تصویر الزیادة فی الجزئیة والشرطیة
وقبل الخوض فی بیانه لابدّ من التنبیه علی أمر ، وهو : أنّ الزیادة فی المأمور به أو المکتوبة لایتصوّر عقلاً ؛ سواء اُخذ المرکّب والجزء لابشرط أو اُخذ کلاهما بشرط لا ، أو اُخذا مختلفین . نعم تتحقّق الزیادة فی المأمور به عرفاً ، وأمّا النقیصة فهی تتحقّق فیه عقلاً وعرفاً :
أمّا النقیصة : فلو کان المرکّب ذات أجزاء وشرائط دخیلاً فی حصول الغرض فلا ریب أنّ المکلّف إذا أخلّ بواحد منهما یصدق أنّه نقص فی المأمور به .
وأمّا الزیادة فی الجزئیة أو الشرطیة : فغیر متحقّقة عقلاً ؛ لأنّ عنوانی الکلّیة والجزئیة إنّما تنتزعان من تعلّق الأمر بالمرکّب ، فینتزع الکلّیة من تعلّقه بالأجزاء ـ مثلاً ـ فی لحاظ الوحدة ، کما ینتزع من کلّ واحدٍ الجزئیة للمأمور به . فالجزئیة من الاُمور الانتزاعیة التابعة لتعلّق الأمر بالکلّ .
فحینئذٍ : فالزیادة فی الجزء بالمعنی الذی عرفت لایتصوّر ؛ لأنّ الزیادة تنافی الجزئیة ، فلا یعقل الإتیان بشیء معتبر فی المرکّب لیصحّ انتزاع الجزئیة ، ومع ذلک یکون زائداً .
وبالجملة : إنّ قول زیادة الجزء أشبه شیء بالمتنافیین فی نظر العقل ؛ لأنّ کون الشیء جزءً بالفعل منتزعاً منه الجزئیة فرع تعلّق الأمر به ، ومعنی الزیادة عدم تعلّق الأمر به ، فکیف یجتمعان ؟
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 362
وإن شئت قلت : إنّ الزیادة فی المکتوبة أو المأمور به لا تصدق إلاّ إذا کان ظرف الزیادة هو المأمور به والمکتوبة ، ولا یصدق ذلک إلاّ إذا کان الجزء الزائد متعلّقاً للأمر حتّی یصدق أنّه زیادة فی المأمور به ، وإلاّ فهو شیء أجنبی واقع بین الجزئین للمأمور به .
نعم ، الزیادة فی الجزء ممکنة بالمعنی العرفی ، فإذا تکرّر الجزء یصدق علی الثانی منه أنّه زیادة فی المرکّب غیر محتاج إلیه .
وأمّا ما أفاده المحقّق الخراسانی من التفصیل فی تحقّق الزیادة بین ما إذا اُخذ الجزء لا بشرط ؛ فیتحقّق الزیادة مع أخذ المرکّب بشرط لا ، وما إذا اُخذ بشرط لا ؛ فإنّ مآله إلی النقیصة .
فلیس بشیء ؛ لأنّ ما هو الجزء إنّما هو ذات الرکوع ، وکونه مأخوذاً بشرط لا شرط أو وصف له . فلو أتی بالجزء ـ الرکوع ـ یصدق أنّه زاد فی الجزء ؛ وإن کان الزیادة یوجب ورود النقص لمکان الشرط أیضاً .
والحاصل : أنّه وقع الخلط بین زیادة الجزء ونقصان الشرط ، فالتکرار بذاته زیادة وباعتبار آخر منشأ للإخلال بقید الجزء وشرطه ، ولا مانع من کون شیء زیادةً ومنشأ للنقصان .
وتوهّم : أنّ ما هو الجزء هو مجموع الشرط والمشروط ، فذات الرکوع لیس بجزء ، فلا یصیر تکراره زیادة فیه ، مدفوع بأنّ جعل المجموع جزءً لایقتضی خروج ذات الرکوع عن الجزئیة ؛ لأنّ جزء الجزء جزء .
ثمّ إنّ بعض محقّقی العصر رحمه الله أراد تصویر الزیادة الحقیقیة ، وأوضحه
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 363
بمقدّماتٍ ، ولا بأس بنقل کلامه وتوضیح ما فیه من الخلط ، قال :
الاُولی : یشترط کون الزیادة من سنخ المزید علیه ، ولاتصدق علی الکلام الأجنبی من الصلاة .
الثانیة : یعتبر کون المزید فیه محدوداً بحدّ خاصّ ؛ ولو اعتباراً .
الثالثة : أنّ أخذ شیء جزءً أو شرطاً یتصوّر علی وجوه ثلاثة :
أحدها : أخذه جزءً أو شرطاً بشرط لا من الزیادة فی مقام التحقّق .
ثانیها : اعتباره لابشرط من طرف الزیادة ؛ بحیث لوزید علیه لکان الزائد خارجاً عن ماهیة المرکّب ؛ لعدم تعلّق اللحاظ بالزائد عند اعتباره جزءً ، کما لو اعتبر فی الصلاة ذات الرکوع الواحد لا مقیّداً بشرط عدم الزیادة ولا طبیعة الرکوع ، فیکون الرکوع الثانی خارجاً من حقیقة الصلاة ؛ لعدم تعلّق اللحاظ به .
