنی الأوّل أو الثانی .‏

‏وذلک علی الأوّلین ظاهر ؛ لأنّ الوجود الثانی من طبیعة الجزء ممّا یصدق‏‎ ‎‏علیه الزیادة بالنسبة إلی ما اعتبر فی المأمور به من تحدید الجزء بالوجود الواحد ؛‏‎ ‎‏حیث إنّه یتعلّق الأمر بالصلاة المشتملة علی رکوع واحد یتحدّد طبیعة الصلاة‏‎ ‎‏بالقیاس إلی دائرة المأمور به منها بحدّ یکون الوجود الثانی بالنسبة إلی ذلک الحدّ‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 364
‏من الزیادة لقلب حدّه إلی حدّ آخر ؛ وإن لم یصدق عنوان الزیادة بالنسبة إلی‏‎ ‎‏المأمور به بما هو مأمور به .‏

‏وکذلک الأمر علی الأخیر ؛ إذ بانطباق صرف الطبیعی علی الوجود الأوّل فی‏‎ ‎‏المتعاقبات یتحدّد دائرة المرکّب والمأمور به بحدّ قهراً یکون الوجود الثانی زیادة‏‎ ‎‏فی المرکّب والمأمور به ، فتأمّل‏‎[2]‎‏ ، انتهی ملخّصاً .‏

ولعلّه  ‏رحمه الله‏‏ أشار‏‏ بالتأمّل إلی بعض التأمّلات التی فی کلامه ، ونحن نشیر إلیها‏‎ ‎‏إجمالاً :‏

منها :‏ أنّ اللا بشرط بالمعنی الأوّل ـ أعنی أخذ الرکوع الواحد لابقید الوحدة‏‎ ‎‏ولا بأخذه طبیعیاً جزءً فی المأمور به ـ ممّا لا محصّل له ؛ لأنّ الوحدة إمّا قید أولا ،‏‎ ‎‏فعلی الأوّل یرجع إلی الاعتبار الأوّل ؛ أعنی أخذه بشرط لا ، وعلی الثانی یرجع‏‎ ‎‏إلی المعنی الثانی من لا بشرط ؛ أعنی الاعتبار الثالث من کلامه .‏

‏وقد نبّهنا فی الجزء الأوّل من مباحث الألفاظ : أنّ القضیة الحینیة التی ربّما‏‎ ‎‏یتخیّل أنّها متوسّطة بین المطلقة والمشروطة ممّا لا أصل له‏‎[3]‎‏ ؛ وإن اعتمد علیها‏‎ ‎‏القائل غیر مرّة‏‎[4]‎‏ .‏

‏وتوهّم : أنّه یشیر بالرکوع الواحد إلی الأفراد الواقعیة للرکوع الواحد التی‏‎ ‎‏هی متمیّزة عـن الرکوعین فی نفس الأمـر بلا تقیید بالوحـدة غیر تامّ ؛ لأنّ تمیّز‏‎ ‎‏أفـراده الواقعیة عن غیرها إنّما هو لاشتمال کلّ فرد لقید أو قیود مفقودة فی غیر‏‎ ‎‏الرکوع الواحد .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 365
‏والآمر إذا أشار بالرکوع إلی تلک الحصّة من الطبیعة ـ علی مصطلحه ـ إمّا أن‏‎ ‎‏یشیر إلی حیثیة رکوعیة تلک الأفراد الواحدة ؛ فیلزم أن یکون الجزء هو نفس‏‎ ‎‏الطبیعی ، أو أشار إلیها مع تخصّصها بالواحدیة فی نفس الأمر ؛ فیلزم أن یکون‏‎ ‎‏الجزء هو الرکوع المقیّدة بالوحدة ؛ فهذا القسم من اللابشرط ممّا لا معنی له .‏

ومنها :‏ أنّ الظاهر من کلماته ـ کما صرّح به فی أواخر کلامه‏‎[5]‎‏ ـ أنّ ما یعتبر‏‎ ‎‏قبل تعلّق الحکم غیر ما تعلّق به الحکم .‏

‏وبهذا الوجه یرید تصویر الزیادة ، وهو غریب جدّاً ؛ ضرورة أنّ اعتبار‏‎ ‎‏الماهیـة قبل تعلّق الحکم لا بشرط ثمّ تعلیق الحکم بها بنحو آخـر ـ أی بشرط لا‏‎ ‎‏أو لا بشرط بالمعنی الثانی ـ لغو محض ، لا یترتّب علی الاعتبار المتقدّم أثر ،‏‎ ‎‏والاعتبار قبل تعلّق الحکم مقدّمة لتعلّقه ، فلا معنی للاعتبار بوجه ثمّ الرجوع عنه‏‎ ‎‏وتعلّق الحکم باعتبار آخر ، والجمع بین الاعتبارین غیر ممکن ؛ للتنافی بینهما .‏

ومنها :‏ أنّه مـع تسلیم ذلک لایتصوّر الزیادة ؛ لأنّ ما یوجب البطلان هـو‏‎ ‎‏الزیادة فی المکتوبة والـزیادة فی صلاة المکلّف ، والموضوع الـذی اعتبره قبل‏‎ ‎‏تعلّق الحکم ولم یأمر به ، فلا یکون مکتوبـة ولا مرتبطـة بالمکلّف حتّی تکون‏‎ ‎‏صلاة له وزیادة .‏

ومنها :‏ أنّ الزیادة المتخیّلة لاتکون فی المأمور به ـ کما اعترف به ـ ولا‏‎ ‎‏یمکن أن تکون فی الطبیعة اللابشرط ؛ لفرضها علی نحو لوزید علیه لکان الزائد‏‎ ‎‏أیضاً من المرکّب ، فأین الزیادة ؟ !‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 366

  • )) کفایة الاُصول : 418 .
  • )) نهایة الأفکار 3 : 436 ـ 438 .
  • )) تقدّم فی الجزء الأوّل : 261 و 375 ـ 376 .
  • )) نهایة الأفکار 1 : 45 و 64 و 112 و 143 و 223 و 3 : 52 و 381 و 4 : 11 .
  • )) نهایة الأفکار 3 : 440 .