فیما أورد المحقّق العراقی علی التمسّک بحدیث « رفع. . . النسیان »
هذا توضیح المختار ، ولابدّ من دفع ما استصعبه بعضهم من الإشکالات ؛ حتّی یتّضح الحقیقة بأجلی مظاهرها ، فنقول :
منها : أنّ ما هو جزء للصلاة إنّما هو طبیعة الشیء ، والجزئیة من أوصافها . والنسیان لم یتعلّق بالطبیعـة حتّی یرتفع آثارهـا ، وإنّما تعلّق بوجـودها ، وهـو لیس جزءً .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 357
وفیه : أنّ المنسی بالضرورة نفس الطبیعة ؛ بمعنی حضورها فی الذهن . فإن أراد القائل من تعلّقه بالوجود تعلّقه بالفرد الخارجی فواضح الفساد ؛ وإن کان المراد إیجاد الطبیعة فهو یرجع إلی ما ذکرنا .
ومنها : أنّه إن اُرید من رفع الجزئیة عن الجزء رفعها فی مقام الدخل فی الملاک فلا شبهة أنّه أمر تکوینی لایقبل الرفع التشریعی .
وإن اُرید رفعها بلحاظ انتزاعها عن التکلیف الضمنی ففیه : أنّ الحدیث یختصّ بما لولاه لکان قابلاً للثبوت تکلیفاً أو وضعاً ، والتکلیف الفعلی مرتفع عن المنسی بعروض النسیان ، بملاک استحالة التکلیف بما لا یطاق ، فالتکلیف مرتفع مع قطع النظر عن الحدیث .
قلت : إنّ ذلک یناقض مع ما مرّ من القائل من القول بالجزئیة المطلقة فیما إذا کان لسان الدلیل لسان وضع ، أو لسان تکلیف لکن علی وجه الإرشاد إلی الجزئیة ، وما نقلناه هناک عن القائل نصّ فی إمکان جعل الجزئیة بالنسبة إلی الغافل والجاهل ، ولایلزم منه التکلیف بما لایطاق .
بل ذکر رحمه الله فی موضع من کلامه : أنّ البحث عن البراءة الشرعیة فی المقام فیما إذا ثبت لأدلّة الأجزاء والشرائط إطلاق ؛ بحیث لولاه لما کان للبحث عنها مجال . ولکنّه زعم فی المقام أنّ ثبوت الإطلاق فی حال النسیان یوجب التکلیف بما لا یطاق . ولعلّه من عثرات ذهنه أو قلمه الشریف .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 358
ومنها : ما یستفاد من تقریرات العلمین أنّه لیس فی المرکّب إلاّ طلب واحد متعلّق بعدّة اُمور متباینة ، وینتزع جزئیة کلٍّ من انبساط ذلک الطلب إلی الکلّ ، لا أنّ جزئیة کلٍّ مستقلّة بالجعل .
فحینئذٍ : رفع الجزئیة برفع منشأ انتزاعها ؛ وهو رفع التکلیف عن المرکّب ، فلابدّ من القول بأنّ التکلیف مرفوع عن المرکّب بحدیث الرفع ؛ لتعلّق الرفع بمنشأ انتزاع الجزئیة . ولایمکن إثبات التکلیف لبقیة الأجزاء ؛ إذ ـ مع کون الطلب واحـداً ، والمفروض ارتفاعه بارتفاع جزئیة المنسی ـ لا معنی لوجوب البقیة إلاّ بقیام دلیل خاصّ .
وفیه : أنّ رفع الجزئیة فی حال النسیان لیس معناه رفع الجزئیة الثابتة بالأدلّة الأوّلیة ـ رفعاً حقیقیاً جدّیاً ـ لما عرفت : أنّ ذلک من المستحیل فی حقّه سبحانه ، بل المراد هو الرفع القانونی ؛ بمعنی عدم الجعل من رأس ، وأنّ الإطلاق المستفاد من الدلیل إنّما کان مراداً بالإرادة الاستعمالیة لا الجدّیة ، وأنّ الناسی والخاطئ لم یسبق إلیهما التکلیف فی الأزل إلاّ بما عدا المنسی .