ثالثها : اعتبار کونه جزءً لا بشرط ، لکن بنحو لو زید علیه لکان الزائد من المرکّب ، کما لو اعتبر طبیعة الرکوع الجامعة بین الواحد والمتعدّد ، لا الرکوع الواحد . فحینئذٍ : لامجال لتصویر الزیادة علی الأوّل ؛ لرجوعها إلی النقیصة . وکذا علی الثانی ؛ لأنّ الزائد علیه لیس من سنخ المزید علیه ؛ لخروج الوجود الثانی عن دائرة اللحاظ ، فیستحیل اتّصافه بالصلاتیة .
وأمّا علی الثالث فیتصوّر الزیادة الحقیقیة ؛ سواء اُخذ الجزء فی مقام الأمر بشرط لا أو لا بشرط بالمعنی الأوّل أو الثانی .
وذلک علی الأوّلین ظاهر ؛ لأنّ الوجود الثانی من طبیعة الجزء ممّا یصدق علیه الزیادة بالنسبة إلی ما اعتبر فی المأمور به من تحدید الجزء بالوجود الواحد ؛ حیث إنّه یتعلّق الأمر بالصلاة المشتملة علی رکوع واحد یتحدّد طبیعة الصلاة بالقیاس إلی دائرة المأمور به منها بحدّ یکون الوجود الثانی بالنسبة إلی ذلک الحدّ
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 364
من الزیادة لقلب حدّه إلی حدّ آخر ؛ وإن لم یصدق عنوان الزیادة بالنسبة إلی المأمور به بما هو مأمور به .
وکذلک الأمر علی الأخیر ؛ إذ بانطباق صرف الطبیعی علی الوجود الأوّل فی المتعاقبات یتحدّد دائرة المرکّب والمأمور به بحدّ قهراً یکون الوجود الثانی زیادة فی المرکّب والمأمور به ، فتأمّل ، انتهی ملخّصاً .
ولعلّه رحمه الله أشار بالتأمّل إلی بعض التأمّلات التی فی کلامه ، ونحن نشیر إلیها إجمالاً :
منها : أنّ اللا بشرط بالمعنی الأوّل ـ أعنی أخذ الرکوع الواحد لابقید الوحدة ولا بأخذه طبیعیاً جزءً فی المأمور به ـ ممّا لا محصّل له ؛ لأنّ الوحدة إمّا قید أولا ، فعلی الأوّل یرجع إلی الاعتبار الأوّل ؛ أعنی أخذه بشرط لا ، وعلی الثانی یرجع إلی المعنی الثانی من لا بشرط ؛ أعنی الاعتبار الثالث من کلامه .
وقد نبّهنا فی الجزء الأوّل من مباحث الألفاظ : أنّ القضیة الحینیة التی ربّما یتخیّل أنّها متوسّطة بین المطلقة والمشروطة ممّا لا أصل له ؛ وإن اعتمد علیها القائل غیر مرّة .
وتوهّم : أنّه یشیر بالرکوع الواحد إلی الأفراد الواقعیة للرکوع الواحد التی هی متمیّزة عـن الرکوعین فی نفس الأمـر بلا تقیید بالوحـدة غیر تامّ ؛ لأنّ تمیّز أفـراده الواقعیة عن غیرها إنّما هو لاشتمال کلّ فرد لقید أو قیود مفقودة فی غیر الرکوع الواحد .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 365
والآمر إذا أشار بالرکوع إلی تلک الحصّة من الطبیعة ـ علی مصطلحه ـ إمّا أن یشیر إلی حیثیة رکوعیة تلک الأفراد الواحدة ؛ فیلزم أن یکون الجزء هو نفس الطبیعی ، أو أشار إلیها مع تخصّصها بالواحدیة فی نفس الأمر ؛ فیلزم أن یکون الجزء هو الرکوع المقیّدة بالوحدة ؛ فهذا القسم من اللابشرط ممّا لا معنی له .
ومنها : أنّ الظاهر من کلماته ـ کما صرّح به فی أواخر کلامه ـ أنّ ما یعتبر قبل تعلّق الحکم غیر ما تعلّق به الحکم .
وبهذا الوجه یرید تصویر الزیادة ، وهو غریب جدّاً ؛ ضرورة أنّ اعتبار الماهیـة قبل تعلّق الحکم لا بشرط ثمّ تعلیق الحکم بها بنحو آخـر ـ أی بشرط لا أو لا بشرط بالمعنی الثانی ـ لغو محض ، لا یترتّب علی الاعتبار المتقدّم أثر ، والاعتبار قبل تعلّق الحکم مقدّمة لتعلّقه ، فلا معنی للاعتبار بوجه ثمّ الرجوع عنه وتعلّق الحکم باعتبار آخر ، والجمع بین الاعتبارین غیر ممکن ؛ للتنافی بینهما .
ومنها : أنّه مـع تسلیم ذلک لایتصوّر الزیادة ؛ لأنّ ما یوجب البطلان هـو الزیادة فی المکتوبة والـزیادة فی صلاة المکلّف ، والموضوع الـذی اعتبره قبل تعلّق الحکم ولم یأمر به ، فلا یکون مکتوبـة ولا مرتبطـة بالمکلّف حتّی تکون صلاة له وزیادة .
ومنها : أنّ الزیادة المتخیّلة لاتکون فی المأمور به ـ کما اعترف به ـ ولا یمکن أن تکون فی الطبیعة اللابشرط ؛ لفرضها علی نحو لوزید علیه لکان الزائد أیضاً من المرکّب ، فأین الزیادة ؟ !
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 366