فالتحدید بالبقیة لم یحصل بحدیث الرفع ، وإنّما هو کاشف عن التحدید من حین تعلّق الأحکام .
وقد تقدّم أیضاً : أنّ الأمر المتعلّق بالمرکّب له داعویة لکلّ جزء جزء بعین الدعوة إلی المرکّب . فلو قام الدلیل علی سقوط الجزئیة فی بعض الأحوال یفهم
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 359
العرف من ضمّهما بقاء الدعوة إلی المرکّب الناقص والأجزاء غیر المنسیة ، من غیر فرق بین الجهل بالجزئیة ونسیانها ، فراجع .
وممّا ذکرنا یعلم : دفع ما ربّما یقال : إنّ غایة ما یقتضی الحدیث هو رفع بقاء الأمر الفعلی والجزئیة الفعلیة حال النسیان الملازم بمقتضی الارتباطیة لسقوط التکلیف عن البقیة مادام النسیان .
وأمّا اقتضاؤه لسقوط المنسی عن الجزئیة والشرطیة فی حال النسیان لطبیعة الصلاة المأمور بها رأساً ، علی نحوٍ یستتبع تحدید دائرة الطبیعة فی حال النسیان بالبقیة ، ویقتضی الأمر بالإتیان بها ، فلا ؛ بداهة عدم تکفّل الحدیث لإثبات الوضع والتکلیف ؛ لأنّ الحدیث حدیث رفع لاحدیث وضع .
توضیح الدفع ـ وإن أوضحنا دفعه فیما سبق ـ أنّ الوضع لیس بید الحدیث ، وإنّما شأنه الکشف عن عدم تعلّق الإرادة الجدّیة بالجـزء المنسی حال النسیان ؛ وإن تعلّق به الإرادة الاستعمالیة . وأمّا الوضع فالمتکفّل له إنّما هو نفس الأوامر الإلهیة المتعلّقة بعناوین المرکّبات ، فالبقیة مأمور بها بنفس تلک الأوامر ، ومع رفع الجزئیة تکون البقیة مصداقاً للمأمور به ، ویسقط الأمر المتعلّق بالطبیعة ، وهـذا معنی الإجزاء .
ومنها : أنّه لابدّ فی التمسّک بحدیث الرفع من کون المرفوع له نحو تقرّر وثبوت ، فلا یتعلّق الرفع بالمعدومات ؛ وإن تنالها ید التشریع . ورفـع النسیان لو تعلّق بجزئیة الجزء یکون من نسیان الحکم لا الموضوع ، والحال : أنّ المنسی نفس الجزء ؛ أی الإتیان به قولاً وفعلاً . ومعنی نسیانـه خلوّ صفحة الوجـود عنه ،
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 360
فلا یعقل تعلّق الرفع به ؛ لأنّه معدوم .
وأیضاً لیس محلّ البحث النسیان المستوعب ونسیان الجـزء فی بعض الوقت کنسیان أصل المرکّب ، فکما أنّ الثانی لایوجب سقوط التکلیف رأسـاً کـذلک الأوّل .
وفیه : أنّ متعلّق الرفع أمر وجودی ؛ وهـو الجزئیـة حـال نسیان الموضـوع ، ولا دلیل علی اختصاص الرفع علی نسیان الحکم ، بل یعمّه ونسیان الموضوع . فالجزء الذی ثبت جزئیته للمرکّب بالأدلّة الأوّلیة مرفوع جزئیته حال نسیان الموضوع .
فما هو متعلّق الرفع إنّما هو أمر وجودی ؛ وهو الجزئیة حال نسیان الموضوع . وکونه غیر ناسٍ للحکم وذاکراً له لایقتضی ثبوت الجزء ؛ من حیث نسیان الموضوع . وحدیث الرفع یقتضی رفعه من حیث نسیانه للموضوع لا للحکم .
وأمّا قیاس نسیان الجزء بنسیان أصل المرکّب فمع الفارق ؛ لأنّه مع عدم الإتیان بالمرکّب لا معنی للإجـزاء ، بخلاف ما لو أتی بما عـدا المنسی ؛ فإنّ الناقص یصیر مصداق المأمور به ، بعد حکومة الحدیث علی الأدلّة ، فالإتیان به یقتضی الإجزاء .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 361